يونس جنوحي
برد قارس في المرتفعات وهذه ليست سوى البداية. لا يزال البرد الحقيقي ينتظر أن يخرج «بابا نويل» ببذلته المتسخة إلى حدائق وساحات المدن، لكي يهجم القر على القرى والمداشر.
بسبب الجفاف، هناك تأخر في تساقطات الثلوج الموسمية. ورغم أن البياض الذي يكسو القرى كل عام، يتسبب في انقطاع الطرق وتجمّد الأنشطة الفلاحية وحتى دراسة الأبناء، إلا أن الأهالي يستبشرون به خيرا ويصبرون لتلك الأجواء، لكي ينعموا بفصل ربيع يُرمم ما جمده البرد.
في الأيام القليلة الماضية، بدأت بعض الجمعيات دعوات جمع الملابس المستعملة لتوزيعها على القرى المعزولة في الأطلس. وهذه الجمعيات التي تنشط في الأعمال الخيرية منذ أزيد من خمس وعشرين سنة، تشتكي من تغول «المؤثرين» الذين يذهبون إلى الأطلس لتوزيع مساعدات بسيطة، والتقاط الصور مع أطفال القرى لاستثمارها لاحقا، والحصول على تعويضات التفاعل معها بالدولار.
يتعلق الأمر بتجارة لا تخلو من خسة. مؤثرون يلجؤون إلى تلميع صورتهم وسمعتهم أمام ملايين المتابعين. ويظهرون الجانب الإنساني فيهم، لكي يستمر الجمهور في التفاعل معهم، بتنظيم رحلات سنوية وموسمية إلى المناطق التي يعيش سكانها الهشاشة، ويوثقون عملية توزيع المساعدات لبثها على منصاتهم لاحقا. والتعويضات التي يحصلون عليها تتجاوز دائما قيمة تبرعاتهم.
العارفون بخبايا الأمور يشتكون من تغول هذه الموضة القبيحة. حتى أن الشركات التي اعتادت أن تصرف تبرعات للجمعيات الحقيقية، التي يقودها أبناء تلك المناطق والمثقفون ممن لديهم غيرة على الشأن المحلي، صرفت النظر وفضلت حاليا التعامل مع هؤلاء المؤثرين. والسبب؟
ببساطة لأن الشركات التجارية أصبحت تخشى على سمعتها في السوق. إذا لم تقدم المعونة للمؤثرين، أو لم تشركهم في التبرعات، فإنهم ينهالون عليها بالانتقاد. كبريات شركات الاتصال لم تسلم من هذا الابتزاز، وشركات الملابس ومحلات الأطعمة الجاهزة، وحتى الشركات التي تعيد توزيع علامات تجارية في المغرب بموجب عقود احتكار. هؤلاء جميعا يعانون حاليا مع هؤلاء المؤثرين، وتفضل مجالس الإدارة التعامل معهم اتقاء لشرهم، على التعامل مع خبراء المجتمع المدني الذين يشتغلون في الميدان، قبل اختراع الهواتف المزودة بالكاميرات.
ظهر الأمر جليا في امتحان زلزال الحوز، فقد شد الكثيرون الرحال إلى قرى الأطلس، ساعات بعد الزلزال، وحملوا معهم مساعدات للمنكوبين. يد تُعطي علبة الحليب والأخرى تصور الأطفال شبه عراة ونساء منكسرات وأخريات لا تزلن تحت تأثير الصدمة، وبثوا كل تلك الصور والمقاطع دون استئذان. وأوقف الغيورون عددا من هؤلاء المرضى، وهم يحاولون استغلال الأطفال، والتقاط صور لهم في وضعيات حميمية وإنسانية حرجة.
إنها فوضى حقيقية سيطرت على العمل الخيري، الذي يعتبر عصب التكامل الاجتماعي في هذا البلد. وحتى لو ذهب كل المؤثرين إلى السجن بتهم أخلاقية أو جنائية، فإن أعداد الذين يلتحقون يوميا بهذا الجيش تجعل هذا المد متواصلا.
هناك حمقى ينتظرون هذه الأيام أن تهطل الثلوج، لكي يذهبوا رأسا إلى القرى لتوزيع الملابس المستعملة، في حين أن الغيورين على هذا البلد وأهاليه قد انتهوا من العمل على برنامج تبرعات الشتاء، وانكبوا للاشتغال على توفير المواد الغذائية والحملات الطبية لعلاج المرضى في وقت آخر من السنة المقبلة. ولا يفكرون في الذهاب إلى القرى لالتقاط الصور، بقدر ما يفكرون في عقد شراكات جديدة مع المتبرعين.
هناك اليوم منصات دولية موثوقة تجمع التبرعات، ويلجأ إليها المغاربة للمساهمة في إنقاذ المنكوبين حول العالم. والتكلف بحفر بئر لأهالي قرية معزولة في جبال آسيا، أقل تكلفة من حفر بئر في الأطلس الصغير.
وهنا يتعين على القائمين على الأعمال الخيرية التساؤل لماذا يفضل المتبرعون المغاربة استعمال بطاقاتهم البنكية والتبرع لجمعيات، حيث توجد الأقليات المسلمة وضحايا الحرب العرقية حول العالم، ويتوصلوا في النهاية بدليل ملموس يؤكد وصول التبرعات إلى الوجهة المقصودة، بدل أن يتبرعوا لأبناء بلدهم.