شوف تشوف

الرئيسيةشوف تشوف

أفكار لتحقيق السيادة الغذائية

ينعقد معرض الفلاحة الدولي بمكناس هذه السنة في ظروف جد استثنائية: جفاف هو الأقسى من نوعه خلال الأربعين سنة الأخيرة، هبوط حاد في حقينة السدود، تضخم في أسعار المواد الغذائية بلغ 20 بالمائة، غلاء في أسعار الأعلاف والمواد الفلاحية نتج عنه نقص حاد في حجم القطيع المغربي من الأبقار والأغنام وقريبا من الدجاج أيضا، قرب انقراض الحليب المحلي وارتفاع صاروخي في أسعار الزبدة ومشتقاتها، انتقادات حادة لنمط الزراعة الشرهة للمياه الموجهة للتصدير على حساب الزراعات الأساسية الموجهة للاستهلاك الداخلي.
مشكلة الفلاحة المغربية أنها مرتهنة كليا للأمطار، وقد رأينا خلال السنوات الأخيرة مخاطر الاستمرار في التعويل على الأمطار، والنتيجة هي أن خمسة ملايين مغربي سينزحون نحو المدن في 2030 بسبب الجفاف.
ولو أن فلاحتنا تعاني فقط من مشكلة شح المياه لهان الأمر، فمشاريع التحلية وإعادة تدوير المياه والتنقيب عن المياه الجوفية وتحلية مياه الآبار المالحة كفيلة بسد الخصاص بانتظار سنوات مطيرة، لكن فلاحتنا تعاني من مشكل عميق في سلاسل التسويق، فكثرة المتدخلين أنتجت لنا وسطاء لا يبذلون أي جهد في تحصيل المنتوج ومع ذلك ينفردون بهوامش ربح مهمة على حساب الفلاح والمواطن.
مشكلة أسواق الجملة هي أن الأمر بتعلق بأشخاص يتحصلون على تسعة بالمائة من رقم معاملات الأسواق التي يشرفون عليها مما يرفع سعر المنتوج ويجعل المستهلك يدفع سعره مضاعفا ثلاثة إلى أربع مرات.
عندما اندلعت أحداث صفرو وسيدي إفني سنة 2007 اجتمعت الداخلية بالمسؤولين المحليين لتقليص حدة الغلاء، فهمت الداخلية أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية، لا سيما الخضر والفواكه واللحوم، سيتسبب في إشعال احتجاجات في كل المدن، فقررت الوزارة أن تصلح أسواق الجملة لأنها السبب الرئيسي في تراكم هوامش الربح بشكلٍ ريعي بسبب كثرة المتدخلين والمضاربين.
أسواق الجملة تشتغل بقانون 1962، وتسير بشكل مشترك بين القطاع الخاص والمكتب الوطني للمقاومة.
أسواق الجملة تعيق سلاسل الإنتاج وتخل بالتوزيع السليم للسلع.
المشكلة الكبرى أيضا أن أسواق الجملة لا يدخلها سوى ثلث الإنتاج الفلاحي فيما البقية يتم ترويجها عبر السوق غير المهيكلة. وهذه آفة كل القطاعات الإنتاجية بالمغرب، فالاقتصاد العشوائي غير المهيكل يخنق الاقتصاد، ولدينا في قطاع النسيج 54 بالمائة غير مهيكل ويوظف 200.000 مستخدم ويعرض منتجات أرخص بحوالي 30 بالمائة مقارنة بأسعار المنتجات المهيكلة، فيما قطاع البناء 31 بالمائة منه غير مهيكل، أما قطاع نقل الأشخاص والبضائع ففيه 32 بالمائة غير مهيكل، وقطاع المواد الغذائية تصل فيه نسبة الاقتصاد العشوائي 26 بالمائة.
ولكي نعود لموضوع أسواق الجملة فعلينا أن نعرف أن وزارة الداخلية هي من يعين وكلاء الأسواق، فيما تشرف الجماعات المحلية عليها. وهنا نطرح السؤال حول بعض وكلاء المربعات الذين يستخلصون من التجار أموالا خارج القانون كونهم فقدوا هذه الصفة منذ 1993. فالتجار يجدون أنفسهم يؤدون ضرائب كثيرة دون تلقي خدمات مقابل ذلك، فالأسواق في عمومها قذرة وليس فيها أية مرافق خدماتية.
على الحكومة إذن أن تأخذ موضوع السيادة الغذائية بما يكفي من الجدية، فبهذه الطريقة التي تسير بها الأمور اليوم فنحن ذاهبون نحو الخصاص في المواد الغذائية الأساسية. الأمن الغذائي هو ما يضمن الأمن العام والاستقرار، وما حدث خلال الأشهر الأخيرة يكشف لنا أننا لا نضبط ميكانيزمات هذا الأمن الغذائي طالما أننا نتساهل مع مظاهر الريع والتسيب التي تتحكم في سلاسل التوزيع، وما استيراد اللحوم من البرازيل والأوروغواي مع ما رافق ذلك من لغط حول دخول أبقار ولد زروال العجفاء إلى المغرب قبل دخول الإجراء الحكومي الرامي بإعفاء 30.000 رأس من الرسوم حيز التنفيذ، سوى مثال واضح على الدمار الذي ضرب القطيع المغربي رغم مليارات الدعم التي قدمت لكبار الفلاحين.
المغرب اليوم يشتري 7 ملايير درهم من المواد الغذائية من الخارج، زيوت المائدة وحدها كلفت 800 مليون درهم في يناير الماضي. كما دفع الخصاص إلى لاستيراد 290 مليون درهم من الحليب. وهذا الارتفاع في الواردات عمق العجز التجاري ب10,06 بالمائة.
الفلاحة ليست فقط هي الأمطار والأسمدة والبذور، الفلاحة اليوم هي البحث العلمي أيضا، إسرائيل التي تعتبر بلدا معجزة في ما يتعلق بالفلاحة وتدبير المياه (70 بالمائة من المياه التي تستهلكها مصدرها البحر) تخصص عشرة بالمائة من دخلها القومي الخام للبحث العلمي والتنمية.
لذلك علينا أن نتخلى قليلا عن تفاؤل وزير الفلاحة وأن نكون واقعيين وأن نذهب بعيدا في تخيل أسوأ السيناريوهات لما قد سيسير نحوه الوضع من مجاهل وأهوال بسبب الحرب الدائرة بين اثنين من كبار منتجي ومصدري القمح في العالم.
علينا أن نفكر في كل الخطط والحلول التي ستجعل منا بلدًا مكتفيا بذاته في ما يتعلق بالمواد الغذائية الأساسية، وهذا يفرض علينا التخلي عن نموذج فلاحي كان صالحا لمرحلة مضت وظهر أنه لا يصلح لتحقيق هذه المهمة الاستراتيجية. بالأمس كنا نشتري القمح من الأسواق العالمية بسعر منخفض وكان إنتاج القمح محليا يكلفنا ضعف سعر استيراده، اليوم تغير الأمر فأصبح سعر القمح محلقا في السماء وصار إنتاجه داخليا أقل كلفة من استيراده.
علينا اليوم التفكير في الزراعات التي تحقق الاكتفاء الذاتي للسوق الداخلية في مادتي القمح والشعير. نعم إنه من الجيد الاستثمار في الفواكه الحمراء والأفوكا والفواكه الاستوائية للتصدير وجلب العملة لكن عندما تكون هناك أزمة فالأولوية تصبح هي القمح والشعير والذرة وبقية المنتجات التي تدخل في نظام التغذية الأساسي الشعب.
علينا أن نستغل الشراكة المغربية الإسرائيلية لنقل الخبرات التقنية الفلاحية من إسرائيل إلى المغرب، فمؤخرا توصلوا لإنجاز زراعي يحول الصحراء الى منجم من ذهب عبر إنبات الكمأ في قلب الصحراء التي لدينا منها آلاف الهكتارات، ونظراً لندرة هذا المنتوج فإن أسعاره عالية جدا، إذ يتراوح سعر الكيلو من “كمأ الصحراء” بين 200 و50 دولارا. أليس هذا أحسن من زراعة الدلاح التي اغتنى من ورائها حفنة من الفلاحين وتسببت في تجفيف المياه الجوفية في مناطق لا يجد فيها الناس ما يشربون؟

مقالات ذات صلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى