حسن البصري
يركز المتتبعون لمسار المنتخب المغربي لكرة القدم في رحلاته الإفريقية، على المدربين بدرجة أولى واللاعبين بدرجة ثانية، بينما يسقط من ذاكرة نهائيات كؤوس أمم إفريقيا باقي المتدخلين في المنظومة الكروية، خاصة مكونات الجهاز الطبي الذي يتشكل في الغالب من طبيب وممرض، قبل أن يظهر مع مرور السنوات المعالج الطبيعي و«الكوتش» النفسي وأخصائي التغذية، وغيرها من الأسماء التي جعلت من الطاقم الطبي فريقا مكتمل الصفوف.
على امتداد تاريخ المغرب في كؤوس أمم إفريقيا، تعاقب على منصب «طبيب المنتخب» عدد كبير من الأطباء، أغلبهم لم يحملوا تخصص «الطب الرياضي» في زمن لم يظهر فيه هذا التخصص للوجود، بل إن بعض سفريات الفريق الوطني تمت بالاستعانة بأطباء «طب عام»، أو تخصص آخر، المهم أن يحضر الدواء حين يظهر الداء.
في أول مشاركة للمنتخب المغربي في نهائيات كأس أمم إفريقيا بالكاميرون سنة 1972، رافق البعثة الوطنية الدكتور الطاهري الجوطي، الذي كان طبيب المنتخب خلال نهائيات كأس العالم في المكسيك سنة 1970، كانت مهمة طبيب المنتخب الأولى التصدي للأوبئة التي كانت تتربص باللاعبين قبل ظهور اللقاحات.
سنتان بعد هذا الحدث سيعين طبيب المنتخب وزيرا للرياضة، وسـ«يعلق» وزرته البيضاء ليهتم بتشخيص أورام قطاع الرياضة، قبل أن يقطع صلته مع الدواء.
قبل الإقلاع صوب إثيوبيا للمشاركة في دورة 1976، عين الملك الحسن الثاني طبيبه البروفيسور عبد السلام السرايري، ووضعه رهن إشارة الفريق الوطني، وهو مختص في طب القلب والشرايين، علل الملك هذا الاختيار بوجود المنتخب في مدينة ديرداوا التي ترتفع عن سطح البحر، مما يزيد من ضغط الدم، ولأن هذا الطبيب كان حكما لكرة السلة فقد اعتمد على ممرض مساعد اسمه أنفلوس، بينما عكف البروفيسور على ضبط نبضات قلوب لاعبين ناجين من كارثة جوية.
في دورة غانا سنة 1978، تحول الدكتور أبو الخطيب إلى طبيب مستعجلات، بدل ترميم أعطاب الملاعب، حيث ظل خلال مقامه في مدينة كوماسي الغانية يعالج جروح اللاعبين، بعد المعركة التي عرفها مقر إقامة المنتخب المغربي، والمناقرات التي استخدمت فيها الصحون والكؤوس، بين لاعبين مهزومين في الملعب وفي الفندق.
سقط من مفكرة المنتخب طبيب رافق الفريق الوطني في أقسى دروب التصفيات والنهائيات، اسمه العربي عثماني الذي يرقد جثمانه اليوم في مقبرة بمراكش، بعد أن عاش في صخب الملاعب ومات في صمت.
رافق هذا الطبيب، المكناسي الجذور، منتخبنا في تصفيات ونهائيات كأس أمم إفريقيا 1980 بنيجيريا، وشارك في صعود المنتخب لـ«بوديوم» التتويج، حين احتل الصف الثالث. ساهم العربي في علاج مدرب المنتخب الوطني جيست فونتين حين تعرض لحادثة سير، وظل رهن إشارة اللاعبين وأفراد أسرهم إلى أن انتهت علاقته بالكرة دون سابق إشعار.
وعايش الدكتور خالد حسون المنتخبات الوطنية طويلا، منذ أن كان طبيبا في وزارة الشباب والرياضة، شارك في نهائيات كأس أمم إفريقيا منذ دورة 1986 بمصر إلى دورة بوركينا فاسو سنة 1998، قبل أن ينهي مساره مسؤولا في «أسبيطار» الدوحة.
لكن الدكتور بوجمعة الزاهي استطاع تحطيم الرقم القياسي لزميله حسون، حيث قاد الطاقم الطبي ل «الأسود»، ابتداء من دورة نيجيريا سنة 2000 إلى دورة غانا سنة 2008، قبل أن يعتزل الأسفار ويقضي ما تبقى من عمره يمارس هواية ركوب الدراجات الهوائية.
في زمن الدكتور عبد الرزاق هيفتي وسعيد زكيني وأمام مد وسائط التواصل الاجتماعي، أصبح طبيب المنتخب أشهر من لاعبيه، وأضحى العلاج في عيادة أحد أفراد الطاقم الطبي للكرة موضة، خاصة وأن تصريحات الأطباء أضحت تستأثر باهتمام عشاق المنتخب، وفي هذا الزمن عشنا ورأينا طبيبا يعالج الحكم من باب رد الجميل، وسمعنا لازمة «الوضعية الصحية مستقرة»، دون أن نعلم هل هو استقرار في الألم، أم في الشفاء.