شوف تشوف

الرئيسيةالمدينة والناسثقافة وفن

أدباء مغاربة باللغة الهولندية الهوية في مرايا مكسورة  

محمود عبد الغني:
عبد القادر بنعلي: عليك أن تتذوق مطبخك
 
نعيمة البزاز: «المغاربة لا يكتئبون»
 
حلقات «أنا إدريس» لحسن بحارة بإذاعة هولندا العالمية
 
محمد بنزاكور: «يما».. صمت أم مغربية
 
 
«أنا أستعمل الكلمات التي عَلَّمْتني، وإذا أرادتْ عدم قول شيء، علمني كلمات أخرى. أو دعني أصمتصمويل بيكيت، «نهاية اللعبة».
حين نتناول موضوع «كتاب مغاربة بلغات أجنبية» نفكر مباشرة في: أحمد الصفريوي، إدريس الشرايبي، الطاهر بنجلون، عبد الحق سرحان على الخصوص. لكن القضية هي أوسع من جرد بضعة أسماء كتبوا بلغة أجنبية. إن الأمر يعني أيضاً فقدان الهوية اللغوية الأصلية والسعي وراء امتلاك أخرى بعيدة. إن نظرية «التملك» التي هي نظرية في علم الترجمة، وتعني تملك المترجم للنص الأصلي ليصبح ملكاً له وطوع يديه، هي أيضاً نظرية في اللسان والكتابة، وتعني تملك الكاتب للسان آخر والكتابة به وضمنه. إن السؤال يمتد على طول شمال إفريقيا: لماذا جزء مهم من الكتابة الأدبية في المغرب، الجزائر وتونس هو باللغة الفرنسية وليس باللغة العربية؟ ولا حاجة هنا إلى التذكير ببعض مواقف الوطنيين في هذه البلدان، الذين كانوا يعتبرون الشرايبي وكاتب ياسين ومولود فرعون ومولود معمري خونة بمجرد أنهم حرروا رواياتهم بلغة المستعمر. وهل يمكن قول نفس الشيء، اليوم، بعد رحيل الجيل القديم من الوطنيين، عن أدباء مغاربة يكتبون باللغات: الإسبانية والهولندية والإنجليزية؟ وهل من الصائب اليوم ترديد قول شارل بون: الأدب المغربي المكتوب باللغة الفرنسية هو في معظمه رقصة رغبة قاتلة أمام مرآة صنعها الغرب. مرآة لا نكف عن كسرها وإعادة تشكيلها، كي نبرز بشكل أفضل محاكاة مشروع قاتل يعود من جديد غالباً للبحث عن الحب والمطالبة بالاعتراف المفقود. ونفسه شارل بون يذكر بالجملة الشهيرة لعبد الكبير الخطيبي: «حين أرقص أمامك، أيها الغرب، دون أن أتجرد عن شعبي، فاعلم أن هذا الرقص هو رغبة مميتة».
غير أنه، بكل تأكيد، لا يمكن التفكير في الأدب المكتوب باللغة الهولندية بأقلام كُتاب مغاربة، بالطريقة، والمنهجية نفسها، التي نفكر بها في الأدب المكتوب بالفرنسية بأقلام كُتاب مغاربة. فالسياق التاريخي يختلف تماماً. فهولندا لم تستعمر المغرب، وكما أجاب «جاك نواري»، الذي درس سابقاً بكلية الآداب بالرباط، عن القضية بالقول إن كل الكتاب المغاربة بالفرنسية تربوا وكبروا خلال فترة الاستعمار، ودرسوا في المدارس الفرنسية، ومن هنا تكرست لديهم الفرانكفونية. إن هذا الموقف لا ينطبق كلياً على الكتاب المغاربة باللغة الهولندية. فالمغرب لم يكن مستعمرة قديمة لهولندا، والدولة الهولندية لم يكن من أهدافها تلقين المغاربة لغتها بطريقة إيديولوجية صارمة.
لعل تصريح الكاتب الهولندي من أصول مغربية عبد القادر بنعلي: «لست مغربياً ولست هولندياً، الآخرون يصنفوني بالمغربي أو الهولندي ولكنني أبحث عن هويتي وأعتقد أن الهوية ممكنة في الأدب»، يعكس حالة من التيه عند أحد أبرز الكتاب المغاربة في هولندا. إن موضوعة الهوية الأدبية هنا تطرح نفسها بقوة. لكن، من الناحية النظرية، ألا يمكن طرح هذه الأسئلة: أليس من الضروري طرح أسئلة الهوية والتنوع والتسامح باعتبارها قيماً مركزية قديمة في فضاء البحر الأبيض المتوسط؟ ألن يكون من الضروري قياس الهوية الأدبية لعبد القادر بنعلي بهوية جميع الكتاب في العالم الذين وجدوا أنفسهم في أحضان لغة أخرى فصنعوا منها هوية موازية؟
إن بنعلي لم يحد عن المأزق الهوياتي الذي يحيط بكل كاتب بلغة أجنبية عن هويته الأم. فجل العمل الروائي للكاتب الجزائري كاتب ياسين يصب في قضية اكتشاف الآخر، والبحث عن الهوية وتفاعلهما حسب مختلف التمظهرات، كما يشير إلى ذلك الباحث نزار بن سعد، المتخصص في القضايا المتوسطية. وحتى الكاتب اللبناني الفرانكفوني أمين معلوف، الحامل للثقافتين المسيحية والإسلامية في نفس الآن، يختبر سؤال المنفى، الهوية، والعلاقات السياسية والدينية التي تربط بين الغرب والفضاء المتوسطي. هنا أيضاً يقف اسم إدريس الشرايبي بارزاً، فما ظل يقض مضجعه من أسئلة التاريخ والمجتمع قضايا مكانة المرأة في المجتمع المغربي، والإسلام، والمهاجرين في فرنسا، هؤلاء الذين خصص لهم رواية «التيوس» الصادرة سنة 1955. وهي قضايا أيضاً كانت هدفاً للنقد الحاد في أعمال كاتب ياسين.
هل يمكن الحديث بنفس المنهج وزاوية النظر مع عبد القادر بنعلي؟ ازداد بنعلي في بلدة «أعزانن» بإقليم الناظور سنة 1975، وانتقل للعيش رفقة أسرته إلى هولندا وهو في سن الرابعة. وألف باللغة الهولندية عدة أعمال. كما فاز سنة 2003 بجائزة «ليبسريس» الهولندية. وهي جائزة عن الرواية تُمنح سنوياً منذ عام 1994، من طرف رابطة بائعي الكتب الهولنديين المستقلين، وتبلغ قيمتها 50 ألف أورو للفائز. تتسع شهرة بنعلي مع إصدار كل رواية جديدة. فقد أصدر ما لا يقل عن عشرين رواية، كما قدم عدة برامج تلفزيونية تهتم بالأدب والثقافة على القناة الثانية الهولندية. وتمثل الكتابة بالنسبة إليه بحثا عن أجوبة لأسئلة كثيرة، يقول في هذا الصدد: «في الغالب أكتب لأجيب عن أسئلة تراودني، فكرت كثيراً في سؤال: لماذا نأكل هذا النوع من الأكل بالذات؟ وبهذه الصورة المكثفة. وراء الأكل توجد الكثير من الحكايات والذكريات، وهي نوع من الأدب. الأكل ليس ممارسة جسدية فقط، هو ممارسة فكرية أيضاًويضيف: «الشباب لا يعرفون هويتهم، وإذا أردت أن تعرف من أين جئت عليك أن تتذوق مطبخك».
وأيضاً عن الروائي محمد بنزاكور، صاحب صاحب رائعة «يما»(أمي)؟ من مواليد 1972، هو عالم اجتماع، كاتب وشاعر هولندي من أصول الريفشمال المغرب. غادر مدينة الناظور وهو طفل في سن الرابعة. غادر رفقة عائلته إلى هولندا حيث كان والده يعمل. نشأ في مدينة زفايندريخت غرب هولندا، وأصبح لاحقاً عضواً في مجلس المدينة. درس علم الاجتماع والإدارة العامة، وبعد تخرجه عمل في وزارتين ب»لاهاي». لكن حياته المهنية كموظف مدني لم تدم طويلا، لأن بنزاكور كاتبٌ يمتلك حباً خاصاً لعالم الأدب.
في عام 1998 بدأ بكتابة مقالات رأي وتقارير وتحليلات لكبريات الصحف الهولندية، وحظيت أفكاره الجريئة وطروحاته المختلفة بإعجاب المتابعين، وأصدر أكثر من بحث ودراسة، قبل أن ينتقل سنة 2013 إلى الرواية، حيث أصدر روايته الأولى «يمّا»، أردفها في عام 2015 برواية «الملك قادم».
رواية «يما» ألفها باللغة الهولندية، مع عنوان فرعي: صمت أم مغربية. صدرت الرواية عن دار نشر «خوش»، وجاءت في 220 صفحة، ويعتبرها مؤلفها ذاكرة ولسان كل الأمهات الريفيات والمغتربات في بلاد المهجر.
يحكي بنزاكور في «يما» قصة أمه التي أُدخلت المستشفى بعد وعكة صحية مفاجئة، فأُجريت لها عملية جراحية على الدماغ لم تُكلل بالنجاح، الأمر الدرامي الذي تسبب لها في الإصابة بشلل نصفي، كما فقدت القدرة على الكلام بشكل نهائي. فارتأى الروائي كتابة رواية مليئة بالبوح والكلام كتعويض عن صمت الأم الأبدي.
وأيضاً عن حالة الكاتب المغربي حسن بحارة، المزداد سنة 1978 بـ«آيت إيزو»، وترعرع ونشأ في أمستردام، وفاز بجائزة الأدب في عامي 2000 و2001. كما أن بحارة اشتهر بكونه محرراً أدبياً في إحدى الجرائد الأسبوعية «بروبريا كورس». أصدر رواية «أنا إدريس». يقول إنه غادر المغرب وهو في السادسة من عمره. لكنه تجرع حتى الثمالة تاريخ الرعيل الأول وتفاصيل حياته في الأراضي المنخفضة. وقد حول تلك الثمالة إلى كتابات سردية. بطل رواية «أنا إدريس» كان عاملا في منجم بفرنسا، قبل أن ينتقل إلى أمستردام ليبدأ حياة وصفها  بأنها «جديدة تماماًوقد قامت إذاعة هولندا العالمية بإدراجها على شكل حلقات مسموعة.
وتقف في صف هذه النخبة من الكتاب المغربية نعيمة البزاز، المزدادة سنة 1974، وهي محاضرة وكاتبة مقالات وأعمدة ذائعة الصيت في هولندا، وتوفيت سنة 2020 بإقدامها على الانتحار بعد معاناتها من الاكتئاب طيلة سنوات. وألفت عدة روايات تتطرق لقضايا الهجرة، والشباب العاطل، وخوض المغامرات المحرمة، وقضايا النساء، والخيانة والزيف والعادات القاتلة، وكيف يتحول الصراع بين ثقافتين عند المهاجرين إلى عنف وكراهية. كتبت نعيمة قصة قصيرة بعنوان «المحرمات» سنة 2007، تتساءل الشخصية المغربية المهاجرة إلى هولندا: «لا تفكري في الأمر بعد الآن. تناولي طعاماً طيباً وارتدي ملابس أكثر أنوثة». تقول الكاتبة في قصة أخرى: «أنا برميل ملأتموه بالأحكام المسبقة، فمي كبير وسأقول كل شيء بشكل مباشر». وعانت الكراهية والتهديد بالقتل مباشرة بعد روايتها «نساء فينكس» (2010)، اسم الحي الذي كانت تقطن فيه، وقد لقيت روايتها نجاحاً وباعت منها ستين ألف نسخة. وقد كتبت فيها، بسخرية لاذعة، أخلاق منطقة فينكس. وقد تعرف فيها جيرانها على أنفسهم، وهاجموا منزلها ساخطين، وتعرضت لتهديدات كثيرة، بعضها كانت بالقتل.
أكثر الأدباء العرب في هولندا هم من المغاربة
صلاح حسن*
* شاعر عراقي مقيم بهولندا
يوجد في هولندا أدباء وكتاب وفنانون عرب من الكثير من البلدان العربية وأكثر هؤلاء الكتاب من شمال إفريقيا والمغرب تحديدا ومن العراق ومصر وسوريا وهناك رسامون ومسرحيون كثر يساهمون في إثراء الحياة الثقافية في هولندا وفيهم من أصبح مشهورا. من المعروف أن الجالية المغربية قديمة في هولندا، وهنا أكثر من أربعة أجيال منهم الآن، حتى أن سيدة مغربية في السنوات الماضية أصبحت رئيسة للبرلمان الهولندي.
ونستطيع أن نتحدث عن مجتمع مغربي مصغر في هولندا فيه الشاعر والكاتب والمسرحي والرسام والمطرب أيضا، وهؤلاء يقدمون إبداعاتهم في الحياة اليومية وفي المهرجانات السنوية ويظهرون على شاشات التلفاز وفي الصحافة بشكل مستمر ومنهم من يظهر في الإعلانات كنجم مثل المطرب علي ب.
ورغم أنني لا أملك أية إحصائية دقيقة عن عدد الأدباء والكتاب العرب في هولندا، لكن عندما تحضر في المهرجانات الأدبية المهمة ستلتقي بالكثير منهم، وبالتأكيد أكثر الأدباء العرب هم من المغاربة ممن ترعرعوا في هولندا أو ولدوا فيها. يندر أن تكون هناك فعالية ثقافية في جميع المدن الهولندية لا يكون للمثقفين المغاربة حضور فيها. بطبيعة الحال مع المثقفين العرب الآخرين من العراق وسوريا ومصر وتونس والجزائر، غير أن حصة الأسد دائما تكون للمغاربة لأنهم أكبر الجاليات العربية في الأراضي المنخفضة ويجيدون اللغة الهولندية بطريقة مدهشة.
وأغلب الكتاب والشعراء المغاربة يكتبون باللغة الهولندية خصوصا من ولد منهم في هولندا، ولدي ثلاثة أصدقاء هم حفيظ بو عزة الذي ترجم عيون الأدب العربي الى اللغة الهولندية والكاتب عبد القادر بن علي الذي كتب كل رواياته باللغة الهولندية مع أنه يجيد أكثر من لغة، والشاعر مصطفى ستيتو والراحلة نعيمة البزاز التي انتحرت وغيرهم أقل شهرة من هؤلاء. في منتصف السبعينات كان الهولنديون يشعرون بالسعادة حينما يسمعون العمال المغاربة يتكلمون باللغة الهولندية، وبالمناسبة فاللغة الهولندية من أصعب اللغات الأوربية والهولنديون يعترفون بذلك بمناسبة أو بدونها.
ولهذا تهتم الصحافة والتلفزيون بهم وتفرد لهم مساحات كثيرة في الثقافة الهولندية خصوصا عندما يصدر أحدهم كتابا جديدا، أو حين يتوج بجائزة ما، حيث يستضيفه التلفزيون وتكتب عنه الصحف مقالات نقدية تسلط الضوء على نتاجه وجوائزه وتقدمه للجمهور بطريقة لائقة. وكمثال فاز الكاتب والشاعر عبد القادر بن علي بأكثر من جائزة كما فاز الشاعر مصطفى ستيتو بجائزة شعرية مهمة حصل عليها كبار الشعراء الهولنديين. هناك الكثير من البرامج الثقافية التي تهتم بالكتب الصادرة حديثا، خصوصا المكتوبة باللغة الهولندية مباشرة من قبل الكتاب الأجانب.
كما تهتم الجامعات الهولندية بهذه الإنجازات وتستضيف الكثير من الكتاب والشعراء للحديث عن تجاربهم الشخصية الإبداعية وتقدمهم لطلاب الجامعات في الدراسات الإنسانية بوصفهم مبدعين من خارج الثقافة الهولندية ويكتبون مباشرة باللغة الهولندية مما يعد إنجازا خاصا لهؤلاء الكتاب  خصوصا في جامعة لايدن العريقة وجامعة أمستردام.
وأغلب التيمات التي تتناولها أعمال هؤلاء الكتاب والشعراء هي المنفى والحرية والهجرة والغربة والاضطهاد، إذ أن الكثير من الكتاب والفنانين هم من اللاجئين والمنفيين. بطبيعة الحال هناك اهتمام كبير بالأدب الذي تنتجه المرأة نظرا للنظرة السائدة عن طبيعة المجتمعات العربية التي لا تمنح المرأة الحق في الاهتمام بالأدب والفن. في الفترة الأخيرة أصبح الاهتمام بموضوعة الإرهاب كبيرا بعد ظهور داعش في المنطقة العربية ومشاركة الكثير من العرب والمسلمين في هذا التنظيم، وقد كان من المؤسف جدا انتحار كاتبة حرة مثل نعيمة البزاز التي انتقدت في كتاباتها التطرف الإسلامي في الداخل والخارج وهي خسارة كبيرة للأدب المغربي والهولندي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى