شوف تشوف

الرأيالرئيسية

أفواه واسعة

 

مقالات ذات صلة

يسرا طارق

 

حكى مصطفى الحداوي، اللاعب الدولي السابق، في حوار مع موقع إلكتروني، حكاية أمه زهرة أو أمينة، التي اختطفت في مراكش وعمرها خمس سنوات، وحين قرر والده الزواج منها وهي في سن الثامنة عشرة، اشترطت عليه أن يبحث عن أسرتها في أولاد فرج، قريتها التي أخذتها منها خالتها نحو مراكش. وهذا ما فعله الرجل الذي عثر على والدها الذي فقد بصره بكاء على بنته وطاف كل دواوير المغرب في هيئة عطار بحثا عنها.

أثرت صدمة الطفولة المغتصبة في أم الحداوي، ورغم أنها كونت أسرة بقيت تعاني نفسيا. وهو في بداية مشواره الكروي، سيقال له ذات يوم إن أمه في قسم الأمراض النفسية والعقلية بمستشفى ابن رشد، فهرع إلى هناك.

وجدها تخط بعود الأرض وتتحدث عن ابنها مصطفى حين رأته، والذي سيشتري لها دارا، ويؤدي مصاريف حجها ويؤمن لها حياة لائقة. حضنها وقال لها إنه سيفعل لها كل هذا رغم أنه كان في سن لا يعرف ما يخبئه له الغد. بعد سنوات من الكد والجد، صار لاعبا دوليا، واحترف في الخارج وحقق لأمه كل أمنياتها.

إنها حكاية مؤثرة جدا، تكشف كفاح الأسر المغربية في تدبير أهوال الحياة وعبور أزمات شديدة بصبر وكرامة. إنها ملاحم صغيرة، لو لم تحكَ لما عرفها أحد. ينذر أن تجد عائلة مغربية، باستثناءات قليلة، لم تمخر عباب بحر الحياة، بخصاصه وشظف عيشه وتقلباته، وهي لا تتكئ إلا على سارية أخ أو أخت خرجا لمُعاركة بحر الحياة لتأمين القوت للأسرة ومساعدة الإخوة الآخرين على النجاة. معظمنا تربينا على أن لا نعيش لأنفسنا فقط، بل لأسرنا، وأن لا نفكر في أنفسنا فقط، وإنما في والدينا وإخوتنا، وأغلبنا فاته شيء كان ينبغي أن يقوم به لنفسه، لكنه كان منشغلا بالآخرين الأقربين. هناك من فاته أو فاتها زواج أو فرصة عمل في مكان أفضل، أو متابعة دراسة أو سنوات لم يعرف أو لم تعرف فيها، تسلية أو ترويحا عن النفس، لأن أفواها واسعة كانت تنتظره أو كانت تنتظرها..

من ثوابت هذا البلد السعيد التضامن العائلي، وحين يخذله الطقس، أو تضربه جائحة أو يهدر خيراته فساد أو سياسة خاطئة، لا يجد إلا أسره المتلاحمة في ما بينها.. بها عبر أزماته الشديدة مثل الجفاف والتقويم الهيكلي في الثمانينيات، وبها يعبر الاختناقات المتكررة في المجالات القروية الهشة، التي لا توفر لا تعليما ولا صحة، ولا شغلا ولا أملا، وبها عبر انتقال الثقل الديموغرافي من البوادي إلى المدن.

بالأسر المتضامنة لا نواجه مشاكلنا فحسب، لكننا نغطيها أيضا. فلو رأينا وجوهنا في المرآة، لرأينا أن جزءا قليلا من المغاربة يتكفل بالكثير منهم، ويؤمن لهم ما الدولة عاجزة عن توفيره. لنا في جائحة «كوفيد-19» الأخيرة خير مثال، حيث أذهل مغاربة العالم، كل الأوساط المالية، بمبلغ تحويلاتهم الذي تجاوز عشرة ملايير دولار. فرغم أن السياق كان سياق أزمة وخوف وتردد، لم يفكر المغربي البعيد في نفسه وفي إبقاء مدخراته، بل فكر في أسرته، بالأساس، وهي تواجه الحجر..

ليست الأسرة بالنسبة لنا جميعا ملاذا وحيزا آمنا فقط، بل إنها الجدار الأخير الذي نحتمي به حين يخذلنا كل شيء. قال مصطفى لأمه، وهي تعلق كل آمالها عليه وهو أصغر إخوانه الذكور، إن الله سمعها. أعتقد جازمة بأن أبواب السماء تكون دائما مفتوحة حين يتعلق الأمر برهان الأسر على بعض أولادها وبناتها.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. تعقيبا على مقال أفواه واسعة

    كانت الأفواه الواسعة تحت كنف قلوب واسعة لها قدرة على المصابرة ونكران الذات في سبيل الجماعة والمصلحة العامة، وقد عرف هذا الخلق عند المغاربة عموما منذ القدم ، لكن أصحاب القلوب الواسعة بدؤوا ينقرضون بينما تزداد الأفواه الواسعة،لكن للكعبة رب يحميها للافواه رازق يكفيها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى