شوف تشوف

الرأي

أبغض الحلال

مريم كرودي

تساؤلات عدة تطرح حول الإحصائيات الصادمة التي تسجلها حالات الطلاق بالمغرب سنويا! 100 ألف حالة كل سنة رقم مخيف يضعنا أمام علامة استفهام ضخمة تتخبط تحتها أجوبة مرتبكة تمثل آراء المجتمع..
فبين التراشق بالاتهامات والهروب المتسلل من المسؤولية، يتفق الكل على أن السبب الرئيسي يعود إلى صعوبة الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تختبر صبر الطرفين ومدى قوة تحملهما، الشيء الذي لا يكاد يتحقق فيرتمي الكثير في أحضان المحاكم بحثا عن سبيل لفسخ عقد تفوق حمولته سعة الصدور.
«إن أبغض الحلال عند الله الطلاق». تفسير الحديث يمكن اختزاله في أن الطلاق حلال عند الحاجة إليه ولكنه يظل أبغضه عند الله، والمعنى في هذا يتجسد في الترغيب في عدم الطلاق واجتنابه والحث على استمرار العلاقة الزوجية لمصالح شتى ولما في ذلك من حكم..
إلا أن الأغلب اليوم صار يسلك السبيل الأبغض حلالا عند الله باعتباره أسهل باب يمكن فتحه هروبا من مؤسسة جسيمة المسؤولية وعميقة الأسس، فاللجوء إلى هذا الحل بات بمثابة بطاقة آمنة يتم إشهارها أمام الشريك متى استعصى الاستمرار…
لكن الغريب المثير للتعجب هو أن كل حالات الطلاق أخيرا -ولو أنه من غير الصحي التعميم- لا تشمل إلا حديثي الزواج من الشباب والشابات، فأن تجد زوجا يقف أمام القاضي بعد خوض تجربة زواج فاشلة دامت سنة أو سنتين، أمر عادي!! لكن أن يتكرر هذا يوميا لأقرانهم بالظروف ذاتها (أقصد الزمنية) لشيء خطير، يدفعنا حتما إلى مراجعة حساباتنا..
وأنا أشاهد حالات الطلاق تتناسل أمام عيني لأصدقاء ومعارف وتتردد على مسامعي، خصوصا للجيل الجديد، يتملكني الرعب والفضول على حد سواء، ما الذي تغير بين الأمس واليوم؟ أكاد أجزم أن العلاقات الزوجية القديمة ليست سليمة مائة بالمائة أي لا تسودها السعادة المطلقة.. لكنها لا تزال مستمرة..! الشيء الذي يجعلني أرجع الأمر إلى القيم، صبرا كانت، احتراما، تقديرا أو تسامحا… تلك التي أعلنت انسحابها أمام جيلنا دون تردد!! فحينما يصير الهدف من الزواج ظاهريا لا جوهريا يروم إلى إشباع عيون المجتمع وإغلاق أفواهه ثم تغذية أنانية الأطراف على حساب شركائهم، فالنتيجة ستكون رقما مفزعا في الإحصائيات السنوية..
وحينما نبتعد عن الدين والسنة النبوية حيث المودة والرحمة لا التقاذف بالاتهامات والتحارب، والتسامح والتكامل، لا غيرها من السلوكات التي تسيء إلى المؤسسة الزوجية، فالنتيجة حتما ستعلنها المحاكم في ما بعد…
فسوء الاختيار الذي يساهم فيه المجتمع عواقبه وخيمة لا محالة، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه»، وكأنه حصر الأعمدة التي تؤسس العلاقة في الدين والأخلاق واستبعد ما عداها من الأبعاد السائدة في المجتمع حاليا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى