وطن في غرفة العناية المركزة
أخاف عليك يا وطني من تسلط أصحاب الكراسي الناعمة!! سيما عندما تحرص قراراتهم الجائرة على إجهاض أحلام شباب كافح طويلا من أجل تحقيقها.. هل تسعفني الروح كي أشيع جثمانك يا مغربي الأقسى؟
أخبروني أني إذا وليت أمري للمتأسلمين قد يرأفوا بي. ظننت ذلك وبعض الظن إثم.. أتعلم يا وطني أن الطبيب الشاب، بعد أن حكم عليه بأن يضحي بعمره ووقته وصحته أثناء وبعد الدراسة، قرر اليوم صاحب كرسي الصحة أن يقيده بالخدمة الإجبارية، أي سيظل طالب علم يغطي حاجياته من جيب والديه لمدة 10 سنوات.. أما عن حكومة «المتأسلمين» فقد أبدعت وزادت الطين بلة عندما تحاول تمرير قانون إلغاء الوظيفة العمومية. هذا القرار الذي لم تفكر فيه أية حكومة من الحكومات التي مرت في تاريخك يا وطني؛ أي أن الطبيب والمعلم والمهندس والموظف في الجماعات المحلية.. سيشتغلون بموجب عقد قابل للتجديد.. أتعرف لماذا يا وطني؟ العمل بالعقدة يعني أن باب استغلال النفوذ، وعودة الزبونية والمحسوبية والفساد، وفتح الغرف الضيقة على التحرش الجنسي وثقافة السيد والعبد التي نبذتها يا وطني.. يعني أن أبناءك البسطاء لن يستطيعوا أن يفتحوا أسرا، ولا أن يحلموا مجددا بظلك.. إنهم يقتلون فينا ذرات الحب التي رضعناها في حليبك الذي يسود يوما بعد يوم بفقاعات إعلامية تقول كل شيء عن محاربة الفساد إلا فسادهم وجبروتهم ضد بسطائك.
أرجو أن تضيف إلى معلوماتك يا وطني أنهم يدسون قنابل بين الطبيب وبين المواطن، بين الأستاذ وتلاميذه، بين وبين لتغطية فشلهم الذريع.. قبل هذا أنشأ صاحب العناية المركزة كليات الطب الخاصة وطبعا لن يلجها إلا علية القوم المعفاة من الخدمة الإجبارية، لأنها لا تستطيع التواصل مع حرارة الجنوب الشرقي وعقاربه، ولا مع تجمد الماء في قرانا بالأطلس الشامخ، حيث توجد أسرة مهترئة من دون أدنى شروط الإنسانية. أي تصبح كليات طب الدولة حصرا على الطبقة الضعيفة والمتوسطة، وبهذا سترضخ لنظام الاستعباد المخطط له مسبقا. الذي يثيرني إلى درجة أنه يخلق ارتجاجا في مخي، هو هذا التقدمي الاشتراكي، كيف تنكر لمبادئ الاشتراكية؟؟ كيف صارت الطبقة الكادحة أولى ضحاياه؟؟ كيف غَيَّرَ جلده إلى الضفة الرابحة؟؟ أخبرهم يا وطني أننا سئمنا التفرقة؛ فبدل أن يسمح للمستثمرين بإنجاز مصحات خاصة وهم ليست لهم أي دراية بميدان الطب، كان من الأجدر أن يشجعهم على التعاقد مع الدولة من أجل توفير مستحضرات طبية للمستشفيات الجامعية والمحلية والمناطق النائية التي تفنن في الحديث عنها.. وإذا ما حدثتك يا وطني عن مرضى «بويا عمر»، فالرأي العام لا يرى إلا قمة جبل الثلج. ما قام به السيد الوزير شكل اكتظاظا خانقا في باقي المستشفيات، التي بدورها لا تسد حاجياتها حتى من الأَسِرَّةِ، فكم من مريض توسد الأرض!! هل يعقل أن نتعامل مع مرضى نفسيين بهذه العبثية؟ كيف توجهون الرأي العام وتغالطونه، بينما ملايين من المغاربة الأسوياء تحولت كلمة مستشفى عمومي في أذهانهم إلى صدمة نفسية دائمة، بل ترتبط بالاكتئاب والانهيارات العصبية. أفق من سباتك يا وطني، طالت الغيبوبة، أهمس في أذن المثقفين والواعين والفلاحين والعمال والدكاترة والأساتذة والطلبة أن كلا منا يحمل كفنه بصمته هذا. ولا تنس يا وطني أن تطلب منهم زيارتك في غرفة العناية المركزة وأخبرهم أننا أبناء الشعب..