محمد اليوبي
تزامنا مع صدور دورية وزير الداخلية بخصوص عزل المنتخبين الذين تربطهم مصالح خاصة بالمجالس الجماعية التي هم أعضاء فيها، دعا رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، محمد بشير الراشدي، إلى وضع إطار يلزم ويقنن التصريح بحالات تضارب المصالح لدى السياسيين والمنتخبين، ومد جسور قانونية واضحة بين قانون التصريح بالممتلكات والقانون المتعلق بالإثراء غير المشروع.
وقال الراشدي، في كلمة خلال جلسة عمل عقدتها المجموعة الموضوعاتية المكلفة بتقييم الخطة الوطنية لإصلاح الإدارة، أول أمس الخميس بمجلس النواب، إن السياق الوطني العام يتيح حاليا فرصا ثمينة لإذكاء دينامية جديدة وقوية تروم فتح حقبة جديدة لمكافحة ناجعة لآفة الفساد في المملكة، وأكد أن هذه الدينامية المنشودة ترتكز على قناعة مشتركة بأن اختلالات الحكامة وممارسات الفساد عقبة كابحة للاختيار الديموقراطي وللمسار التنموي للبلاد.
واعتبر الراشدي أن استثمار العوامل المواتية لتحقيق أهداف التوجهات الطموحة للبلاد، يستدعي الانخراط في التعبئة الشاملة الحالية التي يؤطرها سياق المصادقة على النموذج التنموي الجديد، وكذا الإرادة المعبر عنها في البرنامج الحكومي الذي ارتقى بقضية مكافحة الفساد وتعزيز المساءلة وقيم النزاهة إلى درجة أولوية وطنية.
وأبرز، في هذا الصدد، أن الهيئة أعدت رؤية واضحة وطموحة، ترجمتها إلى مشروع التوجهات الاستراتيجية المستقبلية لسياسة الدولة في مجال الوقاية من الفساد ومحاربته، وكذا التدابير والآليات الكفيلة بتنفيذها من طرف السلطات المختصة في إطار إصلاحات عميقة ومهيكلة، مشيرا إلى أنه سيتم فتح النقاش بشأنها مع كافة الفاعلين المؤسساتيين والمجتمعيين.
وأوضح الراشدي أنه بالموازاة مع مختلف الآراء والتوصيات التي تقدمت بها، قامت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها بالانكباب على دراسة مواضيع ذات أهمية في مكافحة الفساد، وأعدت تقارير بشأنها في أفق تتبع مآلها وفتح نقاش حولها وإغنائها.
وفي هذا السياق، أكد الراشدي على أهمية وضع إطار يلزم ويقنن التصريح بحالات تضارب المصالح، مسجلا أن الهيئة تعتبر أن المشرع مطالب بالتنزيل الأمثل لمقتضيات الدستور التي نصت على المعاقبة القانونية على المخالفات المترتبة عن حالات تضارب المصالح، وذلك باعتماد توجه تشريعي يضمن تدقيق المفهوم وتوحيده، ويحدد ضوابط الوقاية والزجر الكفيلة بأن تسري على جميع المعنيين.
وبخصوص نظام التصريح الإجباري بالممتلكات، سجل الراشدي أن الهيئة قامت بتشخيص النظام الحالي وبدراسة مقارنة على أساس المعايير والمرجعيات ذات الصلة، لتخلص إلى التوصية بمراجعة شاملة لهذا النظام، بغية توطيد الدور الذي يجب أن يحققه في اتجاه إذكاء دينامية في حماية الوظائف العمومية والنهوض بحكامة ممارسة المسؤولية في تدبير الشأن العام.
ويرى رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها أن استشراف إطار قانوني موحد وناجع وفعال في هذا المجال، يمر بالضرورة عبر تأصيل رؤية جديدة لهذه الآلية الاحترازية والرقابية، انطلاقا من مرجعيتين أساسيتين؛ تتمثل الأولى في المنظور الدستوري الشمولي للحكامة الجيدة، والثانية في المواصفات المعيارية العالمية المستنبطة من الاتفاقيات والتشريعات الدولية الناجحة في هذا المجال.
وتجاوبا مع هذه المبادئ، يضيف الراشدي، عملت الهيئة على تقييم المنظومة التشريعية الوطنية للتصريح الإجباري بالممتلكات، مشيرا، في هذا الصدد، إلى أنها أوصت بالإسراع بملاءمة أو التثبيت القانوني لمجموعة من المقتضيات المرتبطة بالمحيط القانوني لتفعيل منظومة ناجعة في هذا المجال، وإنضاج التفكير في الصيغة الملائمة لتوسيع الشفافية وتعزيز الثقة في التدبير العام، وكذا التأكيد على أهمية التحديد الهادف للأشخاص الملزمين ولعناصر الثروة المعنية، مع توخي الضبط والدقة والتفصيل في المعلومات المتعلقة بالممتلكات.
وأكد رئيس الهيئة على أهمية اعتماد وتيرة موضوعية للتصريح تشمل التصريح عند تولي المنصب، وبعد المغادرة، مع اعتماد مبدأ التصريح التكميلي عند حصول تغييرات مهمة في الممتلكات وعند تغيير المنصب، مع التوجه نحو اعتماد تحيين التصريح سنويا، تجاوبا مع التوجه نحو اعتماد نظام التصريح الإلكتروني، ونظام التعبئة المسبقة لاستمارة التصريح والتحيين الأوتوماتيكي للمعلومات.
كما أوصت الهيئة بضرورة مد جسور قانونية واضحة بين قانون التصريح بالممتلكات والقانون المتعلق بالإثراء غير المشروع الذي أصدرت بخصوصه رأيا خاصا، بما يضمن النجاعة والانسجام والتكامل القانوني المطلوب بينهما.
ويندرج هذا اللقاء ضمن سلسلة اللقاءات التي تعقدها المجموعة الموضوعاتية المكلفة بتقييم الخطة الوطنية لإصلاح الإدارة، التي يترأسها البرلماني، حفيظ وشاك، مع المسؤولين في مختلف القطاعات الوزارية والهيئات المعنية بتنزيل هذه الخطة، وذلك في مسعى يرمي إلى تثمين المكتسبات والوقوف على العقبات والنواقص وأسباب الإخفاقات.
وشكل هذا اللقاء فرصة للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، لعرض مخرجات مجموعة من الدراسات والتحاليل التي قامت بها والتي أفضت إلى بلورة آراء وتوصيات، سواء تلك التي سبق للهيئة أن نشرتها في تقاريرها السنوية أو الموضوعاتية، أو تلك التي لم يتم نشرها بعد.