شوف تشوف

الرأي

وداعا فرجة «تيك توك»

حسن البصري

أمام تراجع الحالة الوبائية في المغرب، وإعلان الحكومة عن رفع منع التنقل الليلي، والسماح بالتنقل بدون جواز التلقيح، تنتابني حالة فرح عارم وتجتاحني موجة تفاؤل ثالثة فأكاد أجزم بأن المدرجات ستفتح في وجه جمهور الكرة بعد طول إغلاق.

يغمرني التفاؤل وأنا أقرأ في بيانات الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم عبارات «فك الحصار» عن مدرجات هجرتها الجماهير ببلاغ وستعود إليها ببلاغ. اليوم يتم الحديث عن مفاوضات بين أقطاب فصائل المشجعين كي يعود المتفرج إلى الملعب منتصب القامة يمشي وفي كفه تذكرة وجواز صحي.

يفكر القائمون على الكرة في عودة تدريجية للجماهير إلى مدرجات الملاعب، يتطلعون ليوم يلف فيه الدفء «الفيراج» وينتهي حكم «الويكلو» الذي جعل المباريات بلا صوت ولا طعم ولا رائحة.

لا تستعجلوا العودة إلى أماكنكم، لا تصدروا قرارا بإجلاء بدلاء الفريق من مدرجات المنخرطين، إلا إذا غسل الملعب وجهه، وارتدى المشجع ملابس «الشغل» وانخرط الجميع في احتفال تمطر فيه المدرجات حبا لا نارا.

على المشجعين المبشرين بالعودة إلى «الفيراج» قراءة منشورات القيادة العليا للالتراس واستذكار أحكام دستور حركة تمارس الحكم الذاتي في الملاعب.

قبل أن يعود «كابو» المدرجات إلى عمله كقائد أوركسترا عليه الإدلاء بشهادة تطعيم وعريضة استرحام ويلتزم بما جد من أحكام.

سينفض شعراء المدرجات عن أوراقهم غبار العطالة، سيعيدون الحياة للقرطاس والقلم، سيجددون قصائد مهددة بالتقادم، وستنبعث رائحة الجائحة من كلمات زمن الانفراج.

سيستعيد مبدعو «التيفو» حاسة الإبداع، وسترسم أناملهم صور العودة المظفرة للجماهير، سيحضر فيلق من البلاغيين إلى نقطة التجمع ليكتبوا لافتات تحمل رسائل إلى من يهمهم أمر الكرة بكلام مقفى وموزون، تحت عيون المخبرين.

سيجلس كبار المشجعين على طاولة التفاوض مع كبار المنظمين، وفي جدول أعمالهم نقطة فريدة: «تأمين الفرجة» لصغار المتفرجين الذين يحنون أكثر من غيرهم لصخب المدرجات وللعبة التراشق بالموشحات لأنهم مفتونون بالكرة من رؤوسهم إلى أقدامهم.

سيشد بائع «الطون» الرحال صوب الملعب يحمل وجبته الرخيصة المحشوة بـ «الحار»، سيأخذ موقعه في نفس المكان، سيقضي وقتا في معانقة زبائن ما قبل زمن الوباء، قبل أن يشرع في خدمة مشجعين يحنون إلى وجبات جنبات الملاعب.

في فرجة ما بعد الانسحاب التدريجي للوباء، ستنتشر القوات الصحية بزيها الأبيض في المدرجات، سيحيط بالملعب مسعفون في حالة تأهب قصوى. وسيأخذ المصورون أماكنهم في جنبات الملعب وهم يمسحون عدسات يئست من رحمة الكرة.

كل هؤلاء سيعلنون نهاية فترة العطالة ويقطعون مع حب عن بعد وغضب عن بعد، لا أحد من هؤلاء كان عاطلا ولا جاهلا ولا غائبا، بل كانوا معطلين ومجهلين ومغيبين.

في يوم العودة سنستحضر أمواتنا الذين ماتوا دون تأبين، سنقف لقراءة الفاتحة على أرواحهم، سنذكر عمق حبهم ونستحضر مواقفهم، وسنعلن عن فرجة بمن حضر.

نسي محصلو عائدات بيع التذاكر موهبة الحساب، سيعودون للضرب والجمع والطرح حين سيصبح للفرجة ثمن ويبيض الملعب مالا، ستدفئ محاصيل الفرجة خزائن الفرق وجيوب العاملين عليها والمؤلفة قلوبهم.

صحيح بالكرة سنصل إلى المناعة الجماعية وسنعلن استعدادنا لأخذ جرعتين أو ثلاث، لأن جاذبية المباريات لها مفعول لا يوصف، وسنرتدي الكمامات بألوان الفرق التي نعشقها ونبلل أيدينا بمحلول معقم ونمارس التباعد الجسدي، لكن حين يسجل هدف في مرمى قلوبنا سنتمرد بلا شك على الإجراءات ونتعانق ونلغي المسافات فتمطر شفاهنا «نارا حينا حبا أحيانا».

ستكون العودة الميمونة إلى المدرجات فرصة لمصالحة الذات والخصوم، والقطع مع فرجة كانت تنتهي ببلاغ اللجنة التأديبية وبلاغ النيابة العامة وتصريح بالزيارة والدفن.

حين تزاح الستارة عن مدرجات علتها طبقات الغبار، سنعيش مباريات أخرى فيها حقنة حماس وسنقطع ولو لزمن قصير مع فرجة «تيك توك».

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى