شوف تشوف

الرئيسيةثقافة وفنخاص

أبناء وأحفاد المطربين يخلفون آباءهم وأجدادهم في المهرجانات الفنية

سلالة شقارة والسلاوي ورويشة والصنهاجي وميكري وباكو والقصري وباطما تعلن الاستمرار

جلال شقارة..الفتى الذي حافظ على وصية عبد الصادق

ما أن اختفى اسم عبد الصادق شقارة، حتى ظهر ابنه معلنا استمرار “مغربة” فن “الفلامينغو” اللاتيني، في كثير من المهرجانات الفنية الصيفية، يتصدر جلال شقارة، حفيد عبد الصادق شقارة، اللوحات الدعائية، بل إنه تحول إلى عنصر مطلوب من الملحق الثقافي للسفارة الاسبانية بالرباط والوكالة الإسبانية للتعاون الدولي والتنمية، في كل النشطة الرامية إلى صيانة هذا الفن القادم من شبه الجزيرة الإيبيرية.

لم ينتظر جلال فرصة نيل اعتراف أهل الفن بعيدا عن المجاملات، فالفتى حاز في بداية مشواره على الجائزة الوطنية للكمان المغربي، ليتبين للرأي العام أن نجل عازف العود عبد الله شقارة، وحفيد الراحل عبد الصادق شقارة، مؤسس مدرسة “الفلامينغو” المغربي، هو نسخة منقحة من عبد الصادق بل خليفته في المشهد الفني مكملا لأعماله.

حين كشفت منشطة حفلة مهرجان تيميتار عن فقرة غنائية تمزج بين الطرب الاندلسي العريق ورقص “الفلامينغو” الإسباني، ودعت الجمهور السوسي للوقوف لتحية رئيس أوركسترا شقارة، استحضر الحاضرون اسم الفقيد عبد الصادق، بل منهم من اختلطت عليه الأمور سيما من غاب عنه خبر رحيل الرجل إلى دار البقاء، ليتبين أن المعني بالثناء هو ابن اخ الفنان الكبير المرحوم عبد الصادق شقارة.

على امتداد دقائق الحصة المخصصة من طرف منظمي حفل تيميتار لجلال، تجسد التنوع الفني وتأكدت قدرة الفنان على تحقيق ما يعجز عنه السياسي في نسج علاقات شمال جنوب، بل إن الألبوم الغنائي، الذي أصدره منذ سنة 2008، جمع في تركيبته البشرية بين مغاربة الاوركسترا التطوانية وعناصر أخرى تنحدر من عالم الفلامينغو. وحين انتهى جلال ردد الجمهور اسم شقارة ودعى له بالرحمة والمغفرة.

يم يكن جلال دخيلا على الفن، وهو الذي ولد ونشأ في وسط فني، إذ أن عبد الصادق شقارة ولد بمدينة تطوان سنة 1931، في أسرة الفن والمديح والسماع. كان والده  سيدي أحمد شقارة، أستاذا بالمعهد الموسيقي بتطوان، ووالدته من الزاوية الحراقية المعروفة بأمداحها الصوفية.

اشتغل عبد الصادق أستاذا بالمعهد الموسيقي بتطوان منذ سنة 1957، وكان يحرص على جلب أفراد عائلته للمعهد من أجل التزود بالفن، لكن ما يدمي القلب هو بلوغه سم التقاعد وهو مصنف في السلك الثاني من الوظيفة العمومية.

ظل عبد الصادق يوصي شقيقه عبد الله وأبناءه بالاستماع للموسيقى الأندلسية والاستمتاع بالأغاني الكلاسيكية الجزائرية للشيخ العقلة والدحمان. وكانت له خزانة صوتية تشمل جميع أنواع التسجيلات القديمة التي تهمه، مع عشق غريب للكتب التاريخية التي لطالما رافقته في أسفاره، سيما ما يتعلق منها بتاريخ الأندلس أو ببعض رجالات الصوفية، لذا من الطبيعي أن تشكل هذه المكتبة مرجعية لمن ورث عنه هذا الفن وزادا لمن سار على نهجه ونهل من معين إرثه الفني.

خنساء باطما..شربت الطرب من بحر الغيوان

تختلف خنساء باطما عن آل باطما في الأسلوب الفني والتعاطي مع الكلمة، رغم أنها تختزل انتماءها لأسرة عريقة في الفن بالقول “بحر الغيوان ما دخلتو بلعاني”، أي أنها لم تجد نفسها بين أمواج الفن عن طريق الصدفة، بل شربته من ثدي والدين ارتبطا وجدانيا بالطرب والنغمة، فوالدها الراحل محمد باطما ووالدتها سعيدة بيروك سعيدة كانا عضوين أساسيين في مجموعة لمشاهب، إلا أن خنساء انتقلت من وريثة للأغنية الشعبية  إلى ممثلة لأسلوب جديد بتأثيرات أجنبية وشرقية.

رغم أن قريبتها وابنة عمها دنيا باطما قد نالت رصيدا أكبر من الشهرة، إلا أن خنساء أصدرت أولى أعمالها في بداية القرن الحالي، من خلال ألبومها “مليتك مليتك” الذي أُصدر الذي يمزج بين أسلوب الروك والبوب. وحين تأخر نجاح العمل اختارت في ألبومها الثاني التعامل مع موسيقى كناوة وموسيقى الملحون والموسيقى الحسانية معزوفة بآلات أجنبية، لكنها لم تجن النجاح العاجل فانتظرت سنتين أعادت فيها ترتيب الأوراق لتعانق من جديد فن الروك من خلال أغاني أعادتها إلى الواجهة، مستعينة بشقيقها طارق باطما مما أعطى للأسرة امتدادات أخرى.

شاركت خنساء باطما  في مهرجان تيميتار، وقالت في ندوة صحفية  إن الموسيقى “جنية سحرت ليا عقلي”، ليتأكد للحاضرين أن الفتاة مسكونة بالنغم والطرب حد الجنون، مشيرة إلى أن انخراطها في الفن “ابتلاء” من الله، بل إنها وعدت بتقديم أغنية أمازيغية في الأيام المقبلة، معتبرة أنه من الطبيعي أن يفكر أي فنان مغربي بالغناء بالأمازيغية، حتى وإن لم يكن ناطقا بها، مرددة لازمة “كلنا أمازيغ”.

تتجنب سليلة عائلة باطما الحديث عن ابنة عمها دنيا باطما، مشيرة إلى أن دنيا مازالت صغيرة واختارت مسارا مخالفا لمسارها، وتؤكد على التجربة التي راكمتها والتي فاقت 16 سنة، خلافا لقريبتها التي “دخلت بحر الغيوان بلعاني”.

لكن طارق باطما شقيق خنساء لم يتردد في وصف علاقة دنيا مع أسرته بالقطيعة الأسرية، مشيرا إلى أن ابنة عمه بأنها أصبحت تتصرف وكأنها أسطورة من أساطير الفن، أو أنها تملك ثروة مالية ضخمة، داعيا إياها إلى وضع قدميها على الأرض واستحضار دور البسطاء في رفع أسهمها، “إن 90 في المائة من الذين صوتوا عليها هم فقراء، لذلك لا ينبغي أن تدلي بتصريحات مستفزة كلما اقتنت خاتما ثمينا أو قميصا أو حذاء فاخرا، شهرة دنيا باطما جلبت لكل عائلتها المشاكل إذ أصبح كل من يجدني أو يجد فردا من عائلتي يحمل الاسم نفسه لا يتوانى في توجيه عبارات السب والشتم في حقنا”، قبل أن يكشف طارق عن الوجه المظلم للعلاقة العائلية المتوترة.

حاتم السلاوي..فنان في جلباب جده

حين استبد المرض بالفنان الحسين السلاوي وهو في الديار الفرنسية سنة 1951، قرر العودة إلى المغرب بعد أن نصحه الطبيب الخاص الذي كلفه الملك الراحل محمد الخامس بإنقاذ حياة فنان الشعب، بافيمان بالقدر خيره وشره والاستسلام للموت حين أكد في تقرير طبي بأنه لا أمل في شفائه، وأن حالته ميؤوس منها، حينها غادر المصحة وعاد إلى البيت حيث وانتقلت روحه إلى الرفيق الأعلى يوم الاثنين 16 أبريل 1951 بعد معاناة طويلة مع المرض، وتم دفنه في مقبرة سيدي بلعباس بسلا

وخلال أيامه الأخيرة أصر الحسين السلاوي أن يغني وهو على فراش المرض في عزلة تامة، آخر روائعه “يا غريب لك الله”. وهي الأغنية التي جسدت معاناة الفقيد على المستوى النفسي، وهو يعلم أن وفاته الوشيكة ستعرض أفراد أسرته للشتات

ومن المفارقات الغريبة في حياة عائلة السلاوي، أن محمد السلاوي ابن الفقيد ووارث سره الفني، قد توفي في نهاية سنة 2013 بنفس المعاناة مع المرض الخبيث، بعد إصابته بورم في الدماغ ألزمه الفراش في باريس نفس المدينة التي عرفت سعادة وشقاء والده.           لكن غيمة الحزن سرعان ما انجلت بظهور المغني الشاب حاتم السلاوي، وهو من مواليد 1978 بمدينة سلا، يحمل صفة حفيد الفنان الراحل الحسين السلاوي. ترعرع الفتى وسط أسرة فنية، ودرس في المعهد الوطني للموسيقى، قبل أن يصدر أول ألبوماته “يا موجة غني” سنة 2000 المستوحى من أغنية لحسين السلاوي لكن حاتم قدمها بتوزيع جديد، وعلى نفس المنوال سار حاتم حين قدم أغنية جده “الله الله يا الاسمر” بتوليفة جديدة، ليدخل عالم “الكليب” في محاولة للتخلص من إرث جده، دون أن يغفل ما تركه والده محمد السلاوي فينبش في أوراقه ويقدم أغاني أخرى من بينها “سلا لحبيبة، و”الماريكان” رائعة الفقيد الحسين السلاوي لكن توزيعها كان مختلفا عن أصل الرائعة.

يحضر حاتم بين الفينة والأخرى في المهرجانات والحفلات، لكنه يشتكي من إقصائه التلفزيوني، فلا يتردد في الكشف عن هذه الحقيقة ويعتبرها مؤامرة ضد الراحل السلاوي ومحاولة لطمس تاريخ له جذور في تاريخ الفن. والأنكى من ذلك أن منظمي بعض الحفلات “يعطون الحق لبعض المغنيين للتغني بأغاني جدي المرحوم الحسين السلاوي ولا يمنحونني فرصة الغناء له”.

وعلى الرغم من أن أغنية “الميريكان” تعتبر كمن أقدم الأغاني المغربية إذ يرجع تاريخها إلى سنة 1943، إلا أن حاتم السلاوي،حفيد الحسين السلاوي جددها بلون جديد وإيقاعات شبابية، فنالت نصيبا من الشهرة لأنها جمعت كل الأجيال حولها.

حمزة الصنهاجي..تعرف عليه الجمهور في إهداءات الفنانين

رغم أن عددا كبيرا من المطربين يرفضون توريث الغناء لفلذات أكبادهم، ويتفادون اقتحام أبنائهم لوسط يصفونه بأرذل الصفات، إلا أن المطرب الشعبي سعيد الصنهاجي، خرج عن القاعدة حين شجع ابنه حمزة على ركوب صهوة الفن، وساعده على إطلاق أول أغنية له بعنوان “تشاو تشاو”.

ولأن عنوان الأغنية التي استهل بها مساره تعني الوداع، إلا أن المتتبعين للفن الشعبي اعتبروها رسالة لوالده سعيد، وكأن حمزة يقول لجيل عمر طويلا “وداعا سلموا المشعل للشباب”. رغم أن حمزة الصنهاجي ظل يسير على نهج والده المعروف بأدائه المتميز في الأغنية الشعبية، والذي شاركه الغناء في بعض المناسبات.

تختلف بدايات حمزة عن والده، فالفتى ظهر محفوفا بمستشار هو والده وطاقم فني لا يتردد في تسهيل مهمته، وفريق عمل يحفه في حله وترحاله، لذا لم يتوقف عند أغنية “تشاو” بل أصر على تحويلها إلى “كليب” غنائي، بعد أن وجد في والده وأصدقاء والده كل الدعم.

وإذا كان سعيد الصنهاجي قد بدأ مساره مطربا “متطوعا” في الحفلات التي تقام في الأحياء الشعبية، وظل يتعقب كبار المطربين الشعبيين ابتغاء “بركتهم”، فإن نجله حمزة “حرق” المراحل ووجد نفسه تحت الأضواء، بل إن خرجاته الإعلامية فاقت مساره وتجاوزت بداياته في درب الطرب الشعبي.

كثير من متتبعي الفن الشعبي تعرفوا على حمزة حين كان عدد من المطربين يرددون اسمه ويقدمون إهداءاتهم له ولوالده سعيد، على غرار الداودي والداودية والستاتي، فنال شهرة استباقية في زمن “الكاسيت”، إذ كان يذكر بالاسم ويغني له زملاء والده “حمزة يا ولدي”، و”هادي فخاطر سعيد وحمزة العين الزرقة”، باعتباره أكبر أبناء الفنان الصنهاجي الذي يصطلح عليه بـ”سلطان” الطرب الشعبي.

ناصر ميكري..ابن حسن ميكري الذي ولد بالقرب من غيتارة

في طفولته المبكرة استأنس الطفل ناصر ميكري نجل حسن ميكري، الفنان والرئيس المؤسس للمجلس الوطني للموسيقى، بالفضاء الفني الذي وجد نفسه فجأة بين جدرانه، وكأنه ولد في معهد موسيقي.

على غرار والده حسن ميكري الذي نشأ في وسط أسرة وجدية يهتم أفرادها بالفن خاصة الوالدين، مما ساهم في توجيه الأبناء نحو عشق اللحن والكلمة، الفن، استفاق ناصر على إيقاعات موسيقية، لكنه وبتوجيه من أب عارف بقواعد الغناء، دخل مجال الفن الموسيقي بعد أن درسه بالمعهد الوطني للموسيقى لمدة فاقت الست سنوات، حتى تحول إلى خبير في “الصولفيج” وآلة الغيتارة. يرفض ناصر أن يقترن دخوله المجال الفني بتأشيرة من والده حسن أو لمجرد انتسابه لعائلة ميكري، كما يرفض المرور عبر بوابة الوراثة، في إصرار غريب على مبدأ الاستقلال الفني.

يؤكد ناصر على استقلالية قراراته ويصر على أن والده لم يتدخل في اختياراته، “انزويت في خلوة مع نفسي حتى أُحسن اختيار النمط الموسيقي الملائم لي من أجل الظهور به أمام الجمهور. فجاءت مرحلة انتقاء الكلمات والألحان التي تبلورت عنها أغاني خاصة بي وبالتالي قادرة على إيصال ما بداخلي من أفكار ورسائل، بعد أن قضيت سبع سنوات في تعلم الغيتارة وقواعدها العلمية”، ويضيف في إحدى خرجاته الإعلامية القليلة، بأن الانتماء لعائلة ميكري الفنية لا يعني بالضرورة تفريخ فنان، لأن عددا من أفراد العائلة اختاروا مسالك أخرى بعيدا عن الفن، “الكثير من أفراد عائلة ميكري سلكوا مسارات مغايرة وبعيدة كل البعد عن غمار الفن. إذ منهم من توجه للهندسة ومنهم من عرج على الطب والأمثلة كثيرة في الاتجاه. زد على ذلك كوني وكما أسلفت درست الموسيقى بالمعهد الوطني. النمط الفني الذي ذهبت في اتجاهه يختلف عن ذاك الذي اشتهرت به عائلة ميكري الفنية. إذ من المعلوم أن البداية كانت مع حسن ميكري في بداية الستينيات، قبل أن يلتحق به محمود الذي تابع النهج نفسه. في وقت كانت جليلة تؤدي ما ينتجه إخوانها. أما أنا فقد سرت في طريق فني مخالف على جميع المستويات”.

لكن رغم محاولة الفصل بين التوريث والموهبة في مسار ناصر، إلا أن تأثره بالبيئة الفنية التي نشأ فيها لا ينكره إلا جاحد، سيما حين يفتح طفلا عينيه على غيتارة، ويرافق والده وعمه وعمته إلى استوديوهات التسجيل، ويجد من يأخذ بيديه ليشارك في برامج اكتشاف المواهب الشبابية، بل إن والده حسن هو من تولى كتابة كلمات أغنية “باغي نفهم”، التي أداها ناصر.

فن كناوة..الحال والجذبة بالوراثة

في حفل اختتام المهرجان الأخير لفن كناوة، فاجأ “لمعلم” محمود كينيا، الحضور الجماهيري بأدائه لعدد من الأغاني الكناوية، كما شهد حفل الختام ولادة “معلم” جديد هو ابن محمود كينيا، حيث سلمه في ختام فقرته الهجوج الخاصة به، ليعلن رسميا وأمام جمهور الصويرة، عن بداية مشاور ابنه حسام في درب الفن الكناوي الطويل.

سئل كينيا عن سر توريث الهجهوج لابنه فقال للراعي الإعلامي للدورة: “أعطيت الهجهوج لابني لكي يستمر الفن الكناوي مع الطاقات الشابة، وأدعو الشباب الذي لديه موهبة الغناء الكناوي ان يحافظ على هذا التراث المغربي الأفريقي ويحميه من الاندثار”. لكن حسام لم يسقط أسير “التراك” على غرار كثير من الفنانين في أول ظهور لهم على الخشبة، بل قدم عددا من الأغاني التي اشتهر بها والده، من بينها أغنية “بودربالة” و”عائشة”، فتفاعل الجمهور مع “لمعلم” الجديد وردد معه الأغاني في كورال جماعي ساعد الفتى على الاستئناس بجو الحفل، الذي كانت صفوفه الأولى تعج بالرسميين، كأندري أزولاي المستشار الملكي وادريس اليازمي، رئيس المجلس الوطني لحقوق الانسان، والياس العماري، نائب الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، وغيرهم من الشخصيات التي لم تزعزع ثقة حسام.

ما بدايات حسام مع فن “كناوة” وعلاقته بـ”لمعلمين” ترجع لطفولة مبكرة، فقد تمدرس على يد أساتذة هذا الفن قبل أن يلج المدرسة، وفي بينت الأسرة تعرف على أبرز المعلمين كعبد الواحد ستيتو و”لمعلم علوان”، في زمن كانت فيه العائلات ترفض اختلاط أبنائها بهؤلاء الفنانين، “وتصل حالة الرفض في الكثير من الأحيان إلى حد النبذ الاجتماعي الكامل” لأنها تعتقد بأنهم “مسكونين بالجن”.

وإذا كان كينيا قد أقحم ابنه في مشاهد الحال دون تردد، فإن زميله حميد القصري قد عاش هذا “الفيتو” العائلي حين كان صغير السن إذ كان والده يحذره من الاختلاط بالكناويين، “حين علم والدي بعلاقتي مع فرق كناوة وقد كنت يومها في السابعة من عمري، خيرني بين البقاء مع هؤلاء الموسيقيين وبين مغادرة المنزل إضافة لتبرئه مني، وكان شغفي بالموسيقى أكبر من أي شيء آخر، فانخرطت مع فرق كناوة على يد “معلمين” وأساتذة هذا الفن، دون اكتراث لتحذيرات والدي”.

آمن القصري أن الفن لكناوي هو “فن الروح” لا يتحكم فيه العقل، لذا منح لابنه هامشا من الحرية وهو يساعده على الاستئناس بآلات تقربه من فن يتقاطع فيه العزف مع الحال، بل إن حيمد يعتبر هذا الفن “صرخة حرية وغناء المستضعفين والمعذبين في الأرض”.لذا لم يتردد في تقديم ابنه للمشاهد في برنامج حواري “رشيد شو” على القناة الثانية، سيرا على خطى زميله لمعلم كينيا.

ولأن الفن لكناوي مرتبط بأمور روحانية فإن وفاة “لمعلم” عبد الرحمن قيروش، الشهير بلقب “باكو” عضو مجموعة ناس الغيوان، الذي ولد في الصويرة سنة 1948 واستنشق فيها رائحة الفن الكناوي، لم تمر مرور الكرام بل كشفت عن وريث “هجهوجه” وسر فنه الروحاني، الذي أصبح نسخة منقحة لباكو الكناوي البوهيمي الأصغر العاشق للألوان والإيقاعات الإفريقية والموسيقى الصوفية وليالي الجذبة. قبل الوفاة التحق نجل باكو بفرقة والده، ليجد نفسه سابحا في مجرى نهر “كناوة” المسكون بعشق أوتار الهجهوج لما له من تأثير روحاني كبير على النفوس والوجدان.

حمد الله رويشة..وصية الأب حماية الوتر

رغم أن نجل الفنان الأمازيغي محمد رويشة يفضل الانسلاخ عن روح والد وأداء أغنيته “أورا ياو”، إلا أن الجماهير غالبا ما تطوق حمد الله رويشة بملتمس أداء أغنية “ناسي ناس”. ففي مهرجان الوتر بسطات اضطر الابن لتلبية مطلب الحاضرين وانخرط في عزف مجموعة من الأغاني الأمازيغية والعربية الموروثة عن والده، وكأن الجمهور يريد أن يتحول حمد الله إلى نسخة مكررة للراحل رويشة.

قال حمد الله للجمهور تفاعل مع “ريبيرتوار” الأب، أن آخر وصية تلقاها من أبيه محمد رويشة، هي أن يجعل “آلة لوتار أمانة في عنقه”، ومنذ ذلك الحين تحول الوتر من آلة إلى وصية فقيد.

في جميع الملتقيات الفنية التي يشارك فيها حمد الله، يسعى الولد إلى التشبه بأبيه في احتضان “الراغول” وهي تسمية “لوتار” باللغة الأمازيغية، لكنه يعترف بصعوبة تقليد هرم فني كبير “والدي لم يمت لقد خلف رصيدا فنيا وجماهيريا سيجعله دائما حاضرا بيننا عبر الكاسيط والفيديو أو عبر أقراص مدمجة وفي البرامج التلفزية. فمسيرته في الغناء دامت أكثر من 35 سنة في الأغنية الشعبية التراثية سواء بالأمازيغية أو العربية الفصحى. كما حافظ على طابعه الأصيل وتعامله مع الجماهير سواء في الشارع أو في السهرات داخل وخارج الوطن”.

ظهرت موهبة حمد الله رويشة منذ الصغر، وظل يعزف على الوتر كلما اختلى بـ”لوتار”، وحين لمس والده أن الابن يقف في مفترق الطرق بين هواية كرة القدم التي كان يعشقها، وهواية الطرب هي كرة القدم، تدخل لينصح ابنه باتباع حرفة الب، مع توصية بعدم التفريط في الجانب الدراسي.

“لم يدرك بأنه سوف يصبح خير خلف لخير سلف. بعدما كان يسرق الأضواء من أبيه في غيابه، كان يحمل آلة الوثر (الكنبري) و يتمرن عليها حتى أصبح وارثها ووارث كل ما تغنى بها”، كما يقول عمر صديق الوالد.

أولاد البوعزاوي..وراثة جماعية للعيطة

يحكي خالد ولد البوعزاوي، عميد فرقة “أولاد البوعزاوي” لفن العيطة، سر الابتلاء بالسواكن و”لعيوط” على الرغم من جاذبية كرة القدم، “جل أفراد العائلة رياضيين لهم عشق خاص للعبة كرة القدم وعلى سبيل الذكر، فخالي محمد ربيع كان هدافا لفريق نهضة الكارة في حقبة السبعينات والثمانينات وكدا خالي العربي ربيع هو آخر لعب لنفس الفريق وأشرف على تدريبه فيما بعد ورضوان ولد البوعزاوي لعب مع فريق نهضة الڭارة ومع ذلك لا يتخلى عن موعد السهرات المبرمجة مع الإخوة أولاد البوعزاوي، فالكرة هي هوايتنا أما الغناء مع المجموعة فهو إرث لا يمكن أن نفرط فيه”.

تنفس أولاد البوعزاوي وهم : صلاح، رضوان، هشام وخالد هواء الفن في بيتهم بالكارة، بفضل والدهم الذي كان واحدا من الدعامات الفنية لقبيلة لمذاكرة، وحين أعلن اعتزاله الوتر حمل الأبناء مشعل المرساوي، وتجاوزت شهرتهم “بوشرو” على أنحاء العالم.

مارسيل خليفة يرسل ابنه لمهرجانات المغرب

.لا تختلف مسارات عائلة مارسيل خليفة، عن عائلة ميكري المغربية في مشروع “العائلة الفنية”، فقد عثر الفنان اللبناني الملتزم في نجليه رامي وبشار، “شيئا من مارسيل” فانخرط في “مشروع يتجاوز فيه الأب شهرته الكبيرة وعقوده الثلاثة في الإنتاج الموسيقي ورؤيته الخاصة، ليتبع رؤية ولديه بانفتاح”.

بدأت الحكاية حين التأم الشابان رامي وعياش حول والديهما ضمن جولة عالمية حطت في مدن بلجيكية وفرنسية وهولندية، وهي المرة الأولى التي يجتمع الثلاثة في مشروع مشترك بينهم، إذ سبق أن شارك الابنان أحيانا ضمن فرقة والدهما في أداء أعماله وتوزيعاته.

اختار بشار بتوصية من والده العزف على الإيقاع، وقال في أول ظهور له ” أنا ورامي نحس أن مارسيل رغم كل ما مر عليه استطاع الرجوع، وكأنه يمحي كل ما فعله، لقد تفاجأنا، فهو دخل في شيء جديد تماما بكل قوة وحب بدون أن يتأثر بضغط الجمهور”.

ويمثل مشروع “العائلة” نقلة فريدة في تجربة مارسيل، فهو يغادر موقع القيادة بعدما كان محور كل الأعمال التي قدمها ونالت شهرة واسعة خارج لبنان، ابتداء من أغاني فرقة الميادين سنة 1976، مرورا بتجربته في التأليف لآلته العود ولأعماله مع الأوركسترا. أما رامي، عازف البيانو، فيركز على الناحية الشخصية وهو يتحدث عن قبول والده الانخراط في المشروع، “التجربة الجديدة جاءت أكثر بمبادرة منا، لا أعتقد أنه كان سيقبل عمل ذلك مع أشخاص آخرين، لكن نحن أولاده وهناك الكثير من الأخذ والعطاء والاحترام الكبير بيننا”.

وفي العروض الجديدة، يبدو مراسيل واحدا من ثلاثة لا أكثر، وفي مرات عديدة كانت الإضاءة تختفي عنه لتبقى مسلطة على أداء ولديه، خلافا لما تعود عليه المشاهدون مع هذا الموسيقي الستيني النجم في التأليف والعزف والغناء على المسرح، لكن كما يحصل دائما في حفلات مارسيل خليفة فإنه يجد أمامه أجيالا تردد معه أغنياته الشهيرة، لذلك يحتج بعضهم كبارا وصغارا على التعديلات الطارئة على الأغاني القديمة.

وعلى غرار أغلب أبناء المطربين فإن هواية إعادة توزيع الأغاني الخالدة تصبح هواية، لذا لا تردد عائلة مارسيل في عزف مقطوعات جديدة ألفها رامي وبشار، كما قاما بإعادة تشكيل لبعض أغاني والدهما الشهيرة مثل “جواز السفر”، معتبرين أن إعادة خلق تلك الأغاني تجعلها “تراثا مشتركا لنا نحن الثلاثة”، كما يقول رامي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى