شوف تشوف

شوف تشوف

أم المعارك (2/1)

قبل أيام فتحت الداخلية بحثا لتحديد هويات من ينشرون صورا تتعلق بجرائم سابقة على أساس أنها وقائع بالحسيمة لتهديد الأمن الجماعي، هذا الخبر يستدعي الحديث حول قضيتين.
أولا من حق الداخلية أن تدافع عن نفسها ضد من يحاولون نسبة أحداث وممارسات إلى رجالها فيما هي بريئة منها.
ثانيا إذا كنا مع حق الداخلية في تعقب من يلصق بها التهم والشائعات فمن حقنا أيضا أن نطالب القضاء بوضع حد لهذه البلطجة المنتشرة في مواقع التواصل الاجتماعي، فكل يوم نسمع ونرى أشخاصا يطلقون تهديدات بالقتل ضد أشخاص آخرين لمجرد إبدائهم لرأي، ونرى من يسمون أنفسهم «الشباب الملكي» يهاجمون عبر فيديوهات أشخاصا آخرين بحجة الدفاع عن الملك، «شي يهدد بقرعة شي بسيف شي بفردي»، كل ذلك بداعي الوطنية.
كيف يخرج أحدهم ويقول إنه يفتخر بأنه عياش وأنه سيؤسس جمعية للدفاع عن الملك، هل الملك محتاج للدفاع عنه ؟
إن تقسيم المجتمع إلى من مع الملك ومن ضده، والحال أن هذا الموضوع غير مطروح إطلاقا، سيؤدي إلى تقسيم المجتمع.
وسكوت القضاء عن مثل هذه الدعوات يعطي الانطباع بأن أصحابها يتمتعون بحصانة.
نحن في دولة المؤسسات وكل من يتجاوز القانون بتصريح أو موقف فالجواب يجب أن يكون أمام القضاء، مثلما صنع القضاء مع شباب البيجيدي الذين أشادوا بمقتل السفير الروسي بتركيا، وليس بخروج أشخاص في مواقع التواصل الاجتماعي بتهديده بالاغتصاب والقتل.
ولقد أصبح واضحا اليوم أن المعركة الأساسية تخاض في مواقع التواصل الاجتماعي وعلى رأسها فيسبوك.
ولمعرفة تطور ونشوء هذه الأداة الحربية المدمرة تجب العودة قليلا إلى التاريخ.
فيسبوك ظهر في 2004 لكن في المغرب سيعرف بعض اللحظات المثيرة في 2008 مع قضية فؤاد مرتضى الذي أنشأ صفحة باسم وصورة الأمير مولاي رشيد، فانتهى متابعا من القضاء المغربي وحكم عليه بثلاث سنوات، وتسبب الحكم في حراك عالمي للمطالبة بإطلاق سراحه وخلق ذلك إحراجا للمغرب.
هذا الفهم الضيق للمؤسسات في المغرب لتطور التكنولوجيا ونشأة ما يعرف بشبكات التواصل الاجتماعي سيجعل المغرب وصناع القرار فيه لا يستوعبون جيدا نشوء نوع جديد مما يعرف بالقوى الناعمة، والتي تشمل مثلا الأغاني والشعر والمسرح والسينما، وانضاف إليها الآن الأنترنيت، والذي يعرف بالحروب السيبيرنيتيكية أو حروب الأنترنيت، وهي الحروب التي تستعد لها الدول ليس بشراء الطائرات والصواريخ وإنما بعقول المهندسين ومادتهم الرمادية.
وفي عالم الأنترنيت بدأت تندلع حروب لتشكيل ما يسمى «الرأي العام الرقمي»، ولتشكيل ما يعرف بـ«الهوية الرقمية»، و«السمعة الرقمية»، و«التاريخ الرقمي»، و«السلوك الرقمي»، و«المواطنة الرقمية»، وبالتالي أصبح الأنترنيت إحدى الأدوات التي تدخل في إطار ما يسمى أدوات حرب اللاعنف، أو بصيغة أخرى «حرب الكفاح السلمي»، وهي نوع من الحروب يصفها منظروها بأنها حروب مثلها مثل الحروب المسلحة تهدف إلى الحصول على السلطة لكن بأدوات أقل تكلفة، وأكثر تأثيرا من السلاح التقليدي.
إذن فيسبوك المغرب ويوتيوب المغرب باعتبارهما أكثر وسائل التواصل الاجتماعي انتشارا في المغرب ليسا مجرد منبرين لمشاركة الصور والفيديوهات والأفكار مثلما كان الحال عليه حين انطلق يوتيوب وفيسبوك في البدايات من أمريكا، وكان موجها في البداية إلى الأمريكان، مثلما كان الأنترنيت في الأول منشأ من وزارة الدفاع الأمريكية واختراعا خاصا بالاستعمال الداخلي، بل أصبح إلى جانب تويتر، وهو الأكثر استعمالا في أمريكا ودول الخليج ومصر، أداة لتشكيل وصناعة الرأي العام، حتى إنه أطلق عليها «قوة الشعب»، the people power ، وباتت هذه القواعد platforms التي تقوم في وجودها على إنشاء محتوياتها من قبل المواطن أو الأحزاب أو جمعيات المجتمع المدني أو حتى ما يعرف بالكتائب والجيوش، باتت إعلاما بديلا يستعمله المواطن في إنتاج الحدث أو نقله خبرا، وفي تشكيل ضغط على صانع القرار والذي ليس بالضرورة صانع قرار سياسي بل كل من يملك سلطة ما، لكن ما الذي حدث حتى حادت هذه الوسائل عن صوابها ؟
في تقرير أخرجه أحد المعاهد الأمريكية السنة الماضية جاء أن «السوشل ميديا»، أو وسائل التواصل الاجتماعي، لم تعد كما يقال قوة الشعب ومنبرا يكسر هيمنة المؤسسات الإعلامية وصناع القرار في تشكيل الرأي العام أو حتى تشكيل الحراك والخروج في مظاهرات احتجاجية، وأن المواطن فيها لم يعد مستقلا برأيه كما يرجى، بل أصبحت حتى الدول المتقدمة «لعبة» يتقاذفها المتحاربون من أجل السلطة مع إيهام المواطن الرقمي أنه هو من يقف بتدويناته على فيسبوك أو عبر الفيديو على يوتيوب وراء قرار سياسي ما، في حين أن صانع القرار أو المحارب من أجل الحصول على السلطة يستعمل المواطن الرقمي ويؤثر فيه ويوهمه ويوجهه من أجل قرار بعينه يجعل صانع القرار يتخذه مع جعل «المواطن الرقمي» يتوهم أنه تمت الاستجابة لضغوطه، أو جعل الباحث عن السلطة يفوز بمشاعر المواطن الرقمي ويحوله إلى أداة للضغط على صانع القرار من أجل الحصول على السلطة أو مشاركته نصيبا من الكعكة.
وهذا ما يحدث مع فيسبوك المغرب، وهو خير مثال على تحول فيسبوك من قوة الشعب بعيدا عن يد صانع القرار المتحكم في المؤسسات وسقوطه بيد دعاة أيديولوجيات تسكن أركان فيسبوك وتتحكم في صناعة الرأي العام الرقمي من خلاله.
قبل اندلاع حراك الربيع كان فيسبوك المغرب مقسما بين خندق المحافظين والإسلاميين وبين خندق من يوصفون بالحداثيين ويدخل فيه العلمانيون والملحدون واليساريون والليبراليون، الخطأ أن أجنحة الدولة كانت بعيدة عن هذا التقاطب لأنها لم تكن مسايرة جيدة لتطورات التكنولوجيا ولمجموعة من التداريب التي تلقاها الطرف المحافظ، خصوصا العدالة والتنمية، في قطر أو مصر أو أمريكا، والطرف الحداثي في لبنان والسويد وألمانيا وهولندا وأمريكا أيضا، وبعض منهم تلقوه في أوروبا الشرقية كصربيا بشكل خاص باعتبار أن فكرة قوة الشعب والكفاح السلمي تم تبنيها بشكل كبير هناك وبتأثر مما حدث في يوغوسلافيا، ونقلتها أمريكا وصدرتها إلى عدد من الدول في شكل برامج تبادل زيارات، أو ما يعرف ببرامج الزمالة fellowships، وهذا ما يفسر لماذا ازدهرت هذه التدريبات بشكل كبير مع ظهور ما يعرف بالإعلام الرقمي، والمدونات وشبكات التواصل الاجتماعي، والتي بدأت في سنة 2000 وازدهرت في العالم العربي بشكل كبير في 2004، وكانت مصر والسعودية في أوجها وبقي المغرب ضعيفا فيها لأن التدريبات والبرامج التدريبية والمؤتمرات وغيرها كانت بتمويل خارجية ومنظمات أمريكا بشكل كبير واستنسخت منها خارجيات السويد وألمانيا. كانت هذه التمويلات موجهة إلى الدول الأنكلوسكسونية واعتبرت مصر مكانا لتنظيمها بالنسبة للناطقين بغير الإنجليزية، في حين تم استقدام الناطقين بها إلى أمريكا مثلا.
ازدهرت هذه التدريبات بازدهار هذا التطور التكنولوجي وتشكله كقوة ناعمة تسهل استخلاص المعلومة وتشكيل الرأي العام وإحداث ما تطلق عليه هذه التدريبات التغيير الإيجابي، وهو المقصود به صراحة تغيير الأنظمة وضمان انتقال السلطة من النظام إلى المعارضة بشكل سلمي يضمن محافظة أمريكا وأتباعها على مصالحهم.
وهذا ما يفسر لماذا كانت سفارة واشنطن في الرباط في عهد سفيرها السابق دوايث بوش تفتح أبوابها للمدونين على حساب الصحافيين وتشجع مواقع إلكترونية بعينها وتشجع ما يسمى بالتدوين المصغر على فيسبوك وتويتر ويوتيوب، فالسفير كان يطبق تعليمات الخارجية الأمريكية والتي تحدد من خلال ما يعرف ببرنامج «مبادرة الشراكة في الشرق الأوسط» الذي أنشئ في عهد هيلاري كلينتون، إضافة إلى برامج أمريكية أخرى خرجت من رحم الخارجية وتبذل فيها أموال طائلة تقدم لمنظمات معينة سواء في أمريكا أو في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أو دول فيها لأمريكا مصالح، ويتم تصميم برامج تدريبية على الأنترنيت أو تبادل زيارات تحت مسمى القادة أو المؤثرين أو محاضرات أو حتى أفلام أو عروض مسرحية أو معارض فوتوغرافية وغيرها من أشكال القوى الناعمة والتي ستخلق ما يعرف بالقيم الأمريكية وتحافظ على مصالح أمريكا بطرق مؤثرة وغير مكلفة ولا سلاح تقليدي فيها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى