وصلنا إلى «تازروت» عاصمة الريسوني ووجدتها مدمرة بقصف طائرات الإسبان
ترجمة حصرية لمذكرات المغامِرة البريطانية روزيتا فوربس (6)
يونس جنوحي
أصبحت المنطقة أكثر توحشا. تتشابك الأودية مع أشجار العلّيق، وتظهر قربها شجيرات لا أعرف لها اسما. في الصحراء العربية كانوا يطلقون عليها «الحطب».
ذهب أولا جنود «الشريف»، كان يلحقهم رجال جبليون بجلابيب بنية اللون ويضعون بنادقهم خلف ظهورهم. ويسير خلفهم أزواج من البغال التي تحمل الأمتعة. ووراءهم يركب خادم للقايد الذي كان متأهبا ورشيقا مثل أرنب. سيده كان يركب بغلا نشيطا يتناسب لونه مع لون عمامته.
وكنت أنا والـ«عْفريتْ» خلفهم نسير في حركة غير مُريحة كانت أقرب إلى الرقص ونتحرك إما جانبيا أو في سلسلة من القفزات.
ثم يأتي الشيخ مولاي الصدّيق بجسده البدين والممتلئ فوق سرج البغل. كانت النظارات التي يضعها تترنح وتقفز فوق أنفه، وكان يحمل مظلة فوق رأسه.
كانت لحية سيدي بدر الدين، المضمخة بالحناء، تلمع تحت أشعة الشمس.
كاد حصانه المسكين يكون غير ظاهر تقريبا بسبب أمتعته الكثيرة، وكان يسير في مؤخرة الموكب رفقة المترجم وبعض الخَدم الذين نزعوا ملابسهم الواحد تلو الآخر ووضعوها فوق رؤوسهم اتقاء لحر الشمس.
قدنا خيولنا لبضع ساعات عبر جبال بني عروس، حيث كنا نمر ببعض القرى المكونة من الأكواخ الطينية التي كانت عبارة عن تجمعات قرب الجرف. كانت أسقفها المصنوعة من القش، مغطاة بأشجار الكرم البرية التي نلمسها برؤوسنا عند العبور، بينما كانت الثعالب تلوذ بالهرب منا لتحتمي بالشجيرات.
بعد كل هذا، كانت هناك طريق لعبور الماعز، على طول الأخدود المؤدي إلى المراعي حيث كان ينتشر الرعاة مسلحين بالقرب من قطعان الخراف.
كانت الشمس تتجه غربا خلفنا، عندما كنا بصدد صعود آخر المرتفعات الصخرية التي كانت تبدو عليها آثار إضرام حديث للنار، في اتجاه قبة سيدي موسى.
هناك، حيث توجد مساحات واسعة من الأشجار، توقفنا للاستراحة.
أدى من معي صلاة ما بعد الظهيرة، حيث كانوا ينحنون إلى أن تلامس جباههم الأرض. لاحظتُ أنهم كانوا يشربون من نفس الكؤوس التي يشرب منها ضيوفهم النصارى دون أن يغسلوها.
لو أن المتعصبين في ليبيا أو في منطقة «عسير» قاموا بمثل هذا الأمر، لاعتبروا أنفسهم مُدنسين.
مع وقت الغروب، اقتربنا من «تازروت».
كانت الأسقف الخضراء والقباب البيضاء للمنازل وصومعة المسجد تلوح لنا من وراء غابة البلوط.
تأمل البلدة وهي تمتد عبر الصخور، يجعلها تبدو ملكا مثاليا لرجل قديس، ومركزا جميلا يمنح الأفضلية لزعيم محارب.
«تازروت» مقر استراتيجي لمناطق نفوذ الريسوني. تمتد في المنتصف بين كل المناطق التابعة له، والتنقل إليها من أغلب المواقع لا يتجاوز يوما واحدا. كما أنها أيضا في قلب الجبال، تتحكم في مجال واسع من مناطق النفوذ الممتد إلى الأمام، حيث تتجمع تلال بني عروس.
وخلفها تقع الحدود، حيث يضع الإسبان مراكز حراسة على قمم الجبال. حيث كانت في السنوات الأخيرة مهجورة تماما لا يسكنها إلا قطعان الخنزير البري والقردة.
اقتدنا خيولنا المتعبة عبر آخر المنعرجات، ووجدنا أنفسنا فجأة بين أطلال وآثار بعض البنايات.
كانت آثار الخراب في كل جانب، بسبب قصف الطيران الإسباني الذي ضرب «تازروت» ليومين في سنة 1922.
كانت قطط الخلاء تتجول بين التجاويف الصخرية التي اتخذها السكان المحليون مأوى من القصف، وكانت تبدو آثار حفر ضخمة خلفتها القنابل.
لم يكن هناك منزل لم يصب بأضرار.
منازل بدون أسقف، وجدران تخترقها الثقوب. بينما عوضت الألواح الحديدية المضروبة أو قطع أخشاب الصناديق، فراغ الأبواب المدمرة.
كانت المنازل صامدة مع نبات الصبار الشوكي والصخور الضخمة.
نظرت مجددا إلى أعلى الصخور، لأنني شعرت بأن هناك أمرا مريبا بشأنها. بعد ذلك رأيت أن هناك رجلا من أصحاب الجلابيب البنية يقف مسمرا بدون حراك فوق كل صخرة حاملا بندقية بين يديه.