كان لترجمة الأعمال الكاملة للشاعر الفرنسي سان جون بيرس (1887-1975) من قبل الشاعر أدونيس صدى كبيرا، لم يخل من الجدل والنقاش. فقد كان من بين من اعترضوا عليها الكاتب التونسي على اللواتي الذي وصفها بأنها إعدام لخطاب شعري. وبغض النظر عن هذا النقاش تمثل ترجمة أدونيس لسان جون بيرس في حد ذاتها حدثا مهما في الشعرية العربية، حيث تم استحضار إحدى أقوى التجارب الشعرية الأكثر تأثيرا في الشعر العالمين بنفسها الملحمي وروحها التجريبية التي تمزج بين الغنائية الشفافة والحكمة العميقة. الجانب الآخر في هذه القضية أن أدونيس قدم لنا سان جون بيرس بنبرته وصوته الشعري أو كما قال الناقد العراقي علي جعفر العلاق: «أحيانا يبدو الفارق هشا بين لغة أدونيس شاعرا، ولغته مترجما. إنه هو هو، هنا وهناك: الهوس باللغة، الافتتان بالمجاز، وتضبيب الدلالة». من زاوية أخرى يبدو في المقابل أن ترجمة أدونيس لسان بيرس مثلت تحولا أساسيا في تجربته الشعرية، حيث يمكن القول إنّ في مساره الشعري ما قبل سان جون بيرس وما بعده.
ضيقة هي المراكب…
أيها الأحباء، أيها الآتون بعد الأوان بين الرخام والبرونز في تطاول
نيران المساء الأولى،
أيها الأحباء، يا من ران عليكم الصمت وسط الجموع الغريبة، ستشهدون
كذلك هذا المساء لمجد البحر:
1
… ضيقة هي المراكب ضيق سريرنا.
لا حدّ لامتداد المياه، وأكثر اتّساعا مملكتنا
ذات الغرف الشهويّة المغلقة.
ليدخل الصيف الآتي من البحر. للبحر وحده سنقول
كم كنا غرباء في أعياد المدينة، وأيّ كوكب صاعد من
أعراس تحت البحر،
أقبل ذات مساء، إلى سريرنا، يشمّ سرير الإلهي.
عبثا ترسم لنا الأرض القريبة حدودها. موجة واحدة
من العالم، الموجة ذاتها منذ طروادة
تدحرج إلينا خاصرتها، بعيدا عنّا في المدى الأرحب كان
هذا النَّفسُ، من قديم مطبوعا.
و كانت الضوضاء ذات مساء عالية في الغرف: لم يكن الموت
ذاته، يسمع في خشخشة الأبواق الصدفية !
أحبّوا، أيها الأزواج، المراكب، والبحر مدٌّ في الغرف !
الأرض ذات مساء تبكي آلهتها، والإنسان يطارد حيوانات
شقراء، المدن تبيد، النساء يحلمن… أن كان دائما على بابنا
هذا الفجر الكبير المسمّى بحرا –منتقى من الأجنحة محضونا
بالأسلحة، حبّا وبحرا لسرير واحد، حبا وبحرا في سرير واحد-
وهذا الحوار المتواصل في الغرف.