شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرثقافة وفن

أحمد اليبوري.. الأديب الملهم والناقد المتجدد

في الحاجة الدائمة إلى أحمد اليبوري

 

 

محمود عبد الغني

 

نخصص هذا الملف من الملحق الثقافي لشخصية أدبية ونقدية فذة: الأستاذ أحمد اليبوري. هو من مواليد مدينة سلا سنة 1935. بدأ اليبوري دراسته الأولى بثانوية النهضة ثم بمدارس محمد الخامس وبثانوية مولاي يوسف وكورو بالرباط، والتحق بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالمدينة نفسها. حصل على الإجازة في الأدب العربي سنة 1959، وعلى شهادة في الفلسفة العامة والمنطق سنة 1962، وحصل أيضًا على دبلوم الدراسات العليا في الأدب العربي سنة 1967.

في سنة 1976 انتخب اليبوري عضوا في المكتب المركزي لاتحاد كتاب المغرب في المؤتمر الخامس، ثم رئيسًا للمنظمة نفسها في المؤتمرين الثامن (1983) والتاسع (1986). بدأ بكتابة الشعر والقصة، ثم تفرغ للكتابة النقدية، ونشر أعماله بمجموعة من المنابر الأدبية والثقافية، منها: التحرير، العلم، المحرر، الاتحاد الاشتراكي، آفاق، المناهل، الوحدة.

يعتبر أحمد اليبوري من أهم الأصوات النقدية في المغرب والعالم العربي، منذ أن تكرس اسمه، في ستينيات القرن الماضي، أستاذا متميزاً وناقدا وباحثاً أكاديمياً رصيناً. من مؤلفاته التي طبعت الدرس الجامعي والنقدي بالمغرب: تطورات القصة في المغرب.. مرحلة التأسيس؛ دينامية النص الروائي؛ في الرواية العربية.. التكون والاشتغال؛ أسئلة المنهج.. حول رسائل وأطروحات جامعية؛ الكتابة الروائية في المغرب.. البنية والدلالة؛ وفي شعرية شاعر الحمراء.

اعتبر النقاد والباحثون والأدباء الأعمال النقدية سالفة الذكر، أثناء صدورها في طبعاتها الأولى، مرجعا مهما في مقاربة المتن الروائي والقصصي بتنوع أشكاله وخطاباته بمناهج. ويعود ذلك إلى توظيف اليبوري لمناهج نقدية جديدة، غايتها الكشف عن بنياتها الدلالية والجمالية ضمن شروطها السوسيوثقافية وبيان إيقاعاتها السردية وتنويعاتها الأسلوبية.

وطوال هذا المسار ربى اليبوري أجيالا عديدة، وأنتج كتابات نقدية مميزة، وأسس لمواقف مضيئة في النقد والحياة يشهد بها زملاؤه وطلبته ورفاقه في الكتابة والجامعة والعمل الثقافي، إلى أن أحيل على التقاعد ليستمر مرجعا نقديا وازناً.

نحن أمام تجربة أستاذ وناقد اهتم بالرواية خلال ما يزيد عن أربعة عقود. فهو لم يترك نصًا روائياً مغربياً إلا وكتب عنه: التهامي الوزاني، عبد الكريم غلاب، محمد برادة، عبد الله العروي، محمد زفزاف، محمد عز الدين التازي، أحمد التوفيق، محمد الهرادي، الأمين الخمليشي… وانشغل أيضاً بالنص الروائي العربي في أهم نماذجه، من «زينب» لحسين هيكل إلى نصوص صنع الله إبراهيم وحليم بركات، وحنا مينة، وجبرا إبراهيم جبرا، والطيب صالح، ومحمد المويلحي… واستطاع بالفعل أن يتوقف عندها بالدراسة والتحليل، واستنباط بنيتها وقوانينها الداخلية، وتحولاتها النصية في علاقتها بالتحولات الاجتماعية والثقافية للمجتمع العربي منذ تكوينها إلى نهاية القرن.

في السنوات الأخيرة خاض أحمد اليبوري تجربة مغايرة تجسدت في دراسته عن شاعر الحمراء حمل عنوان «في شعرية شاعر الحمراء». صدر الكتاب عن دار الثقافة بالدار البيضاء. وحدّدت المقدمة توجه الكتاب في مقاربة تعتمد على «تحليل قصائد ومقطعات الديوان، مع تطبيق طرائق تحليل النصوص والقواعد العامة للبلاغة العربية».

أمّا المدخل العام «محمد بن إبراهيم.. عصر وسيرة»، فقد توقف فيه الناقد عند «موقع الشاعر في خريطة التغيرات التاريخية، على المستويات الاجتماعية والثقافية والشعرية المعاصرة له والمؤطرة لإنتاجه»، في حين بحث الباب الأول في موقع «روض الزيتون» في مرآة النقد، ذلك أن «ابن إبراهيم شغل الناس بحياته وبشعره في الثلاثينيات والأربعينيات، بل وحتى بعد موته، ولا يمكن تصنيف شعره في خانة واحدة».

أما الباب الرابع فتمحور حول الذات بين الوعي والإرادة، وتوقف عند المعاناة بوصفها حالة نفسية تتوزع فيها الذات بين الوعي بالمأزق وعدم القدرة على تجاوزه، لينتقل أحمد اليبوري بعد ذلك، في الباب الخامس، إلى «البحث في قصائد ذات طابع إصلاحي ووطني»، ويخلص إلى أن «بعض معانيها وصورها وتلويناتها الدلالية الصادقة، عمَّقَ حُبّ الوطن في محمد بن إبراهيم، مما يؤهل هذا الجزء من شعره ليكون القلب النابض، والصوت الصادق، والضمير اليقظ، في ديوان (روض الزيتون)».

إننا، بهذا الحيز الذي نخصصه لأحمد اليبوري، نكون قد التفتنا إلى تجربة نقدية وعلمية مرجعية.

 

درسُ الأدب الأكاديمي والكتابة النقدية..

أية علاقة؟

عبد المجيد النوسي

 

يشغل أحمد اليبوري مكانة رئيسة في النقد المغربي والعربي الحديث، يعود ذلك إلى إسهامه في إغناء هذا الحقل على مستوى التراكُم وعلى المستوى النوعي أيضا، ويغفل المهتمون بهذا المسار العلمي خاصية أساسية جسدتها تجربة أحمد اليبوري، هي العلاقة الوطيدة بين درس الأدب والبحث العلمي والكتابة النقدية، إن ما كتبه يُعد خلاصة لمسار أكاديمي وعلمي طويل حافل بالمحاضرات والمساهمات في الندوات والإشراف ومناقشة الأطاريح. هذا العمل المتشعِّب هو الذي قدَّم رؤية علمية رصينة لموضوع كرس له اجتهاداته هو «مؤسسة الرواية» في العالم العربي، وانعكست طبيعة هذا الجهد على طرائق التناول والتحليل، لذلك حين نقرأ الدراسات، نلاحظ أنها في الحقيقة لا تدخل في مجال النقد بالمفهوم العام الذي يُرتب ويصنفُ الأعمال، وإنما تقترن بالتحليل النَّصي الذي يقف عند مكونات النص من لغة وأمشاج نصية وصور واستعارات تميز طبيعة الكتابة ووظائفها الدلالية والجمالية. ورغم أن الإنتاج الذي قدمه أحمد اليبوري كميا لا يتناسب وقوة التأملات والأفكار والاستنتاجات والأسئلة أيضا التي أثار إليها انتباه الباحثين، فإن الطبيعة النوعية لهذه الأعمال طبعت حقل الدراسات السردية في المغرب والعالم العربي.

هناك مفاهيم رئيسة تنتظم الكتابات التي قدمها وهي النص والدينامية والتكون، لكن ترتبط بها في الوقت ذاته مفاهيم فرعية متعددة مثل الانشطار والتوليد والمسارات، وهي تنصب على التحليل الشذري والميكرو-نصي. اشتغل في «دينامية النص 1993» بمفهوم النص بصفته مقولة رئيسة، ولإيمانه بأن الممارسة التحليلية تفترض معرفة علمية وابستمولوجية، يُذكرُ الباحث بكيفية تجلي المفهوم في الخطاب الميتا-لغوي والأساسيات التي تجذر في سياقها منذ الدراسات الشعرية والسيميائيات السردية وبعض مفاهيم السيميائيات الروسية عند يوري لوتمان. غير أن المفهوم يكتسي إجرائيته على مستوى التحليل النصي، حيث يصبحُ فضاء لعلامات لغوية يعيد المتلفظُ توزيعها على مستوى النص الروائي بصفته إنتاجية، تجلى ذلك في تحليل مسألة التكوُّن أو اختيارات البناء «المعلم علي» أو التحديث في المعمار «عين الفرس» أو صياغة التعدد والأصوات «لعبة النسيان». أولى التحليل النَّصي أهمية لتلاقُح العناصر البنائية في النص الروائي المغربي الذي يحاور السير-ذاتي والتاريخي ومستويات اللغة التي تتراوح بين الفصيح والعامي والأسطوري ومتن الثقافة الشعبية، وهذه المنهجية في التحليل تبرز خاصية كان أ.ج. كريماس يصطلح عليها بـ«تقدير النص» أو تبجيله، أي بالتركيز على تحليل النص دون الإسهاب في التحديدات النظرية والانبهار بسحرها.

من المفاهيم التي اشتغل بها، مفهوم الدينامية الذي يجد أصلا مرجعيته في البيولوجيا والفيزياء، واستثمرته السيميائيات نظريا، وهو من المفاهيم التي اشتغل بها لوصف مسألة شكل التكَون، وتجلى تحليليا من خلال توظيف مفاهيم «التكون النصي» على مستوى المتن الروائي المغربي أو العربي، ليبرز تلاقح النصوص داخل النص الواحد؛ ويمكن أن نقدمَ مثالا على ذلك تحليله لرواية «لعبة النسيان»، حيث يسعف تفكيك النص إلى تحليل اشتغال المستويات مثل السير-ذاتي وتعدُّد اللغات وتكثيف الشعري والنص التراثي والخطاب الرسمي.

إضافة إلى التلاقح، سيفيد المفهوم في تحليل خاصية التحَوُّل في الرواية على مستوى الشخصيات «أحلام بقرة» أو على مستوى تفاعُل اللغات ومكونات النصوص.

كما أن أعمال أحمد اليبوري تكشف عن خاصِّية أساسية في استِثمار المعرفة النظرية، فهو يوظف عددا مهما من الأدوات المضمرة؛ لا يقدمُها نظريا، ولكن تحضر تحليليا مثل مفاهيم النووية والمقومات بالمفهوم السيميائي والمسارات السردية وغيرها، لذلك فإن هذه الأعمال تكرسُ القدرة التحليلية والتأويلية لإبراز خصائص النصوص والانفتاح أيضا على المرجعيات الثقافية والتحليل النفسي (تحليل الحلم في بدر زمانه) أو (الغربة) لعبد الله العروي.

يمثل مفهوم «التكوّن» أحد مفاهيم النظرية التحليلية عند أحمد اليبوري، إنه يقترن بنظرية التجنيس والشروط الجمالية التي لها دور في تشكيل الأسنن الرئيسة المكونة للنص الروائي، يصبح المفهوم إجرائيا بصرف النظر عن خلفياته المعرفية في تشخيص خصائص السياق الثقافي المغربي (الكتابة الروائية في المغرب.. البنية والدلالة، 2006) التي تتميز بتبلور نمطين من الوعي: وعي لغوي ينهض على التعَددية، ووعي الجِنس الذي يقوم على الحكائية. في ضوء المفهوم، سيبرز، استنادا إلى تحليل النص، أن مجموعة عناصر داخلية تفسِّر سيرورة التكَون، ومنها الأنوية السردية المتمثلة في أساليب الحكي والوصف والسرد التي ميزت بعض الأشكال السردية مثل الرحلة، وكذلك المثاقفة في جانبها المشرقي والغربي، وكُل هذه العناصر جعلت الانفتاح على الأشكال الفنية الجديدة يسهم في تبلور جنس الرواية.

لقد أسهم المفهوم أيضا في بناء نمذجة الرواية العربية (في الرواية العربية.. التكوّن والاشتغال، 2000)، «لقد كانت مسألة التكون والاشتغال هاجسا فكريا لازمني طيلة عقود، وكان يُطرح بأشكال مختلفة في حلقات التدريس التي كنت أشرف عليها في كلية آداب الرباط منذ السبعينات»، ص،9. سيُترجم هذا الانشغال من خلال الرؤية التي وجَّهت الكتاب، مستندة إلى مفاهيم، مثل «مؤسسة الرواية» التي تعتَبر وسيطا بين القيم الاجتماعية والثقافية والجمالية من جهة والرواية بصفتها جنسا أدبيا، ومفهوم الانشِطار الذي قَدم فيه تجديدا على مستوى التنظير، ليبرز إسهامه في هندسة الرواية بخلق الانسجام بين المسارات السردية المتعَددة، وكذلك مفهوم الأطروحة الذي كان له دور في تشكيل الشخصيات والفضاءات وتحديد اللغة ومستوياتها.

قدم أحمد اليبوري بفضل كتاباته ومحاضراته للقارئ العربي جنس الرواية في أبعاده الفنية والجمالية وفي قدرته على صياغة الشروط الموضوعية صياغة فنية تختزل الواقع العربي المركب إلى علامات وصور ولغات. لقد ناقش أهم القضايا التي طرحتها الكتابة الروائية وفي مقدمتها مسألة تكون النص الروائي واشتغاله فنيا وارتباطه بسياق ثقافي عام ضمن إشكاليات الهوية والتاريخ والأيديولوجيا.

 

ديوان «رؤيا إبداعية» وسارق النار

عبد الجليل ناظم

  • – الشعر معرفة

يتضمن الديوان سبعة عشر نصا شعريا مع مقدمة كتبها الشاعر. يخبرنا في هذه المقدمة بثلاثة أشياء نعتبرها مدخلا للتحليل. الأولى متعلقة بتاريخ كتابة القصائد، بين الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، أغلبها لم ينشر. الثانية، متعلقة بإعدادها للنشر، فقد نشرها بعد «حذف وغربلة وتنقيح». الثالثة، وقوفه في جهة التلقي، لقد وجد فيها متعة وجدانية يمتزج فيها الحلم والخيال باللغة.

أول ما يثير الانتباه هو عنوان الديوان. أهمية العنوان مفتاح القراءة، له وظيفة توجيهية ودلالية، تحتل كلمتا إبداع ورؤيا مكان الصدارة، كلمة «إبداع» تتكرر في أول مقطوعة، عنوانها «الإنسان مبدعا»، إنها بمثابة تعريف بدئي لطبيعة الإنسان من حيث هو إنسان، البداية بهذا النص، مقصودة، لأنها تؤطر القراءة الشاملة لكل الديوان. بعلاقة التقابل فإنها تنفي نعت «التقليد» الذي قد يكون ملازما لكوائن أخرى غير الإنسان، الشاعر هنا مبدع وله رؤيا، كلمة «الرؤيا» لها هنا طابع استراتيجي، لأنها تنفلت من نظرية الانعكاس التي سادت لفترة من الزمن. في مقال كتبه الأستاذ اليبوري عن الشاعر المجاطي (أحمد المجاطي، شاعر المغرب، منشورات رابطة أدباء المغرب 2004)، عنون مقاله كالتالي، «الرؤيا في شعر المجاطي»، الحقل الدلالي للرؤيا واسع، تجتمع فيه الحمولة العقلانية بما فيها الوعي الفلسفي والمجتمعي بالحمولة التخييلية مع غلبة هذه الأخيرة، ولها إضافة لذلك قوة استشراف المستقبل استنادا إلى الأبعاد الفكرية والأسطورية والرمزية، الشعراء على مدى التاريخ وصفوا بالقدرة على النبوءة حتى لقب أحدهم بالمتنبي. مقال اليبوري عن المجاطي ينطبق على ديوانه.

هناك بعد آخر لمصطلح الإبداع، يرتبط بتاريخ القصيدة. الإبداع تمرد ارتبط في أول الأمر بالمدرسة الرومنسية التي هي نقيض للتقليدية أو الكلاسية الجديدة في عهد النهضة. كان هم شعراء التقليد احتذاء مثال وبعث مقوماته الخطابية مع العناية بالمخاطب الجمعي، ثورة الرومنسية كانت جذرية لأنها انطلقت من تقديس الفرد في حريته وفي اتجاهه إلى المستقبل. بالتالي كانت لها رؤية نقدية لا للاتباعية في الشعر فقط، بل للنظام الاجتماعي المبني على كبت حرية الفرد وطمس قدراته باسم قيم الجماعة. الحرية برزت شعريا في التخلي عن نظام القصيدة التقليدي خاصة نظام الأغراض والارتباط بالمناسبة الخارجية.

إن حصيلة المسألة المعرفية مزدوجة، من جهة رفض المنظور الخارجي القائم على الصنعة والذاكرة، ومن جهة ثانية تبني رؤية معرفية للشعر، معرفة تشمل مقومات القصيدة جميعها وتوجه دلالتها الكلية.

 

  • – الشكل تجربة

 

التنظيم الشكلي لقصائد الديوان يعطينا صورة دالة على ما قدمناه، هناك معنى لشكل القصيدة يرتبط برؤيا، لقد سبق لهوجو أن قال، في كتابه «أناشيد ونزهات» ما يستوجب التأكيد عليه هو أن النظام يتوافق بشكل عجيب مع الحرية في الأدب كما في السياسة، بل إنه نتيجة لها»، هذه المفارقة «العجيبة» تنبه للفروق الدقيقة، ذلك أن المنطق الثنائي خادع، إذ الحرية لا تقابل الفوضى المعاكسة لأي نظام، بل تؤدي إلى وضع «القواعد» القبلية موضع النقد والتساؤل، هكذا، فإن اختلاف أشكال القصائد بصريا وانتظام أغلبها بالسطر الشعري أي بنظام التفعيلة، مع تواجد قصيدتين أو ثلاث في القسم الأول من الديوان بنظام الشطرين، لا يعني ازدواجية متنافية إلا في الظاهر ، إن القصيدة الوطنية ذات التوجه الخطابي الجماعي تتساوق مع الشكل التقليدي المتواضع عليه، في حين تأخذ القصائد الأخرى شكلها الحديث والتوجه إلى الذات، ملتبس بالرؤيا التي توجه الشكل بما يتناسب مع الموضوع، أي بدون موقف قبلي مسبق. إذن الازدواجية في الشكل مرتبطة بدلالة القصيدة بدون أن يعني ذلك التخلي عن الرؤيا العامة لموضوع التحديث.

القاسم المشترك في مجموع القصائد هو الانسجام الإيقاعي، فالوزن والقافية تتطابق وقفتها الصوتية مع وقفتها الدلالية، كما يبدو ذلك في مبدأ التوازي بين شطري البيت وأيضا بين المقاطع.

كما أن العلاقة التخييلية تظهر في حضور الطبيعة كمقوم للصورة. الاستعارة المكنية تهيمن من حيث الشكل في أغلب نصوص الديوان، وهي قائمة على الإبدال الذي ينقل المدلول الأول في علاقته الاعتباطية إلى المدلول الثاني في علاقته الرمزية، والتفاعل بينها يؤدي إلى «أنسنة العالم الطبيعي»، فالأزهار تشكو، والنهر ينوح، والرياح تصيح، والليالي باسمات، وحفيف الغصن يزهو… أنسنة الطبيعة بعد رمزي يحقق للذات مبدأ الانسجام والتناغم المفتقد ويوحي في الوقت ذاته بالبعد الدرامي الذي يجسده افتقاد قيم الحرية والعدالة في الواقع المعيش.

 

  • – القصيدة الشاملة.. سارق النار

يقوم الديوان على هيكل قسمت فيه القصائد على أربعة أقسام بعناوين كالتالي: استهلال، صوت الوطن، مباهج الحياة، مسك الختام. كل قسم يحتفظ بقصائد ترتبط بالموضوع الذي يدل عليه العنوان. إن تأمل قسم البداية وقسم النهاية يعطي الانطباع بعلاقة تفاعل بين الأقسام يؤدي فيها كل قسم إلى القسم الذي يليه إلى اعتبار الديوان وحدة كبرى تنسجم مع ما سماه أوكتافيو باث، في كتابه «الشعر ونهاية القرن»، بالقصيدة الشاملة التي تأخذ طابعا ملحميا. يتدرج الصراع في بنية القصيدة من صراع النشأة، صراع الاستعمار، الشهداء، عشق الحياة، نهاية الأوهام.

بناء على هذه القراءة تخترق أسطورة البطل برومثيوس حركية الديوان، بالمباشر وبالتلميح، عبر محطات تدل كل واحدة منها على فصل من الحكاية الأسطورة، إنها تتحدث عن المنشأ والمصير. إن هيمنة ضمير المتكلم في جل المقاطع باستثناء المقطع الأخير الذي عنوانه «مسك الختام»، تجعل سارق النار في الحكاية الأصلية يتقمص الصراع الجماعي من أجل الخلاص، خلاص الإنسان، خلاص الوطن، خلاص الذات، بعدها يفتح قلبه للحياة في انسجامها وتناغمها المبني على الطبيعة والفطرة، لينتهي إلى إعلان التمسك بقيم الحب والوفاء.

لقد ورد في آخر نص في الديوان مقطع في غاية من اليأس جاء فيه: «يا رفاقي نبذر الوهم، ونجني الوهم في باقي الدهور». تحيلنا هذه النهاية إلى مقدمة الديوان التي تعلن أسطورة خلق الكون، فالبطل كان بطلا في غربته وانفلت بشعلته التي انتصرت للإنسان، والشاعر يعيش الغربة نفسها. إن انفراد المقطع بالنداء المباشر للمخاطب (يا رفاقي… آه منكم يا رفاقي… نبذر الوهم… ونجني الوهم… في باقي الدهور)، أعطاه طبيعة استعجالية تبدو في علاقة التناظر بين جزأي الديوان، إذ هناك دوال لها إحالة مرجعية مثل أسماء العلم «عمر، المهدي، الخطابي، علال بن عبد الله»، دوال تعلن بوضوح الانخراط في حركية التاريخ الجماعي والتفاعل معها، هناك أيضا قصيدة تدور حول الشعب. الموقف العام لهذه القصائد ينبني على «التزام» بقضايا الجماعة التي ينتمي إليها الشاعر. القضايا العامة لا تشوش على مبدأ الحرية الفردية والدليل هو التمحور حول ضمير المتكلم، إذ توسع منظورها، أقصد القضايا العامة، إلى السؤال الأصلي حول ما يستطيعه الأدب؟ ما الذي يستطيعه في عالم انهيار الأحلام والقيم؟ يجيب النص الشعري بطريقته، بالنداء الذي يدعو إلى التحرر من الأوهام، هو جواب الشاعر الذي أعطى من وفائه ومن علمه ومن صدقه للأدب وظيفته الخالدة منذ أرسطو وهي «التطهير» الفردي والجماعي، خصوصا في عصر المآزق الكبرى. وأميل إلى القول إن هذا هو السبب الذي دعا الشاعر إلى نشر هذه النصوص التي استجابت لأحداث زمنها وتستجيب لأحداث زمننا.

 

حوار مع الروائي والناقد شعيب حليفي

نحن في حاجة إلى تجربة اليبوري باستمرار واستحضارها في كل أبعادها

 

حاوره: محمود عبد الغني

 

  • أستاذ شعيب حليفي، كروائي وناقد أدبي كيف تنظر إلى نقد الرواية بالمغرب؟

+ لا ينفصل النقد الأدبي، باعتباره فاعلية، عن كل العناصر الأخرى المشكلة للمشهد الثقافي وديناميته، خصوصا حينما يكون النص الإبداعي حاملا لأسئلة فنية جديدة ورؤى متفاعلة تحقق حوارا و«صراعا» بين الأفكار؛ لذلك فإن النقد الأدبي، ومنذ سبعينيات القرن الماضي، يعرف تطورا ارتبط بما عرفه النقد الأوربي، والفرنسي على الخصوص. بالنسبة للنقد الروائي، فبدوره انتعش بشكل مطرد في ظل تطور السرد المغربي، وعرف أشكالا واتجاهات، مع ثلاثة أجيال من النقاد يستكملون التجربة النقدية وعملوا على بنائها إن على مستوى تمثل المناهج والمفاهيم، أو على مستوى ما تقدمه من تحليلات وتأويل.

 

  • هل أرسى النقد الروائي المغربي مدرسة قائمة الذات؟

+ الحديث عن مدرسة أمر معقد وصعب، لأن مفهوم المدرسة بالمعنى العلمي يتطلب مجموعة من الشروط والمواصفات؛ إلا إذا أردنا الحديث عن مشاريع نقدية مغربية فإنها موجودة في المسرح والشعر والقصة والرواية، خصوصا مع نقاد قضوا في مجال الكتابة النقدية فترة طويلة راكموا خلالها عددا من المؤلفات وطوّروا تصورهم انطلاقا من مفاهيم وتحليلات نصية، والأمر يختلف عن الكتابات النقدية التي هي مجرد متابعات أو خواطر لا تنتظم منهجيا ضمن إطار أو سياق.

وأعتقد أن المشاريع النقدية في مجال الرواية تحقق حضورا لافتا مع نقاد مغاربة أنجزوا أعمالا أساسية قدّمت اجتهادات أصبحت اليوم مدار قراءة ومرجعا للدارسين، وهو ما يمكن اعتباره بشكل من الأشكال «مدرسة»، حينما يتعلق الأمر بمجموعة من النقاد يتبنّون هذا المشروع ويعملون في أفقه.

 

  • كيف ساهمت الجامعة المغربية، الصحافة واتحاد كتاب المغرب، في تطوير النقد الروائي المغربي؟

+ ولد النقد الروائي المغربي وترعرع في الجامعة المغربية منذ منتصف ستينيات القرن الماضي بشكل منهجي، حينما شُرع في تدريس الأدب الحديث والترجمة بكلية الآداب الوحيدة بالمغرب آنذاك (فاس ظهر المهراز، ملحقة عن جامعة محمد الخامس بالرباط) باستشراف واقتراح أحمد اليبوري ومحمد برادة وأحمد المجاطي وإبراهيم السولامي وحسن المنيعي… واستكمل هذا المشروع الجريء بتجربة أكثر دقة مع محمد برادة وأحمد اليبوري في سلك الدراسات العليا بالرباط. ومنذ ذلك الحين حتى الآن أصبحت الجامعة المغربية مصدر أهم التأليفات النقدية في الرواية، كما في غيرها، سواء بنشر الأطاريح، من دبلومات الدراسات العليا أو الدكتوراه، أو بنشر كتب نقدية لهؤلاء الباحثين الذين ارتبطوا بالنشر في الصحافة، من جرائد ومجلات، أو المشاركة في الفعل الثقافي من خلال اتحاد كتاب المغرب ودوره الاستراتيجي، ثم تطوّر النشر في مجلات عربية وفي مواقع إلكترونية ثقافية ومتخصصة، كما وُجدت جمعيات ثقافية استطاعت منح الحياة للنقد للروائي في ندوات كبرى أو لقاءات تؤجج السؤال النقدي حول الرواية.

 

  • كيف تقيم تجربة أحمد اليبوري؟

+ بالنسبة لنا، نحن في حاجة إلى تجربة أحمد اليبوري باستمرار، واستحضارها في كل أبعادها وصورها المتفاعلة والمحققة لصورة واحدة في النهاية:

أولا: الأستاذ الذي منح من وقته الشيء الكثير للجامعة المغربية وبناء الدرس النقدي الحديث على أسس ما زالت متماسكة، وبالتالي بناء باحثين ونقاد أسهموا في إغناء الحوار النقدي وتطويره؛

ثانيا: الإنسان، المرتبط بقيم العدل والديمقراطية والدفاع عن الحق، ولعل هذا ما طبع مسار حياته في الجامعة من خلال علاقاته العلمية والإنسانية مع الطلبة، أو وهو رئيس لاتحاد كتاب المغرب وعلاقته بالأدباء..

ثالثا: المثقف والناقد الذي خدم الثقافة المغربية أستاذا باحثا، ومثقفا مسؤولا وناقدا مؤلفا.. خلال أزيد من نصف قرن وما زال بنفس التوهج والعطاء وبرؤية متقدمة، شأن كتابه الأخير حول شاعر الحمراء محمد بن إبراهيم المراكشي.

إن تجربة أحمد اليبوري في الثقافة المغربية لا تختلف عن تجربة الوطنيين الكبار في مجالهم، وخصوصا المهدي بنبركة، الذي كان يكنّ له إعجابا كبيرا، وأستحضر هنا طريفة يرويها أحمد اليبوري وقعت له مع أستاذه المهدي بنبركة:

(طرح علينا أسئلة في مادة الفيزياء التي كان يدرسها، إضافة إلى مادة الرياضيات، ولما اِطلع على أجوبتي قال لي:

النتيجة صحيحة، لكن الطريقة التي أوصلتك إليها خاطئة.

أجبته تلقائيا: الطرق قد تكون كثيرة، لكن العبرة بالنتائج.

رد المهدي: الفكر العلمي لا يهتم فقط بالنتيجة، بل تهمه الطريقة كذلك.

كان هذا أول درس هام أتلقاه من الشهيد.)

ولعلنا حينما نتحدث عن تجربة أحمد اليبوري، فإننا نتحدث عن مرحلة «ثورية» في مجال الأدب والثقافة خاضها بمسؤولية إلى جانب نقاد وأدباء من جيله، كل واحد منهم له بصمته وأثره الفعلي..

 

  • ما خصوصية اليبوري وأهم كتبه في نقد الرواية؟

+ يتضمن المشروع النقدي لدى أحمد اليبوري الكتب التالية:

– دينامية النص الروائي (1992).

– في الرواية العربية التكون والاشتغال (2000).

– تطور القصة في المغرب (2005).

– الكتابة الروائية في المغرب.. البنية والدلالة (2006).

– أسئلة المنهج.. حول رسائل وأطروحات جامعية (2009).

– ذاكرة مستعادة عبر أصوات ومنظورات (2014).

– في شعرية ديوان «روض الزيتون» لشاعر الحمراء (2021).

يمكن، في هذا السياق، الحديث عن ثلاثة مؤلفات في النقد الروائي ومؤلف رائد في النقد القصصي. بالنسبة لخصوصية دراسات اليبوري الروائية التي انصبّت على الرواية المغربية بشكل كبير، وعلى الرواية العربية من خلال أهم علاماتها البارزة والمؤثرة، يمكن القول إنها أسست لنقد جمالي منفتح على المناهج الحديثة من بنيوية وسوسيو نقد وسيميائيات ثقافية وشعرية، النقاد الروس مع باختين وكريزنسكي، وجماليات التلقي انطلاقا من تأطير كل ذلك برؤية نقدية ومفاهيم محددة، والأهم من هذا تقديم تحليلات نصية عميقة وتأويل للشكل والدلالة.

 

  • هل استفاد النقاد الشباب والجدد من تجربة اليبوري؟

+ إن ما يعيشه النقد الأدبي بشكل عام، والنقد الروائي خصوصا، هو نتيجة العمل الكبير الذي أنجزه أحمد اليبوري ومحمد برادة وغيرهما من المؤسسين للدرس النقدي بالمغرب. وأعتبر أن تأثير أحمد اليبوري على جيل النقاد مردّه إلى كون مشروعه انصبّ على الرواية المغربية بشكل كبير وما زال يحافظ على راهنيته على مستوى المنهجية والتحليل والمفاهيم والرؤية، وهذا نتيجة لأن أغلب أساتذة الرواية والمناهج في الجامعة المغربية هم من طلبة الأستاذ اليبوري أو ممن تعلموا على كتبه ومقالاته ومحاضراته، وأن مؤلفاته هي مراجع لا بديل للباحث والناقد عنها؛ ولكن أهم شيء يمكن أن أدلي به في هذا الصدد هو أن مؤلفات أحمد اليبوري حاضرة في الدرس النقدي منذ ثمانينيات القرن الماضي وحتى الآن.

 

عبقرية الكذب

 

«إن روسو الذي ألف بحثا عظيما في التربية قدم نفسه فيه على أنه الأب الحنون، لم يؤلفه على الرغم من تخليه عن أطفاله الخمسة، بل بسبب هذا التخلي»..

«الفيلسوف فوكو في الوقت الذي كان فيه يعلم طلابه الشجاعة في قول الحقيقة، كان يخفي أمر إصابته بمرض السيدا الذي قضي عليه بعد أشهر قليلة من ذلك»..

«في الوقت نفسه الذي كانت فيه بوفوار تكتب الجنس الآخر وتضع أسس الحركة النسوية، كانت تعيش حبا مستعرا مع كاتب أمريكي. فمن جهة كانت تنظر من أجل استقلالية النساء، ومن جهة أخرى كانت تدبج العديد من أوراقها التي تصف تلذذها في الوقوع في حب متيم مذل»..

« .. الفيلسوف التجريبي كيركيجارد الذي استطاع بفضل تأليفه تحت عدة أسماء مستعارة أن يناصر، ويعيش وفق نظريات متناقضة. فبينما يكتب خطابات دينية كان يعيش حياة ماجنة، وإذ يكتب في إحدى الصحف عن زير النساء كان يعيش حياة النسك والمتزهد»..

 

المصدر- عبقرية الكذب- فرانسوا نودلمان- ترجمة إياد عيسى

 

متوجون الشاوي

+++

 

تتويج عبد القادر الشاوي ومعهد ثيربانتيس بجائزة ابن رشد

 

 

توج الكاتب المغربي عبد القادر الشاوي ومعهد ثيربانتيس في المغرب بجائزة ابن رشد للوئام، التي تكافئ المؤسسات أو الأفراد، مغاربة وإسبان، العاملين في مجال تعزيز التعايش والحوار بين الثقافات.

وسلمت الجائزة، التي أطلقتها جمعية الصداقة الأندلسية- المغربية «منتدى ابن رشد»، خلال حفل أقيم بقصر كارلوس الخامس في قصر الحمراء، بمدينة غرناطة (جنوب إسبانيا).

وتسلم الشاوي هذه الجائزة من الكاتب العام للعمل الخارجي بحكومة إقليم الأندلس، إنريكي ميلو روشيه، ونائب مندوب الحكومة المركزية بغرناطة، خوسيه أنطونيو مونتيلا، بحضور ثلة من الشخصيات البارزة في عوالم السياسة والأعمال والثقافة.

وفي كلمة له بالمناسبة، أكد رئيس الجمعية المانحة للجائزة، خوسيه ساريا كويفاس، أن «جائزة ابن رشد للوئام تهدف إلى إبراز وتقدير الجهود المبذولة في مجال التعايش وتعزيز الحوار والدفاع عن قيم الحرية وحقوق الإنسان والسلام والعدالة الاجتماعية وتعزيز مكانة المرأة والاندماج في المجتمع».

واعتبر كويفاس تاريخ العلاقات بين إسبانيا والمغرب «قصة مستقبل مليئة بالأمل، حيث تبرز أهمية الثقافة لرؤية العالم ليس من منظور ضيق ومحدود، بل من خلال عدسة كونية وأخوية».

من جانبه، وجه الأستاذ بجامعة كومبلوتنسي بمدريد ونائب رئيس جمعية الصداقة الأندلسية- المغربية، محمد الظاهري، باسم لجنة التحكيم، تهنئته إلى الكاتب والشاعر والناقد الأدبي المغربي على هذا التتويج، مسجلا أنها مناسبة، كذلك، للإشادة بـ«واحد من أبرز المثقفين في المغرب ذي التعبيرات اللغوية المتنوعة».

وأكد الظاهري أن عبد القادر الشاوي «كاتب كبير ذو صيت عالمي، نشرت إنتاجاته الأدبية في معظم المجلات الأدبية المغربية والعربية، وكذلك في الملاحق الثقافية للصحافة المغربية»، مسجلا أن الشاوي ساهم في النهوض بعدة مبادرات للتقارب والتفاهم بين المغرب وإسبانيا.

وتم خلال هذا الحفل، أيضا، تسليم جائزة ابن رشد للوئام لمدير معهد ثيربانتس، لويس غارسيا مونتيرو، من قبل سفيرة المغرب بإسبانيا، كريمة بنيعيش.

 

رف الكتب

تأملات فلسطينية

 

صدر للباحث سعيد بوخليط كتاب جديد بعنوان: «تأملات فلسطينية»، يتناول فيه عدَّة تفاصيل ترتبط بالقضية الفلسطينية منذ بدايتها إلى غاية ما يحدث في غزة منذ ثامن أكتوبر الماضي.

ويتضمن الكتاب، الصادر عن دار جبرا للنشر والتوزيع الأردنية، في 190 صفحة من القطع الكبير، تأملات مقتضبة للمقاربات والسرديات المتصلة بالقضية، وهي:

*سردية تاريخية، بالحديث عن تاريخ الحركة الصهيونية، أو حركة المقاومة الفلسطينية، وعلاقة إسرائيل مع أمريكا والغرب، وذكر زعماء الدولة العبرية منذ التأسيس وصولا إلى نتنياهو، وكذا ما تبقى من آثار الأنوار الأوروبية بخصوص بلورة قراءات موضوعية لصراع الشرق الأوسط.

*سردية بيوغرافية، من خلال إعادة استحضار سياقات رموز تاريخية ارتبط اسمها بالمسار الفلسطيني، على غرار ياسر عرفات، أينشتاين، تشومسكي، محمود درويش، ريجيس دوبري، مارسيل خليفة، ناجي العلي، مروان البرغوتي، وائل الدحدوح..

* سردية رؤيوية، توخَّت رصد مكامن وممكنات مشاهد الجريمة البشعة الجلية في حق البشرية، عبر هذا الفلسطيني ومعه كل معذَّبي الأرض. وبالتالي، مساءلة منظومة القيم الكونية التي يفترض أنها تحكم مصير الجميع.

يقول سعيد بوخليط: «هذه التأملات محض بوح ذاتي، حوار مع الذات، همسات نفسي، وأنا أتفاعل كِتابيا قدر ما تسعفني ألفة العبارة، حتى لا تكون مضلِّلَة، زائفة، مواربة، فاترة، محنَّطة، حيال ارتدادات جريمة بصيغة الجمع اللامتناهي، المتوالية مشاهدها المدوِّية في حقِّ الفلسطينيين منذ الثامن أكتوبر، أمام أنظار الإنسانية برمَّتها، في حضرة العالم «المتمدِّن» للأسف، احتفالا همجيا بالموت، ونكاية بأسباب الحياة؛ مثلما ينبغي لها أن تكون حياة.

حاولت، قدر ما بلغه تمرين إنسانيتي، حتى لا تغدو واقعتها متحلِّلة ومتعفِّنة، رصد بعض القضايا الموصولة، سواء بأشواط المعركة الدائرة حاليا، المنفتحة حتما على مختلف الاحتمالات، دون خَطِّية التفاؤل أو التشاؤم المترهلة، وكذا ممكنات إشكاليات أخرى طرحتها دائما وستطرحها باستمرار القضية الفلسطينية، مادامت العدالة الأممية مشلولة غاية الآن بخصوص إنصاف الفلسطينيين، وإخراجهم من واقع الحِجْر التسلُّطي الذي يكابدونه منذ نكبة 1948... ببساطة، حاولت الإصغاء إلى ضميري ونداء إنسانيتي، وفق منتهى جدوى وجودي، مادام الحديث عن قضايا من هذا القبيل مثلما الشأن مع القضية الفلسطينية، يعتبر أولا وقبل كل شيء، اختبارا لمعنى أن أكون إنسانا جديرا بهذه الهوية».

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى