ويتحدثون عن «قيم»؟
نكتب عن فلسطين.. القضية التي بدأ يلفها غبار النسيان العربي والدولي.. نكتب عن جرائم الحليف الاسرائيلي الجديد للعرب في حق أشقاء لم يعودوا أشقاء.. وأعداء تحولوا إلى أصدقاء، بل حلفاء.
جندي اسرائيلي يطلق الرصاص على رأس شاب فلسطيني جريح، غائب عن الوعي، من جراء إصابته بجروح بعد محاولته طعن اسرائيلي.. ينتفض جسده الطاهر مع كل رصاصة.. يتدفق شلال من الدماء من رأسه.
سيارات الإسعاف المتواجدة في المكان وطواقمها لا تحرك ساكنا، ولا تلتفت إلى المصاب الملقى على الأرض وكأنه ليس بشرا.. ولا تعير أي اهتمام لجرحه الأول النازف.. ولا لجرحه الثاني القاتل.
الكاميرا كانت هناك.. كاميرا متطوع فلسطيني في منظمة «بتسليم» الاسرائيلية التي تدافع عن حقوق الإنسان.. وثقت الجريمة بكل تفاصيلها الوحشية.. ترى كم جريمة مماثلة وقعت ولم تكن هناك كاميرات توثقها؟
نسأل.. لماذا ينفذون أعمال الإعدام بدم بارد وبالرصاص الحي؟ لماذا لا يستخدمون القنابل المسيلة للدموع؟ لماذا لا يستخدمون الرصاص المطاطي أو الصواعق الكهربائية في مواجهة كل فلسطيني يستخدم السكين أو المقصات للتعبير عن رفضه للاحتلال وإذلاله واغتصابه؟
أسئلة منطقية ومشروعة.. ولكنها في مكانها الخطأ.. وتجاه «البشر» الخطأ.. فمن يقدمون على مثل هذه الجرائم لا يمكن أن يكونوا من فصيلة البشر.. ولا يمكن أن يؤمنوا بأي قيم حضارية أو غير حضارية.. بل بقيم وعقلية الوحوش ورجال العصابات والخارجين عن القانون.. والله لا نبالغ إذا قلنا أن هؤلاء أكثر إنسانية وأخلاقا من هذا الجندي الاسرائيلي وأمثاله، ومن يدعمونه، والدولة التي يمثلها.
بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي يقول أن هذه الجريمة تشكل خرقا لـ«قيم» الجيش الاسرائيلي.. أي قيم هذه.. وأي جيش هذا.. وهل إعدام شبان مراهقين ميدانيا دون تردد بحجة حملهم سكاكين، وليس استخدامها، هو من قيم هذا الجيش، أو أي جيش آخر في العالم؟
هذا الجندي المجرم الذي أطلق النار على إنسان جريح ينزف ملقى على الأرض لا حيله له، تحول إلى بطل قومي اسرائيلي، يجد الدعم والمساندة من وزراء ومحامين وأطباء وأناس عاديين، يشنون حملة ضغط على الجيش لعدم محاكمته أو حتى التحقيق معه، أي شعب هذا، وأي إنسانية يتسم بها.
صحيفة «لوس أنجليس تايمز» الأمريكية قالت أن 46 بالمئة من الاسرائيليين أكدوا في استطلاع للرأي أجري على وسائل التواصل الاجتماعي تأييدهم لهذا الجندي المجرم وطالب البعض منهم بمنحه وساما.
الحاخام الأكبر لليهود الشرقيين يتسحق بن يوسف يبارك مثل جرائم الحرب هذه.. وهو الذي أصدر فتوى تبيح للجنود قتل أي «مخرب» فلسطيني يحمل سكينا، وهو الحاخام الذي من المفترض أن يكون من دعاة السلام والتعايش والتسامح.
علينا أن نتصور لو أن فتوى كهذه صدرت عن أحد الشيوخ الرسميين، أو غير الرسميين العرب، أو نشرتها صحيفة، أو بثتها محطة تلفزيونية عربية.. تخيلوا ردود الفعل واتهامات بالتحريض على القتل.. وتبني هذا العالم الغربي وإعلامه المنافق لها.
يتحدثون عن جرائم النازية.. ووحشية إعدامات «الدولة الاسلامية».. فماذا يقولون عن أعمال القتل هذه من قبل جنود يمثلون دولة تدعي أنها دولة قانون، والأكثر حضارية، وديمقراطية، واحتراما لحقوق الانسان، وسط محيط من العرب والمسلمين الهمج والمتخلفين؟
رحم الله الشهيد عبد الفتاح الشريف، ابن الخليل البار، الذي فضح هذه الدولة العنصرية الارهابية بدمائه الطاهرة.. رحم الله كل شهداء فلسطين الذين قدموا أرواحهم ودمائهم انتصارا للحق والعدالة، ودفاعا عن كرامة، أو ما تبقى من كرامة أمة، استمرأت الهوان.