شوف تشوف

الرئيسية

والدي أرسل إليّ برقية من المغرب يخبرني فيها أنه سوف ينتحر إن تزوجت غير يهودية

يذكر فيكتور المالح أنه كاد أن يصبح بدون عائلة عندما قرر عدم التخلي عن علاقته بـ«سونو» وعدم الزواج بها. حدث هذا سنة 1943. وكانت المشاكل العائلية قائمة بالنسبة له منذ 1942 التي كان قرر فيها الارتباط بالسيدة التي ملكت قلبه، بعد معرفة تعود لأواخر ثلاثينيات القرن الماضي.
هذا بالإضافة إلى مشكل آخر يتعلق بالمعاملات الإدارية في الولايات المتحدة الأمريكية خلال الأربعينيات، إذ إن «سونو» كان لديها مشكل بسبب أصولها اليابانية (والدها ياباني وأمها مهاجرة أوربية إلى أمريكا)، وبالتالي فإنها ممنوعة من الزواج في جل الولايات الأمريكية ويتعين عليها الانتقال إلى ولاية تسمح بتوثيق زواجها.
كان على فيكتور المالح أيضا أن يتحمل عبئا إضافيا بشأن زواجه، يتعلق بالملامح اليابانية لزوجته، حيث كانت أمريكا في حرب معلنة ضد اليابان وازدادت حدة بعد قصف الكاميكاز اليابانيين، بطائرات مقاتلة، منطقة «بيرل هاربور» وسقوط آلاف الأمريكيين قتلى بالإضافة إلى إغراق بوارج بحرية ضخمة.

اليهود والزواج
اليهود يقدسون العائلة. كان هذا أمرا واضحا بالنسبة لفيكتور المالح. وصف والديه وجده بالمتطرفين دينيا. حكم قاس خصوصا وأنه صدر منه وهو في أواخر سنوات حياته. كان يتحدث وهو ينظر إلى ماضيه معترفا بالصعاب التي صادفته لكي يصبح «فيكتور المالح» الذي عرفته نيويورك.
بالنسبة للبيئة التي نشأ فيها في نيويورك وحتى في الصويرة، فإن الزواج مسألة مقدسة للغاية، ويسهر اليهود، عاديين كانوا أو وجهاء، على احترامها بل وتكريسها لأبنائهم.
لذلك كان والده أول وأشرس معارض لفكرة زواجه من شابة غير يهودية، بل وتعمل راقصة مسرحية وتمتهن «الباليه» ويعرفها سكان نيويورك بحكم اشتراكها في أعمال استعراضية تحصد ملايين المتابعين.
كيف عاش فيكتور المالح، إذن، هذا الصراع العائلي.

آرثر مولر المخرج الأمريكي الشهير الذي عرف بعلاقته مع الأيقونة مارلين مونرو.. عندما تعرف على فيكتور المالح لم يكن قد ارتبط بها بعد

ذكريات مختلطة
ازداد إعجاب الأمريكيين، النيويوركيين منهم على وجه الخصوص، بفيكتور المالح عندما سمعوا منه قصة زواجه ونضاله للاحتفاظ بالشابة التي أحبها وشاركته بناء إمبراطوريته المالية من الصفر. يقول متحدثا لمنصة «قصص النيويوركيين القدامى»: «عائلتي رفضت زواجنا عندما ذهبنا إلى شيكاغو على أساس أن نتزوج هناك. كنت أرتب الأمور مع عائلة «سونو» عندما وصلني تلغرام من والدي يخبرني فيه أنه سوف ينتحر إن أنا تزوجت. وقتها، لم أكن أدري ما أقوم به سوى أن أؤجل الزواج، وهو ما سيؤدي بالتأكيد إلى جعل أصهاري غير سعداء وغير متآلفين معي.
عدنا إلى نيويورك. كنا نقطن في الجادة الغربية بالشارع 52. كنا نؤدي تقريبا ستين دولارا شهريا كسومة للكراء. عندما اشتغلنا لفترة قصيرة، قررنا أن نمضي قدما ونتزوج. ذهبنا إلى مجلس المدينة، وكانت والدتها وبعض الأصدقاء شهودا على ذلك الزواج. كان هذا يوم 24 أبريل سنة 1943.
بعد زواجنا، لم تكن تريد أن تستمر في العروض مع شركة الباليه، وهكذا استقالت. كنت أكسب 75 دولارا في الأسبوع، وقد كنا في حاجة إلى مدخولها أيضا.
كان «أكنس دوميل» يجري تجارب الأداء لفيلم «لمسة من كوكب الزهرة». كتبت «سونو» لها تخبرها أنها متاحة، وهكذا منحتها دور قيادة الرقصات في الفيلم. كان المخرج هو «إيلي كازان»، وكان هذا الفيلم أول وآخر عمل موسيقي يشتغل عليه.
أصبحنا أصدقاء مع «كازان». ولم تكن له أي دراية بالموسيقى على كل حال. إنه مخرج عظيم، كان مشهورا وقتها، أي في سنة 1943، وكان هذا الفيلم مخططا لكي يكون أول فيلم موسيقي راقص له. بالإضافة إلى أنه لم تكن له أي دراية بالباليه أيضا. «دوميل» من تكلفت بأمور العروض الراقصة والموسيقى.
عرض علينا المخرج «كازان» وزوجته العشاء. وفي العشاء كان «آرثر ميلر» وزوجته حاضرين أيضا. كنا ثلاثة أزاوج فقط خلال ذلك العشاء. لا أذكر من تكلف بإعداد العشاء وقتها، لكن أتذكر أنه لم يكن صالحا للأكل نهائيا. في لحظة من اللحظات نادت مولي، زوجة آرثر، على الخادمة: «إيميلي هلا أحضرت الأرز». فأجابت السيدة: «سيدة كازان، لكنك لم تقومي بطلب الأرز من قبل».
أجبنا: «ليس هناك مشكل». وتجاوزنا الأمر. بعد ذلك جاء وقت التحلية. وكان الطبق عبارة عن نوع ما من الشوكولاته مع رقائق الذرة.
كان الأمر مضحكا، على اعتبار من يكون صاحبا البيت، واكتشافنا لنوعية الطعام الذي يأكلانه ويقدمانه للضيوف».
قد يبدو الأمر موغلا في التفاصيل التي لا ضرورة لها. لكن فيكتور المالح كان يتمتع بذاكرة ثاقبة إلى آخر أيامه. ولا شك أن الأمر ساعده كثيرا في «الخطابة» التي عرف بها وسط الذين اشتغلوا معه عندما كان يتسلق سلم ترتيب الأثرياء ورجال الأعمال.
هذه التفاصيل التي أتى فيكتور المالح على ذكرها مهمة جدا لأنها تؤرخ لاحتكاكه الأول مع عالم المشاهير الذين كانوا وقتها يربحون أموالا طائلة من صناعة الأفلام والعروض الراقصة والمسرحيات وتسجيل الأسطوانات.

فقير على مائدة المشاهير
كان فيكتور المالح شابا شبه مفلس، بحكم أن العمل الذي كان يزاوله في شركة الهندسة رساما للتصاميم، لم يكن يدر عليه ما يسمح باقتناء بذلة محترمة لحضور فيلم في نهاية الأسبوع. لكن بفضل موهبة زوجته التي كانت هي الأخرى مُفلسة أيضا استطاع ولوج بيت واحد من أشهر المخرجين في السينما الأمريكية خلال بداية الأربعينيات. بل وضيفه «آرثر مولر» وزوجته.
فآرثر مولر لم يكن شخصا عاديا، ومجرد الحصول على توقيعه على أسطوانة أو تذكرة سينما، كان كافيا لإثارة إعجاب الأمريكيين لسنوات. فما بالك بتلقي دعوة عائلية لتناول العشاء معه في منزل مخرج آخر لا يقل شهرة عنه. والتعرف على نوع الطعام الذي يتناوله واحد من أشهر المخرجين في الولايات المتحدة.
كانت «سونو»، عند انخراطها في هذا العمل الذي درّ عليها ربحا محترما في ذلك الوقت، بداية مؤشر لإمكانية اعتماد فيكتور المالح عليها لتحسين وضعيته المادية، وربما الاستقرار بطريقة أكثر أريحية، رغم استمرار معارضة والديه لزواجه منها.
كان الفيلم الذي شاركت فيه مع «كازان» مناسبة لكي تزداد الأضواء المسلطة على «سونو» وهجا، ويتساءل المحيطون بها عن الشاب الذي كان يمسكها من يدها وهما يدلفان إلى مطاعم عادية جدا.
مضت سنة على مشاركتها وقيادتها للعروض الراقصة التي تخللت فيلم «لمسة من كوكب الزهرة». وفي الوقت الذي كانت الأوساط الفنية تنتظر ظهورها في فيلم آخر مع مخرج آخر وأبطال معروفين لدى الأمريكيين، أعلنت لمحيطها أنها استقالت نهائيا.
لقد قررت التفرغ لفيكتور المالح، رغم أن بعض صديقاتها اتهمنه بإنهاء مسارها الفني الحافل. ماذا وقع إذن؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى