كشف عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، أول أمس الثلاثاء، أن ظاهرة الزواج بالقاصرات تراجعت بشكل كبير خلال فترة الحجر الصحي التي فرضتها جائحة كورونا، ودعا إلى تجريم هذه الظاهرة ومنع الإذن الذي يمنحه القاضي لتزويج الأطفال.
وأوضح وهبي، في رده على سؤال شفوي بمجلس المستشارين، تقدمت به المستشارة البرلمانية، جليلة مرسلي، عن حزب التجمع الوطني للأحرار، أن هذه الظاهرة عادت للارتفاع بعد رفع قيود الحجر الصحي، مشيرا إلى أنه في سنة 2017 تم تزويج 26 ألفا و298 قاصرا، ليتراجع هذا الرقم في سنة 2020 إبان فترة الحجر الصحي وجائحة كوفيد 19، إلى 12 ألف حالة زواج فقط.
وأضاف وهبي أنه، بعد الجائحة التي ساهمت في تقليص الظاهرة، عاد الرقم ليرتفع، حيث شهدت سنة 2021 تزويج 19 ألفا و369 قاصرا، وهو ما يعني، حسب الوزير، أن أكثر من 19 ألف طفلة غادرت مقاعد المدرسة، مع ما يرتبط بذلك من مشاكل اجتماعية.
وأشار الوزير إلى أن تزويج القاصرات يطرح عددا من المشاكل داخل المجتمع، وقال «رجل في عمره 60 أو 70 سنة يتزوج بطفلة قاصر لا يتجاوز عمرها 14 سنة، كتجلس معاه عامين، كايطلقها، كاترجع لدارهم بجوج ولاد».
وشدد وهبي على أن الحل الوحيد لمعالجة إشكالية تزويج القاصرات هو تجريم هذا السلوك، معتبرا أن جميع المقاربات الأخرى كان مصيرها الفشل. وأكد أن الحل الحقيقي لعدد من المشاكل الاجتماعية يتطلب جرأة في التعامل، داعيا إلى إلغاء النص القانوني الذي يتيح للقاضي أن يحكم بمنح الإذن لتزويج القاصرات.
وأكدت البرلمانية جليلة مرسلي أن المكان الحقيقي الذي يجب أن تكون فيه القاصر هو المدرسة، انسجاما مع الاتفاقيات الدولية التي تبذل المملكة المغربية مجهودات جبارة في ملاءمتها مع كافة تشريعاتها، والتي تؤكد على ضرورة حماية الطفولة، مشيرة إلى أن الفصل 19 من مدونة الأسرة ترك بابا للاستثناء لتزويج القاصرين، أصبح مع الأسف قاعدة، كما بينت الدراسات أيضا أن 99 في المائة من هذه الزيجات لا تنجح، حيث تتعرض الطفلات إلى العنف، والمشاكل الأسرية الناتجة عن عدم تحمل المسؤولية.
وأضافت مرسلي أن مدونة الأسرة تجعل تزويج القاصرات استثنائيا بأمر من القاضي، إلا أن الاحصائيات تثبت أن الاستثناء أصبح هو الأصل، وأن أكثر من 80 في المائة إلى 90 في المائة من طلبات الاستثناء تم قبولها من طرف القضاة الذين عرضت عليهم هذه القضايا، وطالبت باسم فريق التجمع الوطني للأحرار بضرورة الإسراع في مراجعة هذه المقتضيات، وبإصلاح جذري وشامل لمدونة الأسرة، لأنه منذ 2004 إلى اليوم حدثت تغييرات كبيرة في بنية المجتمع المغربي، يجب أن تسايرها قوانين جديدة، تقول المستشارة البرلمانية.
ومن جهته، كشف المستشار البرلماني، كريم شهيد، رئيس مجموعة الدستوري الديمقراطي الاجتماعي، أنه بعد مرور 18 سنة من الممارسة وتطبيق هذه المدونة على أرض الواقع، تم الكشف عن مجموعة من الاختلالات التي تشوبها، والتي تستدعي مراجعة لبعض مقتضياتها، حتى تواكب التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي عرفها المجتمع المغربي خلال السنوات الماضية، وأيضا لتلائم المقتضيات الدستورية الجديدة لسنة 2011، والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب في مجالات تكريس المساواة والدفاع عن حقوق النساء.
وأشار شهيد إلى أن الملك محمد السادس تفاعل مع مطالب العديد من الهيئات الحقوقية النسائية، بعدما أكد على تحيين الآليات والتشريعات للنهوض بوضعية المرأة. وطالب شهيد بأن يكون تعديل المدونة وفق مقاربة تشاركية، وانطلاقا من القضايا المطروحة التي دقت لها مجموعة من الجهات ناقوس الخطر، كزواج القاصرات، والولاية على الأبناء، ومساطر النفقة والطلاق، وتقسيم الممتلكات وإثبات النسب.
وتطرق شهيد إلى مجموعة من الإشكالات، من قبيل الولاية القانونية، والتي تم وضعها بيد الزوجين معا، تطرح إشكالا حقيقيا لدى مجموعة من الأمهات عند الطلاق، خاصة عند طلب الحصول على وثائق للأبناء، أو رغبتهن في تنقيلهم للتمدرس أو السفر بهم. ففي كثير من الأحيان يستعمل الطفل وسيلة لتصفية الحسابات بين الأبوين، كما أن زواج الأم الحاضنة يُسقط حضانتها، علما أن الأم لها مكانتها الخاصة وتعتبر حجر الأساس في تربية وتكوين شخصية الطفل دون بلوغ سن الرشد.
بالإضافة إلى ذلك، طالب المستشار البرلماني بالوقوف على مجموعة من المؤشرات والأسباب المؤدية إلى ارتفاع نسبة الطلاق في المغرب، مشيرا إلى أن المحاكم المغربية سجلت 26.914 حالة طلاق بالتزامن مع دخول مدونة الأسرة حيز التطبيق سنة 2004، لينتقل العدد إلى 20.372 حالة سنة 2020، قبل أن يشهد من جديد ارتفاعا قارب 27 ألف حالة سنة 2021، مؤكدا أن هاته الأرقام لا يمكنها إلا أن تؤكد لنا أن الأسرة المغربية أصبحت مهددة بالتفكيك.
محمد اليوبي