شوف تشوف

الرأي

«أما السائل فلا تنهر»

زينب بنموسى

أشعر أني عبارة عن مسرحية تراجيدية وجهك هو المشهد الضاحك الوحيد فيها، وأن المخرج عدو لي يحاول أن يقطع أطرافي التي أعانقك بها مدعيا أنه ينقح السيناريو، وأن الممثلين جميعهم انسحبوا وتركوني ككومبارس أعمى على خشبة مسرح حتى جمهوره الذي كان يصفق قبل أن يرفع الستار أبتر.
المسؤول عن الإضاءة يعاملني كمصباح شارع وحيد في زقاق مظلم لا يدخله إلا المدمنون، أما مهندس الصوت فقد حولني إلى نشاز، في حين يخلط المسؤول عن الموسيقى بيني وبين المشاهد الحزينة التي صورها قبلي، فيراني ككمان حزين لا بأس إن قطعت أوتاره.

أشعر أني قنينة عطر نصف ممتلئة مخبأة بيأس في دولاب عاشقة محمومة تقاسي الهجر، وأن الرائحة التي كانت تداعب أنفها الصغير فتبتسم، صارت كريهة شبيهة برائحة الكفن الذي يلف هذا القلب، رائحة لا تذكر بأي شيء عدا موعد الرحيل.

أشعر أن نافذة الأمل الوحيدة الموجودة في صندوق بؤسي تطل على بحر شاسع شطه الوحيد عيناك، وأن القارب الوحيد الذي قد يوصلني إليهما أشرعته ممزقة، أني لا أريد شيئا سوى أن تحضنني بعنف حتى يلصق صمغ ندمك كل أجزائي، ويقَوِّم وجع شوقك بمداواة انكسار الخصر الذي آذيته حين حاول تقويمه، أن تعانقني كي تخيط روحي المثقوبة بالفقد، وتضع في جيبي قبلة تفاؤل أنهي بها هذه المأساة.
أشعر أن الوقت يسارقني، والمسافة توجعني وأن جمال لحظك يقض مضجعي، ويراود جميع أحلامي، ويلف حول عنقي حبال شوق لا وصال له.

أشعر أني أدور في متاهة لم أتجاوز أبدا نقطة بدايتها، أني أحاول كل ليلة جاهدة – رغم كل المحاولات التي سبق أن أفشلها جفاؤك- إفراغ حبك من محتواه، ألف السجائر واحدة تلو الأخرى، ومع دخان كل واحدة أجرب أن أنفث فزع الشوق، وجع اللهفة وألم الهوى من صدري، إلى أن يداعب الكرى جفني فأحضن خيبتي وأنام.

كل لا مبالاتي أجندها لمواجهة هواك، أصنع من جراحي نكاتا تضحك الجمهور، وأجمع شتاتي على شكل امرأة سعيدة تقابل العالم بأحمر شفاه وقح، أفرق البسمة على الحضور جميعهم، ويظل غيابك أنت عندي رغم أنف برودي أعز الحاضرين.

أنا لم أقع في حبك كما يفعل الجميع، أنا تساقطت فيه رويدا رويدا، تفتت ببطء، وذبت فوق نار جفاك على مهل، وأحدث صمتك بداخلي ضجيجا مزق كل أوردتي.

لا تكفي الأبجدية لرسم هذه المشاعر البسيطة العظيمة التي تسكن صدري، لا تكفي الأوراق وتنتهي محبرة المداد قبل أن تصل صرختي الأولى إلى السماء، لا تستطيع الحروف تصوير البريق المنطفئ في مقلتي، الهالات السوداء حول أحداقي والوجه الذابل الذي يظهر ما إن أختلي بنفسي وأسقط قناع الاكتفاء. وكيف أكتفي وقلبي محتاج واقف على أعتاب دار حفظ أهلها القرآن كله، إلا آية: «أما السائل فلا تنهر»؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى