وزيرة «جوج فرانك»
«عندما كنتُ صغيرا كنت أظن أن المال أهم ما في الوجود. واليوم بعد أن كبرت اكتشفت أنني كنت على حق»، أوسكار وايلد.
عندما كنت صغيرة لم أكن أظن، بل كنت متأكدة من أن المال أهم ما في الوجود. وبعد أن كبرت، اقتنعت أن الحب والحنان أهم ما في الوجود..
ذات يوم صيفي، وبعد قضاء نهاية الأسبوع في بيت الجدة، وأنا طفلة لم أبلغ بعد عشر سنوات، سألت أمي ونحن في طريقنا لأخذ «الأوطوبيس» للعودة إلى بيتنا، لماذا موسيو جون بيير، الفرنسي الثري جار جدتي، لا يعطينا إحدى سياراته الأربع؟ بما أننا لا نتوفر على سيارة. ولماذا لا يسمح لنا بالسباحة في مسبحه والاستفادة معه قليلا من نعيمه..؟ فاجأها سؤالي وضحكت، قبل أن تجيب بأن ذلك غير ممكن، وغير معقول وليس مقبولا البتة؛ وعندما رأت إلحاحي وتشبثي بفكرتي وبالرغبة المستحيلة، توقفت لحظة عن المسير ونظرت في عيني قائلة بنبرة أكثر جدية هذه المرة، كما لو أنها تصحح لي معلومة خاطئة في غاية الأهمية، بأن لا حق لي في أملاك الغير، وإن كانوا أثرياء. لم أستسغ الجواب، فأجبت في تحدّ طفولي بأني لو كنت أعرف السياقة لما استشرت أحدا.. ولكنت أخذت إحدى السيارات المركونة رغما عن أنف صاحبها، وفي غفلة من حراسه وكلابه. ضحكت والدتي من كلامي، مردفة: وحده اللص من يجرؤ على فعل ذلك. وإن فعلت، سيحبسونك.. رغم أنني كنت دوما أفضل لعب دور الدركي في لعبة الدرك واللصوص، إلا أنني كنت لصة في تفكيري عند الضرورة. بعدما حاولت أمي إقناعي بأن لكل واحد رزقه وأن الله وحده من يفرق الأرزاق، بدأت في الحديث معي عن مكانة وطيبة الرجل الذي رغبت في سرقته، قائلة عنه أشياء جميلة وأشياء أخرى للتحذير، من قبيل أنه جار لطيف يحسن معاملة جيرانه البسطاء، ورغم مركزه ومستواه الراقي يبتسم في وجوههم وهو يلقي التحية، وأحيانا يمازحهم وهو يسأل عن أحوالهم.. ويسمح لهم بقطف برتقاله، ويوفر الماء الضروري لبيت الجدة، ويتكفل بنفقة حج البيت الحرام لعماله المقربين.. «كتبت هذا النص وأنا أستحضر الجدل الذي أثارته الوزيرة التقدمية عندما اعتبرت في حوار تلفزي، أن 8000 درهم «جوج فرانك». مسكينة، وزيرة «عفوية»، لم تفعل سوى الدفاع عن شهواتها الطفولية، ونهمها، وطمعها في الحياة الرغدة ولو على حساب المواطن الطيب البريء. محقة هي؛ فماذا تساوي «جوج فرانك» بالنسبة لمن عرف النعيم من خلال امتيازات الاستوزار والبرلمان، واعتاد على الخدم والسكن في الأحياء الراقية، وعلى ولائم السهرات والمطاعم الفخمة، وعلى حصص التجميل والتدليك.. وأناقة الماركات؟! فالوزيرة «الجميلة» التي اعتذرت عن زلة لسان صادقة، لم تعبر سوى عن جشعها وجشع من تكلمت باسمهم.. فعلا تصريحها مستفز لمن رأى «جوج فرانك» السيدة الوزيرة ثروة شهرية صعبة المنال. أما الذين لا يطلبون غير الصحة والسلامة من أجل العمل لكسب قوتهم اليومي، فلا علم لغالبيتهم بتصريح الوزيرة شرفات، وإن كانوا مثلها، ومثلي أحيانا، يظنون أن لا أهم من المال في الوجود.