النعمان اليعلاوي:
كشف رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، مجموعة من المعطيات والأرقام بخصوص استراتيجية حكومته لتأمين السيادة الغذائية في ظل التقلبات الدولة التي يعيش على وقعها العالم، نتيجة الجائحة الصحية والتحديات المناخية والصراعات الجيوستراتيجية، التي خلفت مجموعة من الاكراهات، أول أمس (الإثنين) في الغرفة الأولى للبرلمان، خلال جلسة المساءلة الشهرية، والتي ناقشت موضوع “الرؤية الحكومية لإرساء منظومة وطنية للسيادة الغذائية”، موضحا أن حكومته تعمل “على إرساء لبنات منظومة غذائية مستدامة مبنية على فلاحة عصرية ذات قيمة مضافة عالية لتحقيق السيادة الغذائية المنشودة”.
وأشار أخنوش إلى أن “المغرب ومنذ فجر الاستقلال حرص على إيلاء العناية اللازمة لرهان الأمن الغذائي، من خلال إقرار سياسات عمومية ومخططات فلاحية تعنى بتحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي”، مشيرا إلى البلاد “استطاعت التأسيس لنموذج فلاحي مبتكر، مزود باختيارات استراتيجية بعيدة المدى لتطوير الإنتاج الغذائي وتعزيز مناعة القطاع الفلاحي وصموده في وجه التقلبات”.
رهان مخطط المغرب الأخضر
وأشار أخنوش بخصوص تحقيق مخطط المغرب الأخضر لرهاناته أن ” حجم منجزات مخطط المغرب الأخضر بلغت الطموح المسطر وحقق الأهداف المنتظرة منه، لا سيما فيما يتعلق بتحقيق الأمن الغذائي للمغاربة”، وبلغة الأرقام أشار إلى أن المخطط “ساهم في الاستغلال الكامل لإمكانيات المغرب الفلاحية ومضاعفة الناتج الداخلي الخام الفلاحي ليتجاوز سقف 127 مليار درهم سنة 2021، مع تمكنه من خلق أزيد من 50 مليون يوم عمل إضافي بنسبة تشغيل بلغت 75 في المائة في الوسط القروي”، وهو ما قال رئيس الحكومة إنه “ساهم في تحسين متوسط الدخل الفلاحي بالعالم القروي بنسبة 66 في المائة”، معتبرا أن “كل ذلك تم من خلال تعبئة استثمارات إجمالية قاربت 160 مليار درهم، تشكل منها الاستثمارات الخاصة أزيد من 60 في المائة”.
وأبرز أخنوش أنه تم اتخاذ مجموعة من التدابير الرئيسية لتنمية سلاسل الإنتاج وضمان استدامتها، خاصة تلك التي يتمتع فيها المغرب بامتيازات تنافسية، عبر مضاعفة المساحات المسقية بالري بالتنقيط 4 مرات، وغرس أزيد من 590.000 هكتار بالأشجار المثمرة، والحد من الأمراض النباتية والحيوانية وتقوية المراقبة المستمرة لصحة الثروة الحيوانية، فضلا عن إعداد استراتيجيات خاصة للمناطق الهشة، كالبرنامج الموجه لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان، ووضع البرنامج الوطني لتنمية المراعي بهدف الإدارة المستدامة للموارد الرعوية.
الجائحة والسيادة الغذائية
وفي سياق متصل أشار رئيس الحكومة إلى أن “مخطط المغرب الأخضر، كان له الفضل خلال الأزمة الصحية في تأمين السيادة الغذائية للمغاربة، وتموين السوق الداخلي بمختلف المنتوجات الغذائية الأساسية بشكل مستقر وآمن”، وتابع قوله “هذا يدعونا إلى الافتخار جميعا بنجاعة الاختيارات التي تبنتها المملكة، لتعزيز أمنها وسيادتها الغذائية، ويعكس المناعة التي اكتسبتها الفلاحة الوطنية من خلال استكمال إنجاز مخطط المغرب الأخضر”.
وأكد أخنوش في معرض كلمته أن حكومته ستواصل من خلال المحاور المكونة لاستراتيجية الجيل الأخضر، التي تهدف في أفق سنة 2030، إلى ترسيخ سياسة فلاحية مستدامة وتنفيذها بطريقة مسؤولة وتشاركية وشاملة، مشددا على أن هذه الاستراتيجية التي تم تقديمها أمام جلالة الملك بأكادير في فبراير 2020، جاء لتكمل منجزات مخطط “المغرب الأخضر” الذي تم الاشتغال به ما بين 2008 و2020، مبرزا أن عناصر الانتقال الرئيسية لاستراتيجية الجيل الأخضر، تتمثل في الرفع من الإنتاج الفلاحي لمواكبة تطورات الاستهلاك الداخلي وتكريس التحول نحو منظومة غذائية مستدامة، عبر مضاعفة الناتج الداخلي الخام الفلاحي، والعمل على بلوغ 70 في المائة من تثمين الإنتاج الفلاحي.
أفضلية فلاحية مغربية
وعبر أخنوش عن افتخاره بكون البلاد بلغت نسبة تغطية وطنية للحاجيات الاستهلاكية الأساسية من اللحوم الحمراء والدواجن والبيض والخضر والفواكه والحليب تتراوح ما بين 98 في المائة و100 في المائة، مسجلة بذلك مؤشرات هي الأعلى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بالإضافة إلى الرفع من نسبة تغطية الحاجيات المتزايدة من الحبوب والسكر والزيوت، وقد أثمرت المجهودات المبذولة، بحسب أخنوش، تقليص عجز الميزان التجاري الفلاحي، حيث انتقلت تغطية الواردات بالصادرات الفلاحية من 49 في المائة سنة 2008، إلى 65 في المائة سنة 2020، كما سجلت بلادنا خلال الفترة من 2008 إلى 2020، استقرار مؤشر أسعار استهلاك المواد الغذائية في 0,2 في المائة مقابل 1,7 في المائة كمعدل عالمي لهذا المؤشر.
وفي مقابل ذلك استحضر أن هذا التراكم النوعي للقطاع الفلاحي، لا يمكنه أن يخلو من بعض الفترات الاستثنائية والعابرة التي تعرفها بلادنا، والتي أثرت بشكل مباشر على إنتاجية المحاصيل الزراعية، وبالتالي على منظومة أسعار المنتجات الفلاحية، والتي حصرها في انعاكاسات الأزمة الصحية، التي أثرت بشكل مباشر على التوازن في القطاع الحيواني، مما انعكس سلبا على سلسلة اللحوم الحمراء والحليب، إضافة للجفاف والتقلبات المناخية .
الفلاحة وأزمة الجفاف
وفي ما يتعلق بالجفاف أشار أخنوش إلى أن جفاف سنة 2022 يعد الأقوى من نوعه منذ 4 عقود، وأعاد إلى الأذهان سنتي 1995 و1981، والتي بسببهما خضع المغرب لبرنامج التقويم الهيكلي، وما أسماه جلالة الملك آنذاك بالسكتة القلبية، موضحا أنه “هناك فعلا تضخم مستورد لكن ليست هناك سكتة قلبية” على حد قوله، رادا على منتقدي مخطط المغرب الأخضر ممن يقولون بأن المغرب يصدر ثروته المائية إلى الخارج من خلال تصدير المنتجات الفلاحية التي تستهلك المياه، مؤكدا أن “عملية التصدير هاته يجب أن تكون، لأن انعدامها يعني أن الفلاحين لن يفلحوا الأرض، ولن تكون هناك منتجات مثل الطماطم”.
واستحضر في معرض كلمته أن البنك الدولي، قال في لقاء خلال الملتقى الدولي للفلاحة بمكناس الأسبوع الماضي، إن المغرب يصدر في منتجاته مليارا و800 مليون متر مكعب من الماء، بينما المنتجات التي يستوردها مثل السكر والزيت والقمح، تمثل 20 مليار متر مكعب من الماء، مبرزا أن أرقام خبراء البنك الدولي، تظهر أن المنتجات والمواد المصدرة من بلادنا نحو الخارج لديها نسبة تثمين 10 مرات أكثر من نظيرتها التي نستوردها.
خطابات سياسوية وسطحية
وانتقد رئيس الحكومة، ما وصفه بـ” الخطابات السياسوية والسطحية”، تتغافل عن كون التحولات التي يعرفها المنتظم الدولي تؤشر على مزيد من التحديات يصعب التنبؤ بمستوياتها ويتعذر التحكم في حركيتها، مشيرا إلى تسابق مختلف دول العالم، بعد الأزمة الصحية، للحصول على الموارد لتحصين سيادتها الوطنية، وقال إن الوعي بهذه الإشكالات الصعبة في سياقنا الوطني، يمثل بالنسبة للحكومة فرصة مواتية لتعبئة المؤهلات الوطنية، وحسن استثمارها لمواجهة الظرفية، وتحسين قدرة الاقتصاد الوطني على الصمود أمام الصدمات الخارجية.
وأشار المتحدث، إلى الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح السنة التشريعية 2021- 2022، أكد بأنه “قد أبانت الأزمة الوبائية عن عودة قضايا السيادة للواجهة، والتسابق من أجل تحصينها، في مختلف أبعادها، الصحية والطاقية، والصناعية والغذائية، وغيرها”، وقال إنها “رؤية ملكية سديدة ستمكن بلا شك من حماية اقتصاد المملكة والتقليل من تبعيته للخارج، وتحصينه من المخاطر المتعلقة بالاضطرابات المحتملة لسلاسل التموين في الأسواق العالمية، وتأمين سيادتنا الوطنية الغذائية”.
وتطرق في هذا السياق، إلى ما خلفته حدة التوترات الجيو-استراتيجية والصراعات الإقليمية، فضلا عن تداعيات الجائحة، من انهيار واسع للأنشطة الاقتصادية واختلال في سلاسل القيمة العالمية، وأدى ذلك حسب رئيس الحكومة، إلى اتساع رقعة التضخم الغذائي بسبب التقييد المفرط لمجموعة من الدول على الصادرات من الزيوت والقمح والسكر، معتبرا أن هذا يزداد تفاقما بفعل المكانة، التي يحتلها طرفا الصراع الروسي – الأوكراني في سوق الحبوب العالمي، حيث تبلغ مساهمتهما حوالي 50 في المائة من برنامج الغذاء العالمي المتعلق بالحبوب، ليخلص إلى أن المملكة ليست بمعزل عن مختلف هذه الإشكالات الدولية المعقدة، وبالتالي فإن انعكاساتها وما صاحبها من ضغوطات تضخمية وارتفاع أسعار الطاقة والمواد الأولية والغذائية، وتعطيل سلاسل الإمداد العالمي، ألقت بظلالها على وضعية الاقتصاد الوطني، الأمر الذي ترتبت عنه تكاليف إضافية بالنسبة لميزانية الدولة.
+ أخنوش لأوزين: انتقلت من الشعر إلى التهييج
ولم تخلو جلسة المساءلة الشهرية لأخنوش من بعض الرسائل القوية لخصومه، خاصة محمد أوزين الذي وجه له رئيس الحكومة نقدا لاذعا، وخاطبه بالقول: “الملاحظ أن السيد الأمين العام والبرلماني انتقل من نظم الشعر إلى التهييج، هل تعلم أنك خلفت العنصر على رأس حزب كبير، يتطلب مسؤولية كبيرة”، وأضاف رئيس الحكومة في تعقيبه أن “القيام بإطلاق كلام يتضمن تهييجا للمواطنين هو أمر مثير للاستغراب، حيث قال “غنقوليك باز”، معتبرا أن حكومته “واجهت بكثير من الحزم التمييع والنقاش المبتذل والشعبوية وممارسة المعارضة بأسلوب يسيء لمكتسبات بلادنا”. واستدرك رئيس الحكومة قائلا إن هذا الكلام غير موجه للمعارضة برمتها، على اعتبار أن بعض مكوناتها تمارس عملها الدستوري بكل مسؤولية.
فيما قطع أخنوش الشك باليقين مؤكدا المغاربة إحياء شعيرة الأضحى، مطمئنا إياهم بعمل الحكومة على ضبط الأسعار لتبقى في متناول المواطنين، رغم الظرفية الفلاحية الصعبة التي تجتازها بلادنا، وقال إن الحكومة تعمل على بقاء أسعار الأضاحي في الفترة المقبلة مستقرا، مذكرا بالعقود البرامج التي أشرف على توقيعها الأسبوع المنصرم، في الملتقى الدولي للفلاحة بمكناس، بين الحكومة و19 فدرالية بيمهنية، وقال إن هذه الاتفاقيات تغطي ضمن مخطط “الجيل الأخضر”، الفترة ما بين 2023 إلى 2030 من حيث الاستثمارات والإنتاج، وذلك باستثمار 110 مليارات درهم، ضمنها أزيد 42 في المائة دعم من الدولة، والتي تشمل جميع القطاعات للحفاظ على الأثمنة.