ودارت الأيام يا السي بنكيران
يبدو أن رئيس الحكومة حين يرجع بالليل إلى بيته بحي الليمون في الرباط لم يعد أمامه حين يختلي بنفسه سوى أن يطلب الاستماع إلى رائعة «ودارت الأيام» للسيدة أم كلثوم، ليرى بنفسه كيف أتى إلى السلطة هو وصحبه وكيف يستعدون بعد أشهر قليلة لمغادرتها، ولعله اليوم في موقع الذكرى والتذكر بما كان يعد به الناس والعباد حين كان سياسيا «دوبل في»، أما اليوم وقد استهلك كل عمر ولايته وأصبح «بون أوكازيون» على كرسي السلطة، فله كل الصلاحية في أن ينظر إلى المرآة، يقارن حاله وحال إخوانه وعشيرته مع حال هذا الشعب، الذي تتناوب عليه الحكومات بشعاراتها ووجوهها، كما تتناوب عليه الأمراض المزمنة.
وبعد 17 سنة على وفاة الملك الراحل الحسن الثاني أصبحت كل الحكومات التي تعاقبت، خلال هذه الفترة، نسيا منسيا، من اليوسفي إلى جطو، ومرورا بعباس الفاسي، ولم يحفظ التاريخ لحكومة واحدة من بين كل هذه الحكومات أنها حققت للشعب مطالبه العادلة في العيش الكريم والصحة والشغل والبنيات التحتية والتعليم والسكن اللائق، وهي الأحلام التي رافقت جيل الاستقلال وما بعده، وتبين اليوم أن المغاربة كتب عليهم أن يبقوا رهينة لأحلامهم، وأن تبقى السلطة رهينة هي الأخرى لفئة من السياسيين يغيرون القناع والوجوه والشعارات ويداولونها في ما بينهم، في ما يشبه لعبة «الغميضة».
بنكيران بدوره يعرف حقيقة الخاصية المغربية في التناوب على السلطة، ويدري تمام الدراية أن أيامه معدودة، وأن «الفراجة» والقهقهات بدون سبب التي أمتعنا بها خلال كل هذه السنين مآلها الزوال، لذلك فهو يقاوم حتى يطيل ما أمكن من عمره السياسي، وبما أن يديه فارغتان من الإنجازات، فقد رأينا كيف أن «فرسان العدالة والتنمية» على موقع «فايسبوك» أصبحوا يمررون بكثافة هذه الأيام «الكابسولات» الجاهزة ويصورون زعيمهم في منشورات ملونة بتقنية «الفوتوشوب»، تذكرنا بمنشورات «سيرك عمار»، حيث يظهر بنكيران كرجل خارق القوى وكمروض للأسود والثعابين، مع أن الشخصية التي أتقنها وبرع فيها السي عبد الإله منذ وصوله إلى السلطة هي شخصية «البهلوان».
لكن الحمد لله أن السي عبد الإله قد أراحنا من البحث له عن وصف يليق به، بعدما نعت نفسه في آخر اجتماع للمجلس الوطني لحزبه، بأنه مثل «فأر السويرتي»، قبل أن يوجه سؤالا إلى قيادييه «واش كاتشوفو وجهكم في المرايا؟»، مع أن أصدق مرآة يمكن لقيادة حزب العدالة والتنمية أن ترى نفسها فيها ليست هي تلك المعلقة في جدران فيلاتهم الفاخرة، بل هي الموجودة في «يوتوب»، هناك يمكن للسي عبد الإله ورباح والرميد والخلفي ومن جاورهم أن يسترجعوا فيها الذكريات والشعارات ويتذكروا ملبسهم ومحياهم ولحاهم ووعودهم قبل أن تصيبهم السلطة بداء التخمة و«الزهايمر» السياسي، وقبل أن ينتهوا بشهادة بنكيران نفسه كفئران في لعبة «السويرتي».
يعلم الله وحده كيف ستكون بعد أشهر قليلة فقط نهاية سلطة حزب العدالة والتنمية، الذي تجبر على الشعب وتقوى بصندوق النقد الدولي وتحالف مع خصومه وهادن الفساد والمفسدين وتعايش مع الريع وطلب ود البورجوازية وعفا عن المهربين وأسال بالقمع دماء الأساتذة المتدربين ورفع الأسعار في وجه الفئات المستضعفة، واليوم يبحث زعيمه عن المرآة، متناسيا وهو في ملكوت حكمه وسلطته أنه «إلى غاب الوجه ما كيبقى للقفا حرمة».