يقظة مجتمعية
بدأت حدة الصدمة التي صعقت قلوب وعقول المغاربة بسبب الطريقة الداعشية لتنفيذ الجريمة الإرهابية التي ذهبت ضحيتها سائحتان اسكندنافيتان تتراجع بعد اعتقال الأجهزة الأمنية لأفراد الخلية الإرهابية في وقت قياسي نجم عنه خلق حالة من الثقة والاطمئنان. الجميع متأكد أن سلامة التراب الوطني وأمن المواطنين والأجانب مضمون بفضل عمل مؤسساتنا الأمنية بمختلف أصنافها التي أكدت لسنوات احترافيتها وتضحياتها في مواجهة التطرف، لكن صدمة الحادث العرضي وفيديو البيعة لزعيم «داعش» الذي تم نشره على مواقع التواصل الاجتماعي يفرض علينا الكثير من اليقظة والحذر.
لسنا من هواة تضخيم جريمة نجحت المقاربة الأمنية في جعلها حادثا منعزلا، لكن في نفس الوقت لا يمكن أن يحولنا منطق الاطمئنان لضحايا غدر الإرهاب المتسلل عبر الحدود. فالخلايا الإرهابية كخلايا السرطان قادرة على الكمون لفترات طويلة في انتظار الفرصة المواتية للانقضاض على أمن البلد والعبث بالأرواح والممتلكات.
لذلك على الجميع التحلي بمنطق اليقظة المجتمعية التي من شأنها ضمان أمن المواطنين والأجانب والحدود ضد الغدر الإرهابي، فهي ليست فقط يقظة أمنية فحسب، بل ذات أبعاد متعددة تتداخل فيها السياسات العمومية ذات الطابع الاجتماعي ويتداخل فيها ما هو وطني مع ما هو خارجي لحماية الحدود من جنون الإرهاب، خصوصا بعد التحولات الجيوسياسية العالمية والتي دفعت القوى الكبرى إلى مغادرة الدول المصدرة للإرهاب كما وقع في سوريا والعراق والذي سيكون له بدون شك تأثير على الاستقرار والأمن في العديد من الدول.
وتقتضي اليقظة المجتمعية الاقتناع بأن المقاربة الأمنية والقضائية لمواجهة جذور الإرهاب فعالة، لكنها وحدها لا تكفى لمواجهة ميولات التطرف السياسي والديني الذي له أبعاد اقتصادية واجتماعية وثقافية تنتعش في بيئة مواتية لتجنيد الشباب من الأحياء العشوائية ومن الفئات المهمشة، ومن الذين لا يجدون المستوى الاجتماعى اللائق والمسكن الآدمى، ولا يتوفرون على العمل المنتظم ولا الدخل الثابت والغارقين في الأمية والجهل.
وطبعا تتحمل الحكومة والبرلمان والهيئات المنتخبة ترابيا والأحزاب السياسية والنقابات والمؤسسات الدستورية والمواطن في حد ذاته الذي يصوت على الملة الرديئة مسؤولية خلق البيئة التي تغذي الإرهاب. ومما لا شك فيه لو استمرت هاته المؤسسات على نفس النهج الذي يغرقها في تفاصيل بدون جدوى وحروب طواحين، ويبعدها عن قضايا المواطن الحقيقية سيستطيع سيف الأمن قطع رأس الإرهاب، لكن سيكون من الصعب عليه لوحده تجفيف جذوره ومنابعه.
وقبل سنة من اليوم، دعا عبد الحق الخيام، مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية، خلال الندوة التي نظمها مجلس جهة طنجة تطوان الحسيمة بشراكة مع المركز المغربي للديمقراطية والأمن وكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمدينة البوغاز، إلى ضرورة عودة المثقفين والمفكرين المغاربة إلى الانخراط الجاد في الحرب التي تخوضها الدولة لمكافحة المتطرفين والإرهابيين.
وكان لافتا للانتباه استغراب المسؤول الأمني لغياب هذه الفئة المجتمعية المهمة عن المقاربة الأمنية الشاملة التي اتخذها المغرب في محاربة التطرف والإرهاب وإيديولوجيتهما ونجح فيها بل أصبح نموذجا فيها على الصعيد الإقليمي وحتى العالمي.
مكافحة الإرهاب والوقاية منه وتجفيف منابعه مهمة يجب أن ينخرط فيها الجميع كل من موقعه، وإذا كانت الأجهزة الأمنية بقيادة مديرها العام عبد اللطيف الحموشي تقوم بواجبها في حماية أمن الوطن والمواطنين، فإن الأطراف الأخرى تبقى مقصرة في القيام بواجبها الوقائي، وهو ما يمنح الإرهابيين فجوة في جدار المجتمع يتسللون منها بين فينة وأخرى للقيام بجرائم معزولة يائسة كتلك التي حدثت في إمليل بضواحي مراكش.