أهم مستجدات قانون المالية لسنة 2023
اعتمادات مالية لتنزيل الحماية الاجتماعية ودعم القدرة الشرائية للمواطنين
قدمت وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح، الخميس الماضي، مشروع قانون المالية لسنة 2023، أمام مجلسي البرلمان. ويتضمن المشروع توقعات بأن يحقق اقتصادنا الوطني نموا بنسبة 4% مع حصر معدل التضخم في حدود 2% وعجز الميزانية في 4,5%، كما يتضمن المشروع جملة من التعديلات تخص المدونة العامة للجمارك والمدونة العامة للضرائب، فضلا عن إجراءات تتعلق بتنزيل ورش الحماية الاجتماعية ودعم القدرة الشرائية للمواطنين ودعم الاستثمار. في هذا الملف نستعرض أهم مستجدات المشروع الذي سيشرع مجلس النواب في مناقشته خلال هذا الأسبوع.
إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي
أكدت وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح، أن مشروع قانون المالية لسنة 2023 تضمن مواصلة بناء الدولة الاجتماعية وتعزيز ركائزها، من خلال تدابير ملموسةٍ وغير مسبوقة، سَتُحسِّن لا محالةَ من ظروف عيش فئات عريضة من المواطنين، وذلك عبر تعميم الحماية الاجتماعية للطبقات الهشة والمعوزة، وتحسين القدرة الشرائية للطبقة المتوسطة، خصوصا العاملين بالقطاعين العام والخاص والعاملين غير الأجراء والمتقاعدين، إلى جانب الارتقاء بالعرض الصحي وبالمدرسة العمومية وتحسين آليات الولوج للسكن.
وسيتم تمويل كل ذلك، وفق منظور قائم على تعزيز آليات التضامن، من خلال الرفع التدريجي من نسبة مساهمة الشركات الكبرى، مع إعادة اعتماد المساهمة الاجتماعية للتضامن على الأرباح والدخول برسم السنوات الثلاث القادمة؛ حيث إن السياق الاستثنائي الذي تعيشه بلادنا، اليوم، يُحتِّم على الجميع المساهمة في تحمل النفقات الموجهة لتمويل الأوراش التنموية لبلادنا، وفي مقدمتها الأوراش الاجتماعية الكبرى، تحقيقا للعدالة الاجتماعية.
وتراهن الحكومة، في إطار هذا المشروع، على إعطاء دفعة قوية للاستثمار في شقيه العام والخاص باعتباره رافعة أساسية لوضع أسس نمو مستدام، يخلق فرص الشغل ويوفر موارد التمويل لمختلف البرامج الاجتماعية والتنموية.
توفير الحماية الاجتماعية
أوضحت وزيرة الاقتصاد والمالية أن مشروع القانون المالي، الذي قدمته أمام مجلسي البرلمان، يستند في صياغته على التوجيهات الملكية السامية المتضمنة في الخطب الثلاث الأخيرة للملك محمد السادس في عيد العرش وثورة الملك والشعب وافتتاح السنة التشريعية الحالية. كما يستحضر مخرجات النموذج التنموي والتزامات البرنامج الحكومي.
وعلى هذا الأساس، تضيف الوزيرة، يروم مشروع قانون المالية لسنة 2023 تحقيق ثلاثة أهداف كبرى، وهي استكمال مشروع الحماية الاجتماعية كما أطلقها وحدد أبعادها الملك محمد السادس، مع المضي في إنجاز باقي الأوراش الاجتماعية تجسيدا لتوجه الدولة الاجتماعية. ويتعلق المحور الثاني بدعم الاستثمار وفق منظور يوازي بين تقوية جاذبية بلادنا للاستثمارات للحفاظ على النسيج الاقتصادي وتطويره، والاستغلال الأمثل للموارد، وعلى رأسها الموارد المائية، وتقوية شروط خلق الثروة من جهة، وإنتاج فرص الشغل وتقليص الفوارق وضمان العيش الكريم للمواطنين من جهة أخرى. أما المحور الثالث فيتعلق بتعبئة الهوامش المالية الضرورية لمواصلة الإصلاحات مع ضمان حماية سيادة القرار الوطني عبر الحفاظ على التوازنات الماكرو اقتصادية والمالية.
وبخصوص استكمال مشروع الحماية الاجتماعية، أكدت الوزيرة أنه يترجم إرادة ثابتة لتعزيز أسس الدولة الاجتماعية؛ حيث تعتزم الحكومة، في هذا الصدد، مواصلة التنزيل الفعلي لمختلف محاور ورش تعميم الحماية الاجتماعية الذي يشكل ثورة اجتماعية غير مسبوقة، من خلال اتخاذ كافة التدابير اللازمة لاستكمال تعميم التأمين الإجباري الأساسي عن المرض ليشمل كافة الفئات الاجتماعية، من خلال انتقال المستفيدين حاليا من نظام «راميد» إلى نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض نهاية سنة 2022.
وستتكفل الدولة بتكاليف الاشتراك في التأمين الإجباري الأساسي عن المرض لصالح ما يناهز 4 ملايين أسرة في وضعية هشاشة، من خلال تخصيص ما يناهز 9,5 ملايير درهم، وهو ما سيضمن لهذه الفئات الولوج للمؤسسات الاستشفائية على غرار باقي المستفيدين من التغطية الصحية الإجبارية.
وفي الإطار نفسه، ستتم مواكبة تأهيل المنظومة الصحية الوطنية، من خلال تخصيص 4,6 ملايير درهم إضافية، ليبلغ بذلك إجمالي الميزانية المخصصة لقطاع الصحة والحماية الاجتماعية أزيد من 28 مليار درهم.
ويتضمن تأهيل المنظومة الصحية عدة محاور، في مقدمتها تأهيل الموارد البشرية وتحسين ظروفها المادية وشروط عملها، مع إعادة النظر في منظومة التكوين. وفي هذا الصدد، سيتم إحداث 5500 منصب مالي مخصص للقطاع الصحي، إلى جانب تخصيص ما يفوق 1,5 مليار درهم لزيادة أجور مهنيي الصحة.
كما يتضمن المشروع مواصلة تأهيل العرض الصحي والرفع من جودته، والتوزيع العادل للخدمات الاستشفائية عبر التراب الوطني، حيث ستعرف هذه السنة افتتاح عدد من المنشآت الاستشفائية، منها، على سبيل المثال، المستشفى الإقليمي بالقنيطرة، والمستشفى الإقليمي بإفران والمستشفى الإقليمي بالحسيمة، إضافة لاستكمال إنجاز البرنامج الوطني لتأهيل المراكز الصحية الأولية. كما تعتزم الحكومة إحداث ثلاثة (3) مستشفيات جامعية جديدة بكل من الراشيدية الذي سيتم إطلاق بنائه سنة 2023، ثم بني ملال وكلميم.
من جانب آخر، وسعيا لتوفير الأدوية لضمان علاج الفئات المعوزة داخل المستشفيات العمومية، تعتزم الحكومة الرفع من الاعتمادات المالية المخصصة للأدوية إلى حوالي ملياري درهم قصد تغطية تكاليف الأدوية اللازمة.
كما يقترح مشروع قانون المالية الإعفاء من رسم الاستيراد لفائدة مجموعة من الأدوية والمنتجات الصيدلية المعدة خصوصا لعلاج الأمراض المزمنة المكلِّفة ماديا. بالإضافة إلى التضريب التدريجي للمنتجات المحتوية على السكر، حفاظا على صحة المواطنات والمواطنين.
وفي ما يخص الورش المتعلق بتعميم التعويضات العائلية في إطار إصلاح الحماية الاجتماعية، ستعمل الحكومة على الشروع بتنزيله قبل نهاية سنة 2023؛ حيث سيستفيد منها حوالي 7 ملايين طفل من العائلات الهشة والفقيرة على الخصوص، و3 ملايين أسرة في وضعية هشاشة وبدون أطفال في سن التمدرس.
وسيتم ذلك وفق مقاربة جديدة تقوم على الدعم المباشر، عبر استهداف الفئات المعوزة والمستحقة لهذه التعويضات، بالاعتماد على السجل الاجتماعي الموحد، الذي سيتم تعميمه خلال سنة 2023 على كافة جهات المملكة. وسيتم تمويل هذا الورش، على الخصوص، عبر إعادة اعتماد المساهمة الاجتماعية للتضامن على الأرباح والدخول برسم السنوات الثلاث القادمة، وكذلك عبر الإصلاح التدريجي للمقاصة انطلاقا من نهاية سنة 2023.
تعزيز أسس الدولة الاجتماعية
أبرزت الوزيرة أن الدولة الاجتماعية لا تقتصر على الحماية الاجتماعية فحسب، بل يعتبر إصلاح منظومة التربية والتعليم إحدى ركائزها الأساسية. وفي هذا الإطار، ستعمل الحكومة على تنزيل خارطة الطريق لإصلاح منظومة التربية والتعليم التي حظي إعدادها بمشاورات موسعة مع مختلف الفاعلين، وتتطلع من خلالها إلى الارتقاء بوضعية التلميذ والأستاذ والمؤسسة التعليمية. وخصص لها مشروع قانون المالية 6,5 مليارات درهم إضافية، لتبلغ بذلك الميزانية الإجمالية المخصصة للقطاع حوالي 69 مليار درهم برسم مشروع قانون المالية لسنة 2023.
وهكذا، خصص مشروع قانون المالية مِليارَي درهم لتسريع تعميم التعليم الأولي، وحوالي 1,8 مليار درهم للرفع من عدد المستفيدين من المطاعم والداخليات، إلى جانب تخصيص 1,6 مليار درهم برنامج الدعم المشروط بالتمدرس «تيسير» الذي سيتم استبداله بالتعويضات العائلية نهاية سنة 2023.
ويولي هذا المشروع، كذلك، أهمية كبرى للنهوض بوضعية الأساتذة والأطر التربوية، من خلال إحداث ما يفوق 20 ألف منصب مالي وتسوية متأخرات الترقية، مع إيلاء أهمية كبرى للتكوين الذي سيخصص له ما يقارب 4 ملايير درهم برسم الفترة 2022-2026، وفي ما يتعلق بتحسين البنية التحتية وتوفير التجهيزات، سيتم بناء 224 مؤسسة تعليمية وإعادة هيكلة 1746 بناية مدرسية.
ووفق المنظور نفسه، تولي الحكومة أهمية كبرى للنهوض بالتعليم العالي من خلال وضع خارطة طريق مخطط إصلاح الجامعة المغربية، استندت في إعداده إلى مشاورات موسعة. وعبر أساتذة التعليم العالي والبحث العلمي عن انخراطهم التام في تفعيل هذا المخطط الإصلاحي مقابل التزام الحكومة بتمكينهم من نظام أساسي جديد يحفزهم ويثمن مجهوادتهم، ويكرس الاستحقاق ويعزز جاذبية الجامعة ويؤهلها لاستقطاب الكفاءات. وخصص مشروع قانون المالية لهذا الغرض 600 مليون درهم.
وأشادت الوزيرة بمناخ الثقة الذي ميز كل جولات الحوار الاجتماعي والمسؤولية العالية للشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين، وأكدت، في هذا الصدد، انخراط الحكومة وحرصها على مأسسة هذا الحوار بشكل منتظم حفاظا على الحقوق والواجبات، وتجسيدا فعليا للمقاربة التشاركية التي تعتمدها. وأشارت الوزيرة إلى أن الحكومة، وفاء بالتزاماتها، خصصت، في إطار مشروع قانون المالية، ما يناهز 4 ملايير درهم للرفع من الأجور والتعويضات في قطاعات الصحة والتعليم والتعليم العالي، إلى جانب تخفيف العبء الضريبي على الأجراء والمتقاعدين من الطبقة المتوسطة، والذي سيكلف 2,4 مليار درهم.
وفي ما يتعلق بتيسير الولوج إلى السكن اللائق، ستعمَد الحكومة إلى إحداث دعم مباشر للأسر لاقتناء السكن، بدل المقاربة القائمة على النفقات الضريبية وتوفير الوعاء العقاري، والتي يصعب تقييم أثرها الاقتصادي والاجتماعي.
ومن جانب آخر، ستعمل الحكومة على مضاعفة جهودها الرامية إلى تشجيع إدماج الشباب في سوق الشغل، من خلال مواصلة تنزيل برنامج «أوراش» الذي يروم خلق 250 ألف منصب شغل، خلال سنتي 2022 و2023، والذي خصص له مشروع قانون المالية لسنة 2023 ما يناهز 2,25 مليار درهم. هذا فضلا عن مواصلة برنامج «انطلاقة»، إلى جانب برنامج «فرصة» الذي خَصَّص له هذا المشروع 1,25 مليار درهم، كما يتضمن مشروع قانون المالية إحداث 48212 منصبا ماليا مقابل 43860 منصبا سنة 2022.
دعم القدرة الشرائية للمواطنين
أكدت وزيرة الاقتصاد والمالية، في ما يخص دعم القدرة الشرائية للمواطنين، أن صندوق المقاصة سيستمر في أداء وظيفته من خلال تخصيص 26 مليار درهم في إطار مشروع قانون المالية لسنة 2023. وللإشارة فقد سجلت النفقات المخصصة لدعم غاز البوطان برسم التسعة أشهر الأولى من سنة 2022 ارتفاعا بنسبة 70% أي بمعدل97 درهما لكل قنينة من فئة 12 كلغ.
هذا، فيما يُتوقع أن ترتفع تكلفة دعم استيراد القمح لهذه السنة لتتجاوز 8,5 مليارات درهم، إضافة إلى 1,3 مليار درهم الموجهة لدعم الدقيق الوطني من القمح اللين.
وإجمالا ينتظر أن تسجل تكاليف المقاصة لهذه السنة ارتفاعا بنسبة 72%، دون احتساب تكاليف دعم مهنيي النقل العمومي.
دعم الاستثمار
في ما يخص المحور الثاني من أهداف هذا المشروع والمتمثل في دعم الاستثمار، ستعمل الحكومة على التسريع بتنزيل مقتضيات القانون الإطار بمثابة ميثاق الاستثمار؛ خصوصا من خلال تقليص الفوارق المجالية في ما يتعلق بجلب الاستثمارات وتفعيل آليات دعم المشاريع الاستراتيجية، ودعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة، وكذا دعم المقاولات المغربية التي تسعى لتطوير قدراتها على المستوى الدولي. وسيخصص مشروع قانون المالية لسنة 2023 مبلغا يقدر ب3,3 ملايير درهم إضافية لتفعيل ميثاق الاستثمار وتنزيل مختلف الالتزامات برسم مشاريع الاستثمار الصناعي.
كما ستعمل الحكومة على تفعيل صندوق محمد السادس للاستثمار، ومواصلة مجهود الاستثمار العمومي، خصوصا في ما يتعلق بمشاريع البنية التحتية، ومواصلة تنزيل الاستراتيجيات القطاعية بما يُمكِّن من تعزيز تنافسية المنتوج الوطني وتقوية السيادة الوطنية الغذائية والصحية والطاقية. وتم الرفع من الاستثمارات العمومية بـ 55 مليار درهم لتبلغ 300 مليار درهم.
من جانب آخر، وإدراكا منها لأهمية النظام الضريبي في تحقيق الانتعاش الاقتصادي، تولي الحكومة، من خلال مشروع قانون المالية لسنة 2023، أهمية خاصة لمواصلة تنزيل أهم مقتضيات القانون الإطار المتعلق بالإصلاح الجبائي، والتي ستمكن من تحسين مناخ الأعمال عبر توضيح الرؤية لمختلف الفاعلين خلال السنوات الأربع القادمة.
ويتعلق الأمر، على الخصوص، بإطلاق إصلاح شامل للضريبة على الشركات، مبني على التوجه التدريجي نحو سعر موحد، مع الرفع من مساهمة الشركات الكبرى، التي تفوق أرباحها الصافية 100 مليون درهم، وكذلك مؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها ومقاولات التأمين وإعادة التأمين. وذلك بالموازاة مع تخفيض أسعار الحد الأدنى للضريبة، وترشيد الإعفاءات والامتيازات الضريبية، والتنزيل التدريجي لمبدأ فرض الضريبة على الدخل الإجمالي بالنسبة للأشخاص الذاتيين مع اعتماد آلية حجز الضريبة في المنبع بالنسبة لبعض الدخول.
ومن أجل الرقي بمستوى العدالة المجالية والتصدي للتفاوتات الجهوية في ما يخص فرص جلب وتوطين الاستثمارات، سيتواصل تنزيل ورش الجهوية المتقدمة، عبر تخصيص 10 ملايير درهم للجهات، إضافة إلى ما يزيد عن 6 ملايير درهم لمواصلة تنزيل برنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية.
وموازاة مع ذلك، ستعمل الحكومة على التسريع بإصلاح الإدارة بهدف الرفع من مردودية الخدمات العمومية عبر تبسيط المساطر، وإطلاق استراتيجية جديدة للتحول الرقمي تم تخصيص مليار درهم لتنزيلها، في إطار مشروع قانون المالية لسنة 2023. كما ستواصل الحكومة مجهوداتها المتعلقة بتنزيل ورش اللاتمركز الإداري، إضافة إلى تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، في مختلف مناحي الحياة العمومية، والذي خصصت له الحكومة 300 مليون درهم في إطار هذا المشروع.
إحداث 53 ألف منصب مالي ومنح دعم مباشر للأسر لاقتناء السكن
يقترح مشروع قانون المالية لسنة 2023، إحداث 28.212 منصبا ماليا، برسم السنة المالية 2023، موزعة على الوزارات والمؤسسات، منها 550 منصبا ماليا لفائدة رئيس الحكومة، المؤهل لتوزيعها على مختلف القطاعات الوزارية أو المؤسسات، وتخصص 200 من هذه المناصب المالية لفائدة الأشخاص في وضعية إعاقة.
وبالإضافة الى ذلك يقترح، ابتداء من فاتح يناير 2023، إحداث مناصب مالية لفائدة المجلس الأعلى للسلطة القضائية، منها 4.300 منصب مالي إضافي، تخصص حصريا للقضاة الذين يشغلون مناصب مالية على مستوى وزارة العدل وكذا القضاة الموجودين في وضعية إلحاق، وتحذف ابتداء من التاريخ نفسه، المناصب المالية التي يشغلها المعنيون بالأمر بوزارة العدل، باستثناء المناصب المالية التي يشغلها القضاة الموجودون في وضعية إلحاق بهذه الوزارة، وإحداث 150 منصبا ماليا إضافيا، تخصص لتسوية الوضعية الإدارية للملحقين القضائيين المنتهية فترة تكوينهم، وتعيينهم كقضاة في السلك القضائي. وتتحمل ميزانية المجلس الأعلى للسلطة القضائية النفقات الناتجة عن هذه التسوية، وتحذف ابتداء من تاريخ هذه التسوية المناصب المالية التي كان يشغلها المعنيون بالأمر بوزارة العدل.
علاوة على هذه المناصب، يقترح مشروع قانون المالية إحداث 20.000 منصب مالي لفائدة الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، منها 18.000 منصب مالي لتوظيف الأساتذة، و2.000 منصب مالي لتوظيف أطر الدعم التربوي والأطر الإدارية على مستوى المؤسسات التعليمية.
وستشهد ميزانية هذه الوزارة ارتفاعا خلال سنة 2023 لتصل إلى 28,12 مليار درهم مقابل 23,54 مليار درهم سنة 2022، أي بزيادة قدرها 4,58 ملايير درهم (+5,19%). وستعرف الميزانية المخصصة لقطاع التربية الوطنية برسم سنة 2023، زيادة قدرها 6,5 ملايير درهم مقارنة بسنة 2022، لتبلغ غلافا ماليا يقدر بـ 68,95 مليار درهم.
وأوضحت المذكرة التقديمية لمشروع قانون المالية أنه سيتم اعتماد مقاربة جديدة لدعم السكن، تحدث قطيعة مع آلية الدعم السابقة القائمة على النفقات الضريبية، وتوفير الوعاء العقاري. وبهذا الخصوص، يتوقع إحداث إعانة للدولة موجهة لدعم السكن لفائدة مقتنيي مساكن مخصصة للسكن الرئيسي، وتحدد بنص تنظيمي أشكال هذه الإعانة وكيفيات منحها.
ويتضمن المشروع تدابير خاصة بالضريبة على الدخل، تهدف إلى تخفيض العبء الضريبي على أصحاب الأجور والدخول المعتبرة في حكمها والمتقاعدين، وأوضحت المذكرة التقديمية للمشروع، أنه في إطار تنزيل التزامات الحكومة المنبثقة عن الحوار الاجتماعي والهادفة إلى تحسين القدرة الشرائية للأجراء والمتقاعدين، يُقترح مراجعة النظام الجبائي المطبق عليهم برسم الضريبة على الدخل، حيث سيتم رفع نسبة الخصم الجزافي للمصاريف المرتبطة بالوظيفة أو العمل من 20 إلى 35 في المائة بالنسبة إلى الأشخاص الذين يقل أو يساوي دخلهم الإجمالي السنوي المفروضة عليه الضريبة 78 ألف درهم، غير أنه تحدد هذه النسبة الجزافية في 25 في المائة بالنسبة إلى الأشخاص الذين يفوق دخلهم الإجمالي السنوي المفروضة عليه الضريبة 78 ألف درهم، مع رفع سقف الخصم من 30.000 إلى 35.000 درهم، ورفع نسبة الخصم الجزافي المطبق على المعاشات والايرادات العمرية من 60 إلى 70 في المائة من المبلغ الإجمالي الخاضع للضريبة الذي لا يتجاوز 168.000 درهم.
وسيتم إعادة اعتماد المساهمة الاجتماعية للتضامن على الأرباح والدخول برسم سنوات 2023 و2024 و2025، وذلك في إطار تنزيل توصيات النموذج التنموي الجديد الذي نص على التعبئة بشكل أكبر للموارد الجبائية لخدمة التماسك الاجتماعي، وفي ظل السياق المالي الصعب الذي يطبعه ضرورة تفعيل مبدأ التضامن، حيث تحتسب حاليا المساهمة الاجتماعية للتضامن على الأرباح والدخول التي تم إحداثها برسم سنة 2022 حسب الأسعار التناسبية، وتم تحديد سعر المساهمة في 1,5 في المائة، بالنسبة إلى الأرباح من مليون إلى أقل من 5 ملايين درهم، و2,5 في المائة بالنسبة إلى الأرباح من 5 ملايين إلى أقل من 10 ملايين درهم، و3,5 في المائة بالنسبة إلى الأرباح من 10 ملايين إلى أقل من 40 مليون درهم، و5 في المائة بالنسبة إلى الأرباح التي تفوق 40 مليون درهم.
وفي إطار مواكبة الاستراتيجيات الوطنية في مجال الدواء الرامية إلى تشجيع الصناعة الوطنية، وتيسير حصول المواطنين على هذه المواد، ينص مشروع قانون المالية على إعادة هيكلة التعريفة الجمركية للفصل 30 من التصنيفة الجمركية، حيث تم تحديد مجموعة من الأدوية والمنتجات الصيدلية المعدة خصوصا لعلاج الأمراض المزمنة، والتي تتطلب مصاريف مهمة من أجل الحصول عليها، ويقترح المشروع إعفاء هذه الأدوية والمنتجات الصيدلية من رسم الاستيراد، بالرغم من كون بعضها يستفيد من تعريفة دنيا من رسم الاستيراد، كما سيتم تخفيض رسم الاستيراد على بعض المنتجات الصيدلانية غير المصنعة محليا إلى رسم أدنى بمقدار 2,5 في المائة، في حين سيتم رفع هذا الرسم إلى 40 في المائة بالنسبة إلى المواد المصنعة محليا. وتروم هذه التعديلات إلى مراجعة بعض النسب، تماشيا مع السياسة التعريفية الوطنية. كما تهدف إلى مواكبة الاستراتيجيات الوطنية في مجال الدواء الرامية إلى تيسير الحصول على هذه المواد، ودعم الصناعة الوطنية، وتحقيق السيادة والأمن الدوائي بصفة عامة.
وينص المشروع على فرض ضريبة داخلية على الاستهلاك على المنتجات المحتوية على السكر، على غرار المشروبات غير الكحولية المعطرة أو المحضرة بعصير الفواكه (صودا ونكتار). وتهم منتجات البسكويت والشوكولاتة والحلويات ومنتجات الألبان والمربى والخبيص، ويأتي هذا الإجراء استجابة لطلبات بعض الفرق البرلمانية خلال دراسة تدابير مشروع قانون المالية لسنة 2022، وتماشيا مع توصيات منظمة الصحة العالمية التي توصي بفرض الضرائب على المنتجات المحتوية على نسب عالية من السكر، ويروم هذا الإجراء التخفيض من نسبة السكر، بهدف الحفاظ على صحة المواطنات والمواطنين، وتفادي الأمراض الناتجة عن التناول المفرط للمواد المحتوية على نسب عالية من السكر، وذلك في إطار مجهودات السلطات العمومية الرامية إلى مكافحة الأمراض غير المُعدية التي تتطلب مصاريف صحية مهمة جدا، وينص هذا الاقتراح على اعتماد تضريب تدريجي يمتد على مدى 3 سنوات، ابتداء من فاتح يناير 2023، حسب المحتوى من نسب السكر المضافة في المنتجات المعنية.
رغم الظرفية العالمية المداخيل العادية سترتفع بحوالي 50 مليار درهم
أكدت وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح العلوي، أن إعداد مشروع قانون المالية لسنة 2023 محكوم بمعادلة ثنائية تتعلق بتدبير آثار الأزمات المتتالية وثقل التراكمات من جهة، ومن جهة أخرى بضرورة الانكباب على تنزيل الأوراش الاستراتيجية الكفيلة بتحقيق التحول الذي يستجيب لتطلعات المواطنات والمواطنين، ويلمسون أثره على معيشهم اليومي.
وقالت نادية فتاح لدى تقديمها للخطوط العريضة لمشروع قانون المالية في جلسة عمومية لمجلسي البرلمان، إنه تأتي على رأس هذه الأوراش تلك المنبثقة عن التوجيهات الملكية السامية، ومخرجات النموذج التنموي، إلى جانب التزامات البرنامج الحكومي.
وأضافت: «من البديهي أن تستوقفنا هذه المعادلة الثنائية، التي تقوم على مواجهة الأزمة بالطموح الإرادي، وباستحضار عناصر القوة ومكامن الضعف من أجل قراءة واقعية، تمكننا من استجلاء فرص النجاح في فك هذه المعادلة، ضمن محيط دولي ملتبس ومفتوح على المجهول، تغيب فيه عناصر الاستقرار الضرورية لتوفير نظرة واضحة، ليس فقط على المدى القريب، بل أيضا على المدى المتوسط والمدى البعيد».
وأكدت الوزيرة الحاجة إلى التعبئة أكثر من أي وقت مضى، «لاستشراف الفرص التي تتيحها إمكاناتنا ومحيطنا، والتحلي برؤية متبصرة تؤطر فعلنا الجماعي، كل واحد في مجاله، والاستثمار الأمثل لمؤهلاتنا المادية وذكائنا الجماعي، من أجل توفير الشروط اللازمة لتعزيز مناعة بلادنا في مواجهة مختلف التحديات التي تواجهنا».
وتطرقت في هذا السياق، إلى مجموعة من التحديات الآنية والمستقبلية المرتبطة بمواجهة التطورات الدولية، مبرزة أن المغرب توفق بشكل كبير في الحد من آثارها على القدرة الشرائية للمواطنين، بفضل التدابير التي تم اتخاذها بتعليمات ملكية سامية، كما يتعلق الأمر بتحدي تعزيز السلم الاجتماعي، من خلال إعادة فتح جسور الحوار الاجتماعي والتجاوب مع مطالب الشغيلة، والتنفيذ الحازم والفوري للتوجيهات الملكية السامية، الصادرة في خطاب افتتاح السنة التشريعية الحالية، سيما في ما يخص استراتيجية التعامل مع إشكالية الجفاف، الذي أصبح واقعا بنيويا يتطلب سياسة شمولية، للحفاظ على الموارد المائية وتثمينها وتطوير آليات تدبيرها.
ومن ضمن التحديات أيضا، حسب المسؤولة الحكومية، تدبير ثقل الملفات التي ظلت عالقة، وذلك من منطلق تحمل المسؤولية تجاه الوطن والمواطنين، كما هو الحال بالنسبة إلى ملف التقاعد، وإعادة الهيكلة المالية لمجموعة من المؤسسات العمومية، كالمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، وإصلاح مدونة الشغل، وإخراج القانون المنظم للحق في الإضراب إلى حيز الوجود، إلى جانب ميثاق الاستثمار.
وارتباطا بموضوع الاستثمار، أكدت نادية فتاح العلوي أن الحكومة ستواصل الاشتغال بنفس الالتزام والمسؤولية، قصد تيسير شروط الاستثمار العام والخاص، الوطني والأجنبي بشكل أكبر، وبما يمكن من استيعاب كل المبادرات، وعلى الخصوص منها تشجيع المبادرات الاستثمارية للشباب ومغاربة العالم، فضلا عن أجرأة التعاقد الوطني للاستثمار الذي دعا إليه جلالة الملك، والذي يتوخى تعبئة 550 مليار درهم من الاستثمارات، وخلق 500 ألف منصب شغل في أفق سنة 2026.
كما سيكون توطيد أسس الدولة الاجتماعية، تستطرد الوزيرة، بمثابة العنوان الأبرز لمشروع قانون المالية من خلال استكمال ورش الحماية الاجتماعية، موازاة مع تأهيل العرض الصحي، ومواكبة إصلاح المنظومة التعليمية، ودعم القدرة الشرائية للمواطنين.
فضمان استدامة الإصلاحات، تضيف نادية فتاح، يستدعي توفير كل الهوامش المالية الممكنة، من خلال تعبئة الموارد الضريبية ومواصلة تدبير التمويلات المبتكرة، بالموازاة مع ترشيد نفقات السير العادي للإدارة، وتفعيل إصلاح منظومة الصفقات العمومية، وإصلاح القانون التنظيمي لقانون المالية، إلى جانب عقلنة تدبير المحفظة العمومية، والرفع من مردوديتها.
وستعمل الحكومة على توفير الموارد الضرورية، حيث سترتفع المداخيل العادية بحوالي 50 مليار درهم مقارنة بقانون المالية لسنة 2022، أي بزيادة قدرها 19 في المائة، وذلك من خلال تعبئة الموارد الإضافية الناتجة عن مجهود مزدوج ضريبي وغير ضريبي.
فبالنسبة إلى الموارد الضريبية والجمركية ستعرف زيادة بنسبة 14.5 في المائة. كما أن إصلاح المؤسسات العمومية والتدبير النشط للمحفظة العمومية، بعد تفعيل الوكالة الخاصة بهذه الغاية، سيمكن إن شاء الله من رفع هذه الموارد بنسبة 39 في المائة، الشيء الذي سينعكس إيجابيا من خلال التقليص التدريجي لعجز الميزانية بما يُمَكِّنُ من وضع ماليتنا العمومية في مسار تقليص المديونية، في حدود 70 في المائة من الناتج الداخلي الخام.
وأخذا بعين الاعتبار المجهود المالي الذي تفرضه مختلف الأوراش الواردة في هذا المشروع، واستحضارا للظرفية الدولية، وعلى الخصوص منها ما يرتبط بالتراجع المتوقع للنمو في منطقة اليورو، والذي سينعكس على الطلب الموجه لبلادنا، فإنه من المتوقع أن يحقق الاقتصاد الوطني نموا بنسبة 4 في المائة، مع حصر معدل التضخم في حدود 2 في المائة، وعجز الميزانية في 4,5 في المائة.
وأبرزت وزيرة الاقتصاد والمالية أن هذه التوقعات تقوم على فرضيات ارتفاع الطلب الخارجي (خارج الفوسفاط ومشتقاته) بـ2.5 في المائة فقط، وبلوغ المحصول الزراعي 75 مليون قنطار، ومتوسط سعر غاز البوتان 800 دولار للطن.
«مشروع قانون المالية حاول التوفيق بين الالتزامات المالية والإكراهات الماكرو اقتصادية»
ما هي الخطوط العريضة لمشروع قانون مالية 2023؟
أولا تجب الإشارة إلى السياق الذي جاء فيه مشروع قانون المالية لسنة 2023، وهو السياق الدولي المختلف كل الاختلاف عن سياق السنوات الماضية، وحيث كان خلال العامين الماضيين محكوما بتداعيات جائحة كورونا، غير أن السياق اليوم هو مناخ اقتصادي مضطرب، يتسم بالغلاء غير المتحكم فيه لأسعار المحروقات، من الجانب الأول، أما الجانب الثاني فيتسم في سعي الحكومة لتنزيل الأوراش في هذه الظرفية الاجتماعية الصعبة جدا، وبالتالي فالحكومة تدبر ما لا يتحكم فيه، كما أنها تحاول إيجاد نوع من التوازنات بين ما التزمت به خصوصا في قطاعيين أساسيين، أولهما الاستثمار باعتباره مدخلا أساسيا ومهما في سبيل تحقيق إقلاع تنموي كبير، ينسجم والنموذج التنموي الجديد، ومن جهة أخرى إعطاء الأولوية لقطاعيين اجتماعيين أساسيين، هما التعليم والصحة، بالإضافة إلى الجانب الأساسي المتمثل في الرعاية الاجتماعية، وهو الجانب الذي له حضور كبير جدا، وبالتالي يظهر أن التوجهات الكبرى لمشروع قانون مالية 2023 قد حددها خطاب جلالة الملك في افتتاح الدورة التشريعية، والمتركزة على جانبين أساسيين، أولهما الاستثمار، وهو الذي يتطلب إعادة هيكلة كبيرة للغاية، خصوصا في ما يتعلق بميثاق الاستثمار الجديد، والقانون الإطار، الذي من شأنه أن يشكل ثورة قانونية بامتياز في مجال الاستثمار، وهو ما يجب أن تواكبه إجراءات عملية مهمة جدا، من قبيل الاشتغال بشكل أكبر على تعزيز مناخ الأعمال لكونه هو من سيوفر الأرضية الايجابية الضرورية لتطبيق ميثاق الاستثمار على الوجه الأكمل، وهذا يرتبط بعدة عناصر، على رأسها الإدارة التي يجب أن تكون متطورة ومواكبة لهذا الورش، والقضاء من حيث تبسيط المساطر، زيادة على نقطة مهمة ترتبط بالمراكز الجهوية للاستثمار، وحيث إن عطاء تلك المراكز لا يظهر بالشكل المطلوب بما ينسجم مع الأهداف المحددة في هذا الميثاق، حيث يظهر أن الحاضر الأساسي في عمل تلك المراكز، هو استثمار الدولة الذي يمثل الثلثين من الاستثمار الداخلي في الوقت الذي يصل الاستثمار الخاص إلى الثلث فقط، وهو الأمر الذي يدعو الحكومة ومراكز الاستثمار والعمال والولاة، الذين لديهم دور أساسي أيضا إلى جلب الاستثمارات وتوفير مناخ لها سواء الوطنية أو الأجنبية.
هل ترجم مشروع قانون المالية مبدأ الدولة الاجتماعية؟
بالإضافة إلى ما ذكرت، الملاحظ أن قانون المالية للسنة المقبلة حريص على تحقيق التوازنات الماكرواقتصادية، وأيضا تفعيل الطابع الاجتماعي للدولة الاجتماعية، فرغم الإكراهات الواضحة، نجد أن القانون سطر ميزانية مهمة للرفع من أجور الأطباء وتخفيض الضريبة على الدخل، بالإضافة إلى مجالات تتعلق بإصلاح أنظمة التقاعد، وهي القرارات المكلفة جدا في ظل الظرفية الحالية، والواضح أن مشروع قانون المالية قد ترجم مبدأ الدولة الاجتماعي من خلال عدد من النقاط، منها تعميم الرعاية الاجتماعية التي تشمل الفئات الهشة، بالإضافة إلى الدعم المباشر الذي سيتم منحه للأسر المعوزة من أجل الحصول على السكن الاقتصادي، وأيضا تسريع خطوات إحداث السجل الاجتماعي، وأيضا الحفاظ على سوق الشغل ودعم المقاولات في ظل مناخ اقتصادي دولي صعب جدا، وحتى لدى دول ذات اقتصادات كبيرة، كشأن فرنسا، التي تشهد اليوم حركة احتجاجية كبيرة تشمل كافة القطاعات.
ومن هذا يظهر أن الحكومة ركزت على ثلاثة محاور أساسية في الجانب الاجتماعي، وهي التي تتمثل في التعليم، والصحة، والرعاية الاجتماعية، في ما يتعلق بالتغطية الصحية والاستفادة من المعاشات، وهو الأمر الذي يستوجب ليس فقط ترجمة هذه التوجهات في قانون المالية الذي يمثل الإطار المحدد للتوجهات المالية، بل أيضا في أمور أخرى تشريعية مواكبة، كشأن النقاش الذي يجب أن يفتح حول مدونة الشغل، وأيضا حول قانون الإضراب، والحوار الاجتماعي مع النقابات، وبالتالي فوجب التأكيد بأن القوانين اللاحقة لقانون المالية سيكون لها تأثير كبير جدا، خصوصا التنزيل الأمثل لقانون الاستثمار، وتفعيل دور مجالس الاستثمار، وإيجاد تسوية توافقية بين الحكومة والفرقاء الاقتصاديين والاجتماعيين خصوصا في ملفي تعديل قانون الشغل وقانون الإضراب، كلها ستكون لها نتائج مهمة جدا.
ماذا بخصوص الالتزامات الحكومية والتوازنات المالية؟
كما ذكرت، فالظرفية الحالية هي صعبة جدا، حيث إن معدل التضخم عال جدا، ليس فقط في المغرب، بل هي ظاهرة عالمية، ولا يمكن اليوم الخوض في إصلاحات اجتماعية دون تغطية العجر في عدد من المجالات، من قبيل معالجة ارتفاع نسبة البطالة التي وصلت في حدود 10.7 في المائة وهذا الرقم الكبير جدا، راجع إلى الظرفية العالمية والمرتبطة بتداعيات وباء كورونا، وبالتالي فإن الدولة قد بدلت مجهودا كبيرا، بالرغم من الظرفية الصعبة، خصوصا إذا تحدثنا عن توفير 500 ألف منصب مالي، وهو رقم مهم، بالإضافة إلى الحرص على الاستثمار في التعليم، من خلال توظيف 2340 أستاذا جامعيا، وفي قطاع الصحة الذي تم تخصيص حوالي 7 في المائة له، وبالتالي هناك حرص على تحقيق نوع من التوازن بين الإكراهات الماكرواقتصادية، والتي ليس المغرب في منأى عنها، وبين تنفيذ الالتزامات الحكومية في مجالات الصحة والرعاية الاجتماعية والتعليم، وهذا هو المفهوم الحقيقي للدولة الاجتماعية، والتي لا نعني بها الدولة المنقذة في الأدبيات الكلاسيكية، بل العمل بنوع من الليبرالية الاجتماعية، ومسايرة منطق السوق الذي لسنا في معزل عنه.
*استاذ القانون العام بكلية الحقوق بالمحمدية