شوف تشوف

الرأي

يا مسافر لوحدك

حسن البصري

 

بعدما عادت طائرتهم أدراجها بعد ساعتين من التحليق فوق البحر، وكاد بعضهم أن يموت فزعا فيما قرر البعض الآخر الامتناع عن ركوب طائرة أخرى بديلة للطائرة المعطوبة، شارك أخيرا وفد برلماني مغربي في منتدى عالمي للماء في البرازيل، وكان يتكون من الاستقلالي عبد اللطيف أبدوح، رئيس المجموعة البرلمانية للصداقة والتعاون المغربية- البرازيلية، ومحمد عدال البرلماني الدستوري، وأعضاء آخرين قرروا توسيع نشاطهم خارج نطاق معرض الماء، حيث زاروا مقر مجلس الشيوخ البرازيلي، والتقوا المدير العام للاتحاد البرازيلي لكرة القدم وعرضوا عليه دعم ملف ترشيح المغرب لاحتضان مونديال 2026، قبل أن يعودوا إلى رواق المغرب للماء، ويشرعوا في تعداد قدرات المغرب في بطولة الأمن المائي.

الاستقلالي أبدوح لا يربطه بالكرة سوى الخير والإحسان، ولا يرتدي «الشورط» إلا عند الاستحمام، وإلمامه بتفاصيل ملف الترشيح المغربي لا يتجاوز حدود منطق «النية أبلغ من العمل»، أما الدستوري محمد عدال الذي قدم عرضا حول الحكامة، فممنوع بقرار المحكمة من ممارسة مهامه كرئيس لبلدية مريرت بسبب ثقوب في الحكامة وفي تدبير الشأن المحلي. أما أحد أعضاء الوفد البرلماني الذي كان يتحدث عن السياسة المائية فقد كان يعلم علم اليقين أنه يمزح لأن دواوير تابعة لنفوذه السياسي تزحف كل يوم نحو مقر الجماعة بسبب أزمة العطش.

للجنة ترشيح المغرب لاحتضان مونديال 2026 سياستها الترويجية، التي عرضها مولاي حفيظ العلمي في آخر لقاء إعلامي، ولديها خطة عمل قوامها المرافعة القوية، بدل نزوات الترويج التي تسيء للملف. سنكون شاكرين للبرلمانيين إذا التزموا بضوابط «أمر بمهمة»، وألا يتجاوزوا حدود القصد من الزيارة، وأن يعلموا أن «زيارة النبي» ثلاثة أيام وما زاد عنها فهو ترف يؤدى من المال العام.

كثير من السياسيين وجدوا في الكرة فضاء يتسع لشهواتهم الرياضية، فركبوا طائرة المنتخب ونزلوا في الفنادق المخصصة للاعبين، وزينوا صفحاتهم الفايسبوكية بصور حصريا مع «أسود الأطلس» ابتغاء الترويج السياسي، حصل هذا في الكوت ديفوار وفي جنوب إفريقيا والغابون وفي كثير من أسفار الفريق الوطني.

من هذا المنطلق، أصبح مجلس النواب المغربي أكبر وكالة أسفار في المغرب. الأرقام شاهدة على الريادة، رحلات منظمة مع المنتخب وأخرى للديار المقدسة أو البرازيل وروسيا وتركيا وهلم جرا.. تنقسم الرحلات الخارجية للنواب المحترمين إلى قسمين: رحلات ذات معنى وأخرى عبثية، الأولى تهم مصلحة الوطن، والثانية «حجة وزيارة» غالبا ما تأخذ طابع الإجازة مدفوعة الأجر.

حين نقرأ كتاب «مذكرات شاوش في البرلمان» سنقف عند جزء من أسفار البرلمانيين، ورحلاتهم المنظمة، سيما وأن صاحبه عبد الحي بنيس شغل منصب شاوش ملم بتفاصيل المؤسسة الدستورية. يرصد الكتاب العديد من المواقف التي ميزت الحياة البرلمانية، خاصة في كواليسها الصاخبة، وكيف كان ممثلو الأمة يتسابقون للظفر برحلة خارجية ظاهرها تكليف وباطنها سياحة، بل إن الكتاب توقف عند سرقات اقترفها برلمانيون خلال أسفارهم العابرة للقارات، ومنها ما وصلت إلى الإعلام وأصبحت فضيحة قطعت حلم مرتكبها في بلوغ كرسي الاستوزار.

غالبا ما تكون الرحلات الخارجية لممثلي الأمة موضوع اهتمام إعلامي، لكن مع مرور الأيام تبين للصحافيين أن النواب يتفوقون عليهم في معدل الأسفار السنوي، وأن الساعات التي يقضونها جوا في جوف الطائرات أكثر من ساعات حضورهم الجلسات البرلمانية، وأن صورهم خارج المغرب، خاصة أمام مبنى البرلمان الأوربي، أضحت جزءا من ألبوم رصيدهم المهني.

في الرحلات الخارجية لممثلي الأمة منافع شتى، فهي فرصة لتذويب الانتماءات الحزبية والتخلص من الجلد السياسي، وممارسة النميمة في زملائهم وفي رؤسائهم وزوجاتهن وفي الوزراء، مع وعد بعدم إفشاء أسرار الرحلة، على الأقل إلى أن يحين موعد استحقاقات انتخابية سابقة لأوانها.

أحد البرلمانيين قال بعدما امتلأت أوراق جواز سفره بأختام الرحلات، إنه يلجأ للرقية الشرعية ضد خصومه السياسيين، في زمن أصبح الرقاة أكثر عددا من الجن.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى