شوف تشوف

الرأيالرئيسيةثقافة وفن

«أنسنة» الذكاء الاصطناعي

عبدالحسين شعبان

 

«ستحتل أراضينا وتطردنا من بيوتنا وتأكل طعامنا وتتزوج نساءنا». هذا ما يقول به فريق من المثقفين والأكاديميين والعلماء والناشطين السلميين ودعاة حقوق الإنسان في الغرب عن الروبوتات وعمليات الذكاء الاصطناعي، التي هي أقرب إلى سينما هوليوود ذات الخيال الخارق والأفلام «العلمية» الغريبة.

إذا كانت ثمة مخاوف قديمة من اجتياح الآلة حياة الإنسان، فإن هذه المخاوف اليوم أشد خطرا وأعمق تأثيرا، بسبب تطبيقات الذكاء الاصطناعي، الأمر الذي يستوجب ضرورة إحكام السيطرة الكاملة عليها وتحمل مسؤولية من يقوم بها خشية من تغولها، كما حصل في حوادث تحطم قطارات وطائرات نتيجة ذلك.

فهل سيكون الذكاء الاصطناعي لخير الإنسان ولرفاهية البشر؟ ثمة فريق، باسم العلم والتطور التكنولوجي، يقول نعم، في حين يعترض الفريق الآخر لاعتبارات أخلاقية تتعلق بالخصوصيات التي سيجري انتهاكها، فضلا عن المخاطر المحتملة التي تهدد سلم وأمن البشرية.

وإذا دخل العالم الطور الرابع من الثورة الصناعية في عصر العولمة، والتي جلبت معها المنجزات الكبرى والمخاطر الجسيمة في آن، فالأمر يحتاج إلى إحداث نوع من التوازن بين التطور العلمي والجانب الأخلاقي، علما بأن التأثيرات السلبية قد تؤدي إلى زيادة نسبة البطالة، حيث لم تعد هناك حاجة إلى العديد من المهن والوظائف، وقد يكون لهذه الظاهرة انعكاساتها السياسية بتهديد أسس النظام الديمقراطي، وتآكلها بصعود تيار شعبوي، وهو ما عرفته اليوم العديد من دول أوروبا.

وحتى لو افترضنا أن مردود الذكاء الاصطناعي سيكون إيجابيا على المدى البعيد، فإن ذلك سيعود على الشركات العملاقة التي تحتكره وتترك الفتات المتبقي لعموم البشر.

ولذلك هناك من يقول إن الذكاء الاصطناعي يجعل البشر فاقدي التفكير ومجرد متلقين، عديمي المبادرة وبلا قدرة على التقييم والنقد، إذْ ستقوم الآلة بالتفكير نيابة عنهم، وبالتأكيد فإن من سيوجه الآلة هو الذي سيتحكم في النهاية بمصائر الآخرين، بما يحقق له المزيد من الثراء والسطوة، في حين يزداد الفقراء فقرا وبؤسا.

وقد حذر بعض العلماء من إغفال الجانب الأخلاقي، وطالبوا بحظر كامل لاستخدامات الذكاء الاصطناعي في الأغراض العسكرية، إذ سيصبح الذكاء الاصطناعي مسلحا، وهو ما يثير مخاوف دعاة السلام والتسامح والتفاهم بين الشعوب أيضا.

وكان مشروع قانون أوروبي للذكاء الاصطناعي، قد اقترح حظرا لبعض أشكاله الأكثر عدوانية وغير الأخلاقية، مثل التلاعب بالسلوك ومنها خوارزميات التعليم الآلي التي تستهدف الناس بالرسائل السياسية عبر الإنترنت، واقترح «معهد مستقبل الحياة»، وهو معهد غير ربحي، وقف أنشطة الذكاء الاصطناعي لمدة ستة أشهر.

وعلى الرغم مما يحققه الذكاء الاصطناعي من مزايا هائلة للبشرية، مثل تشخيص الأمراض والتنبؤ بتغيرات المناخ، إلا أن تحدياته الأخلاقية واحتمالات بعض تطبيقاته تبقى خطرة لدرجة مرعبة، سيما تلك التي تتعلق بالأسلحة والمراقبة الجماعية.

يصح القول إن الذكاء الاصطناعي قدر للبشرية لا مرد له بما يحمل من أفضل المواصفات وأسوأها، الأمر الذي يقتضي من المجتمع الدولي «أنسنته»، أي جعله لخدمة البشر من خلال اتفاقيات دولية ملزمة، وإلا ستكون نتائجه وخيمة على البشرية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى