أوكرانيا.. نذير المجاعات
عبد الوهاب بدرخان
الحروب ليست فقط نزالا عسكريا وفرصا لتجريب الأسلحة المتطورة، ولا هي نتيجة لفشل الديبلوماسية فحسب، بل هي خصوصا ثمرة قرارات تبطن تجاهلا مسبقا وواعيا للأزمات الإنسانية التي ستنتج عنها بالضرورة.
أدخلت جائحة كورونا العالم في محنة قاسية، لم يبرأ منها بعد، فآثارها ما زالت بادية في الاقتصادات وسلاسل الإمدادات وقطاعات الصحة والتعليم، فيما تستمر المتحورات، واختلالات توزيع اللقاحات، في نشر الخوف وإزهاق الأرواح، أي أنها كانت كافية لردع أي تخطيط لأي عمل حربي، ناهيك عن التفكير فيه.
وفي الحرب الراهنة، سواء اعتُبرت روسية أوكرانية أو بين شرق وغرب، لم يتأخر الجانب الإنساني في فرض نفسه. أفراد وعائلات ومجتمعات وبلدان بدأت تستشعر الانعكاسات سريعا على مداخيلها وطريقة عيشها. ومرة أخرى تتبدى العولمة بكل وجوهها، بحبوحة وازدهارا، تراجعا وتعثرا، تغييرا مناخيا.
قُدمت العولمة على أنها روح العصر الجديد، تفتح العالم على بعضه بعضا، للتجارة وتبادل التكنولوجيا وتنافس الأعمال وسباقات التسلح، لكنها لم تنجح، بل لم تتوفر لها إرادة النجاح في تحقيق أي من الرهانين الدوليين المزمنين: مكافحة الفقر وتوطيد السلام.
ومن أواسط آسيا إلى الشرق الأوسط إلى إفريقيا، ثمة اليوم هاجس اسمه: الأمن الغذائي. الأمين العام للأمم المتحدة لم يتردد في التحذير من «إعصار من المجاعات».
إذا طالت الحرب ستفتقد الأسواق هذه السنة أكثر من ربع إمدادات القمح والحبوب والزيوت ومواد حياتية أخرى كانت تأتي من روسيا وأوكرانيا، وإذا توقفت قريبا، كما يؤمل، فإن انتظام عمليات الإنتاج والتصدير لن يعود سريعا إلى ما كان عليه، بسبب استحقاقات مرحلة الخروج من الحرب. هناك مصادر أخرى لتعويض ما ينقص في الأسواق، لكن الأسعار تتقافز صعودا، وترتفع معها كلفة الطاقة.
وأفاد تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة، التابعة للأمم المتحدة، مطلع يناير الماضي، بأن أسعار الغذاء العالمية ارتفعت
بـ28 في المائة خلال عام 2021، لتصل إلى أعلى مستوياتها منذ عشرة أعوام. أُعد هذا التقرير في ضوء خطط التعافي من تأثير الجائحة، وقد حذر من أن ارتفاع الأسعار يعرض الفئات الأفقر للخطر، في الدول المعتمدة على الاستيراد. لكن تقديراته جاءت قبل الحرب في أوكرانيا، التي تسببت في مزيد من ارتفاع أسعار الغذاء ونقص المحاصيل الأساسية، بحسب الصندوق الدولي للتنمية الزراعية.
وبينما سجلت توقعات مبكرة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إمكان ضياع إنجازات عقدين حققتها أوكرانيا، اجتماعيا واقتصاديا، «مع ما يقرب من ثلث السكان تحت خط الفقر، و62 في المائة عرضة للوقوع في براثن الفقر، خلال الشهور الـ12 المقبلة»، فإن مديرة صندوق النقد الدولي كانت بالغة الوضوح: «الحرب في أوكرانيا تعني الجوع في إفريقيا». أما الرئيس الفرنسي فلخص التقارير المتخصصة، بأن هذه الحرب ستؤدي على الأرجح إلى «أزمة غذاء في إفريقيا والشرق الأوسط، خلال الـ12- 18 شهرا المقبلة».
وفي ظل تدفق اللاجئين الأوكرانيين على دول أوروبا والضغوط المالية التي يشكلها، كان متوقعا أن تنعكس هذه الأزمة على سعي الأمم المتحدة إلى جمع 4.3 مليارات دولار، طلبتها لمواجهة الصعوبات الإنسانية في اليمن، إذ بلغت التعهدات 1.3 مليار دولار فقط. وتبدو المرحلة المقبلة أكثر صعوبة في ظل أزمة الغذاء العالمية. وعدا عن اليمن، هناك حالات اجتماعية قاسية أيضا في سوريا ولبنان والسودان وفلسطين.