شوف تشوف

الرأي

أقصى اليمين

عمرو الشوبكي

 

اختيار رئيسة وزراء إيطاليا من «الفاشية الجديدة» أمر حدث لأول مرة، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، حتى لو كانت فاشية ناعمة وغير عنيفة وجزءا من المنظومة الديمقراطية، وأن تتحول السويد، بلد مجتمع الرفاه والاشتراكية الديمقراطية، إلى حكم اليمين وأقصى اليمين مثّلَ تحولا كبيرا في بلد يُضرب به المثل في العدالة والمساواة..

 

كما أن بلدا مثل المجر استقر فيه لأكثر من عشر سنوات حكم يميني قومي متطرف غير متقبل المنظومة السياسية والقانونية الأوروبية، ويريد فقط المكاسب الاقتصادية، أصبح واقعا..

 

كما أن بلدا عريقا في نظامه الديمقراطي، مثل فرنسا أصبح الحزب الثاني الأكبر بعد حزب الرئيس ماكرون، هو حزب اليمين المتطرف بزعامة مارلين لوبان.

 

وعلى عكس البلدان الأوروبية والولايات المتحدة، التي تشهد صعودا لليمين المتطرف، سنجد أن بلدان أمريكا الجنوبية تشهد تقدما لليسار على حساب اليمين وأقصى اليمين.

 

أما العالم العربي فلا يزال يبحث عن نموذجه السياسي، بعد تراجع تيارات الإسلام السياسي بمختلف فصائلها.

 

والحقيقة أن أحد أسباب تقدم اليمين المتطرف والقوى والتيارات الشعبوية في الغرب، يرجع إلى محاولتها تقديم نفسها على أنها «مخلّصة» الشعوب من النخب الحاكمة من اليمين واليسار التقليديين. إذ سنجد مثلا مقالا شهيرا للرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، نشره في صحيفة «وول ستريت جورنال في أبريل 2016»، قال فيه إن «الترياق الوحيد لعقود من الحكم المدمر من قبل حفنة صغيرة من النخب، هو فرض الإرادة الشعبية في كل قضية رئيسة تؤثر على هذا البلد. إن الناس على حق، والنخبة الحاكمة على خطأ».

 

والمؤكد أن قوى أقصى اليمين والتيارات الشعوبية لها أكثر من طبعة، وحملت أكثر من شكل، ومن الواضح أن «طبعة ترامب» كانت الأكثر عشوائية، وكانت حصيلة حكمها شديدة السلبية، وأن هزيمتها في الانتخابات الأخيرة لا تعني اختفاءها من العالم.

والحقيقة أن القضية لم تعد فقط صعود تيارات اليمين المتطرف في أوروبا والولايات المتحدة، وإنما أيضا في تحولها وانتقالها من صوت عنصري صريح وفج إلى صوت رافض للمهاجرين الأجانب والعولمة، على أرضية الدفاع عن السيادة والهوية الوطنية.

 

فكما نجحت النظم الديمقراطية في تهذيب تيارات يسارية وثورية وتعديل خطابها المتطرف والثوري ودفعه نحو التوجهات الإصلاحية، فإن خبرة الولايات المتحدة وربما العالم ستقول إن اليمين المحافظ والقومي والتيارات الشعبوية مستمرة، ولكنها قد تأخذ صورا أقل حدة وتطرفا مما ظهر عليه بعض القادة الشعبويين في أوروبا وأمريكا.

ومع ذلك، فسيظل راجحا استمرار حكم أقصى اليمين بطبعته الخشنة في بلدان الندرة الاقتصادية، مثل الهند والفلبين، على عكس خبرات بلدان الوفرة الغربية التي باتت تميل إلى قدر من الاعتدال، حتى لو احتفظت في كثير من القضايا بتشددها وخطابها المحافظ، إلا أنها أصبحت جزءا من العملية الديمقراطية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى