يونس جنوحي
استيقظ العالم أمس الأحد على خبر كان “شبه” متوقع. انهيار نظام الأسد في سوريا بعد مسلسل طويل من الرصاص والدم والتدخل الأجنبي والمليشيات وتهجير السوريين وتدمير البلاد. اختلطت الخيوط منذ 2011، وتناحرت التيارات، وتوزع السوريون فوق الخريطة.
حافظ الأسد لن يتقلب في قبره، لأن الأخبار التي تروج حاليا ويتبناها خبراء أمنيون، مفادها أن بشار الأسد فر في وقت متأخر ومعه حاشيته المكلفة بمشاريعه المالية، واصطحبوا معهم أزيد من 30 مليار دولار من أموال السوريين. في النهاية ظهر أن ما كان يهم النظام السوري، المصالح المالية الرئيس وعائلته.
تخلى بشار الأسد عن معاونيه العسكريين والمكلفين بالمهام الاستخباراتية وحتى المشرفين على الأعمال المكتبية. ترك الجميع خلفه، واتجه إلى حيث يعلم الذين يراقبونه.
بشار الأسد، صدرت في حقه إدانات غيابية قبل سنوات كلها تؤكد أنه مجرم حرب بسبب المجازر التي عرفتها سوريا عندما رفض أن يتنحى عن الحكم. والجيش الموالي له ارتكب مجازر في حق السوريين، وإلى حدود آخر الساعات من نظامه كان الآلاف قابعين لسنوات في السجن العسكري في دمشق، بدون محاكمة.
ماذا يعني سقوط نظام بشار الأسد؟ انهيار آخر قلاع الدكتاتوريات العربية التي تسببت في تأخر العالم العربي وإفشال الوحدة العربية التي كان يدعو إليها المغرب منذ عقود.
عندما كانت الرباط تستضيف القمم العربية والإسلامية، والاجتماعات العاجلة لدعم الشعب الفلسطيني ومناقشة الأزمات والمشاكل التي يمر بها العالم العربي، كان حافظ الأسد الذي أورث لاحقا الرئاسة لابنه بشار، كان هم الرؤساء العرب ألا يُسمموا بعضهم البعض.
وهذا الأمر ليس نكتة أو إشاعة، بل حقيقة رصدتها الاستخبارات الأمريكية، ونشرها واحد من أكثر الخبراء إحاطة بالشأن العربي في سنوات السبعينيات والثمانينيات، واسمه “ويليام بلوم”. هذا الأخير ألف كتابا بعد تقاعده، يحكي فيه “التاريخ المنسي” لوكالة الاستخبارات المركزية CIA.
التقى هذا الضابط الأمريكي كل الرؤساء والملوك العرب، بدون استثناء. وأكد في مذكراته أن الرئيس الأسد وصدام حسين، كانت لديهما حساسية شديدة تجاه الدول التي تعيش الشرعية في الحكم، ويتقربان دائما مع الأنظمة الانقلابية التي انقضت على السلطة بعد إعدام أو نفي الرموز التي قبلهم.
وفي الرباط، في واحدة من القمم العربية التي دعا إليها الملك الراحل الحسن الثاني في ظرف حرج جدا، عنوانه خلافات عربية حادة، جاء هؤلاء الرؤساء إلى المغرب المحايد من صراعاتهم الإقليمية في الشرق، وكل رئيس منهم، أحضر معه طباخه الخاص.
الهواري بومدين، الأقرب إلى المغرب والأبعد عنه سياسيا، أحضر معه فريقه، وحافظ الأسد أحضر طباخه الخاص، وصدام حسين أحضر معه حتى مكونات المطبخ على متن طائرته الرئاسية، وصالح اليمن بدوره أحضر معه مرافقيه، لكنه لم يمانع أن يأكل طعامه مع ضيوف الملك من ملوك الدول الصديقة. بينما كان القذافي أكثرهم تطرفا، وأحضر مرافقوه مطبخا متنقلا معهم.
وعندما حل موعد الغذاء بعد رفع إحدى الجلسات، أشار كل رئيس من المشار إليهم أعلاه، إلى مرافقيه لكي يتدبروا أمر الغذاء. وهنا تدخل الملك الراحل الحسن الثاني ورفع الحرج ودعا الجميع إلى مأدبة، ومازحهم بالقول إن طعامه لا يحتوي على السم وإنه سوف يأكل معهم بنفسه. ضحك الآخرون من المجاملة الملكية، لكنهم فهموا الرسالة.
هؤلاء جميعا سمموا أنفسهم وانهارت أنظمتهم أمام أعينهم، باستثناء حافظ الأسد الذي فرش الطريق أمام ابنه ولم ينهض من الكرسي إلى المقبرة إلا بعد أن تأكد أن ابنه وضع رجلا في الكرسي. رحل حافظ في سلام وأقيمت له جنازة مهيبة، وانتظر التاريخ 24 سنة كاملة لكي يقول كلمته، ويصفي الحساب مع الوالد والولد.