استحضارا لروح الفقيد عبد الواحد معاش، نعيد تفريغ حوار سابق يعيد فيه الراحل ترتيب تاريخ الرجاء وعلاقته بالسياسة والكرة، استنادا إلى تجاربه الطويلة مع النادي مشجعا أولا ثم رئيسا، فضلا عن نبش في مساره المهني بوصفه واحدا من القيادات الحزبية التي عايشت أبرز الأحداث المغربية، وشاركت، من موقعها على رأس حزب سياسي، في كتابة التاريخ.
مات معاش وترك وراءه تاريخا حافلا بالمواقف يستحق أن يتعرف عليه الجيل الحالي من رياضيين وسياسيين.
من هو عبد الواحد معاش؟
اسمي الحقيقي عبد الواحد العياشي، من مواليد سنة 1938، لكن الاسم العائلي سيتحول، مع مرور الوقت، إلى معاش. أصولي العائلية من قرية إيموزار كندر على سفوح جبال الأطلس المتوسط. عشت في وسط عائلي بسيط، إذ كان والدي تاجرا للمواد الغذائية في المنطقة. انتقلت العائلة من إيموزار إلى فاس، ووالدي، رحمه الله، كان يريدني أن أصبح فقيها هذه هي أمنيته، لكني سأصبح فقيها في القانون، ربما خاب ظنه في ولم أحقق حلمه. مسألة أخرى، ربما لا يعرفها الناس، هي أنني «شقيق» الجنرال أحمد الدليمي، فوالدتي أرضعت الدليمي وكان هذا الأخير يقبل يديها ويقول لها: أنت أمي.
هلا حدثتنا عن طفولتك؟
نشأت في زنقة عين الخيل بفاس القديم، وسط أسرة بسيطة قليلة الإمكانيات. تابعت دراستي بمدرسة اللمطيين بدرب العامر، وهي، بالمناسبة، مدرسة عريقة درس فيها كثير من السياسيين، ومن بين أشهر المعلمين الذين مروا منها عبد الرحيم بوعبيد الذي سيقضي فيها سنتين. بعدها سألتحق بمدينة الحاجب. للإشارة فإن أغلب تلاميذ وتلميذات مدرسة اللمطيين دخلوا عالم القضاء، إذ كلما التقيت أحد الزملاء السابقين من قدماء هذه المدرسة في المحاكم إلا وتبين لي ولوجه لمهن ذات ارتباط بالعدالة.
حتى يعرف الجيل الحالي معاش، نود لو تقربنا من بداياتك..
أعرف أن كثيرا من الرجاويين لا يذكرون اسم معاش، وأن الرياضيين لا يعرفون أنني من القيادات التاريخية لحزب الشورى والاستقلال، وأنني ترأست الرجاء البيضاوي لسنوات، وحققت العديد من الألقاب في زمن لم تكن الدروع والكؤوس من اهتمامات اللاعبين أو مطالب المناصرين داخل الرجاء. بالنسبة لمساري، إذا كان لابد من سرد بعض محطاته، فأنا، كما قلت، انتقلت صغيرا صوب فاس من أجل استكمال دراستي. عشقت الكرة منذ طفولتي وكنت لاعبا مميزا في فريق أسسناه نحن التلاميذ بتأطير من أحد المدرسين، لنمارس فيه الرياضة بشكل غير منظم، لكن، أثناء عطل نهاية الأسبوع، كنت أحرص على التوجه إلى الملعب لمتابعة مباريات الوداد والمغرب الفاسيين، مرة أتابع «الماص» ومرة «الواف»، وللأمانة فقد كنت من مناصري وداد فاس لأن المغرب الفاسي كان يمثل، بالنسبة للبعض، البورجوازية المطلقة في تلك الفترة، بينما الوداد الفاسي كان يمثل الطبقة الكادحة من أبناء فاس الجديد.
بدأت مسارك المهني معلما قبل أن تسلك طريق القانون..
كانت الدولة في حاجة لعدد كبير من المدرسين، لأن المنظومة التعليمية كانت تعرف خصاصا كبيرا في تلك الفترة، وكانت الحكومة تستعين بمدرسين من مصر ومن دول عربية ومن فرنسا أيضا بالنسبة للمواد العلمية. عينت معلما في مدينة مكناس، وفي سنة 1958 سينظم محمد الفاسي، بصفته عميدا لكلية الحقوق، مباراة خاصة بأطر حزب الاستقلال للولوج إلى الكلية بالرباط، نجحت في هذا الاختبار ووجدت نفسي طالبا جامعيا في شعبة الحقوق إلى جانب أسماء سياسية غالبيتها تنتمي لحزب الاستقلال. وبعد حصولي على الإجازة في الحقوق قررت أن أحصل على إجازة في شعبة الآداب لأنني كنت متيما بالأدباء المصريين واللبنانيين. بعدها سألتحق بعملي في قطاع المحاماة محاميا متدربا أولا في مكتب المحامي اليهودي طوليدانو بمدينة فاس، وبعدها بالدار البيضاء بمكتب النقيب الجناتي، وإلى جانب الفقيه القانوني إبراهيم السملالي، خريج جامعة دمشق، والذي كان قاضيا، لكنه سيستقيل من المهنة احتراما لمبادئه وسيفضل الترافع.
هل صحيح أنك اشتغلت أيضا في مجال الصحافة؟
حين حصلت على الإجازة في الحقوق، وقبل أن أفكر في نفسي كمشروع محام، توقفت في الرباط كمرحلة أولى من أجل الاشتغال في وظيفة إدارية، وقدر لي أن ألتحق صحافيا بوزارة الأنباء، التي كان يوجد على رأسها عبد الهادي بوطالب، كاتب الدولة في الأنباء الشوري الانتماء، ومنه تعلمت الكثير، قبل أن يستقطبني رضا كديرة إلى حزبه «لفديك» ويكلفني حينها برئاسة تحرير جريدة ناطقة بلسان الحزب تسمى «منارات» ولها نسخة فرنسية تسمى «ليفار»، لكني لم أطق الحياة الإدارية وانتقلت إلى الدار البيضاء لأمارس المحاماة. وأثناء فترة التدريب في مكتب الفاسي لحبابي كمحام متمرن، شربت من ثدي الرجاء البيضاوي، وأصبحت مشجعا لهذا الفريق العريق وانخرطت في جمعية محبي الرجاء بالضبط سنة 1962، قبل أن أصبح رئيسا للفريق، لكن الحنين إلى الكتابة عاودني حين أصبحت مديرا للنشر في صحيفة «الرأي» لسان حال حزب الشورى والاستقلال.
كيف التحقت بحزب الشورى والاستقلال؟
التحقت وأنا لا أزال طفلا بحزب الشورى والاستقلال، واشتغلت في قطاعه الطفولي والشبابي، وكنت أراسل جريدة «الرأي العام» الناطقة باسم الحزب، ومن خلال انتسابي للحزب كانت لي لقاءات واتصالات بمؤسسه الأستاذ والمفكر محمد بن الحسن الوزاني الذي كان سياسيا فذا وأحد رموز الحركة الوطنية، وفي الفترة نفسها كنت عضوا نشيطا في الكشفية المغربية الإسلامية التابعة لحزب الشورى والاستقلال، والتي كان محمود العلمي من أبرز روادها ومنظريها.