شوف تشوف

الرأي

هواة جمع الشواهد

تم الأسبوع الماضي توقيف موظف في جامعة أكادير يقوم بالمتاجرة في النقط، وهو حادث يذكرنا بحوادث مشابهة على صعيد بعض الجامعات، أشهرها الشبكة التي تم توقيفها السنة الماضية بجامعة القنيطرة. وهي حالات إن كان الجرم فيها واضحا فإن عشرات الحالات الأخرى تمارس بشكل خفي، يشارك فيها، ليس فقط الإداريون بالجامعات بل وبعض الأساتذة أيضا. ذلك أن المستفيدين من هذه الكوارث يستندون إلى شعار الاستقلالية لممارسة الفوضى. فبعض الأساتذة، تحولوا إلى تجار حقيقيين في الماسترات. طبعا نحن هنا لا نعمم، ولكننا نؤكد بالمقابل أن هناك عشرات الحالات، يتم فيها خلق ماسترات فقط لإرضاء الأقارب وبناء علاقات مع بعض رجال السلطة الطامحين للترقي المهني عبر تكديس الشواهد الجامعية. خاصة في بعض تخصصات الاقتصاد والقانون وعلم الاجتماع، حتى أن هناك ظاهرة بات الجميع يعرفها في وزارات الاقتصاد والعدل والداخلية وهي ظهور نوع من «هواة جمع الشواهد» على غرار هواة جمع الطوابع. ولأن الأمر يتعلق بهواية، فإن بعض رؤساء الماسترات في الجامعات يرون في ماستراتهم، والتي يعتبرونها كحدائق منازلهم، يفعلون فيها ما يشاؤون، يرونها مناسبة لخلق علاقات زبونية مع بعض رجال الأمن أو رجال السلطة أو الموظفين الكبار في الوزارات. والذين يفضلون أن يتباهوا أمام رؤسائهم أو أمام زملائهم بكونهم حاصلون على الماستر أو الدكتوراه، وأغلبهم لا يحضرون ولا يتابعون الدروس والمحاضرات بل يسلمون لوسطاء ملفاتهم ويتم تسجيلهم بدون انتقاء. فيغيبون إلى لحظة الامتحان، ليوقعوا محاضر الامتحانات كأي مجتهدين، ويغادروا وقد ضمنوا الشهادة.
رب قائل أننا نبالغ، لكني أجزم أن كل المطلعين عما يجري في جامعاتنا وكلياتنا يعرفون جيدا أن الواقع أسوء من أن يتم حصره في تحقيق صحفي. وأكبر من أن يكون موضوع ندوة تافهة تنظمها وزارة لحسن الداودي، حيث يستغل فيها هذا الأخير المناسبة ليلقي التفاهات يمنة ويسرة دون رقيب أو حسيب، فعندما نجد ماسترات ذات عناوين براقة، وخاصة في كليات الحقوق، والتي لها علاقة مباشرة بالاقتصاد والتدبير والإدارة والقانون، عناوين تساير الموضة المفاهيمية من قبيل الحكامة والتنمية وغيرها، ونجد أن هذه الماسترات تسجل مائتي طالب، لكن لا يتعدى عدد المداومين من الحاضرين بضعة عشرات، دون أن تتم محاسبة المتغيبين، فقط لأنهم ذوي نفود، تكلف رئيس الجامعة أو عميد الكلية شخصيا بتسجيلهم. إذ في الوقت الذي يداوم فيه أبناء الشعب على الحضور، متحملين تكاليف عيشهم في المدن الكبرى، من كراء وتنقل وتغذية وغيرها، فإن «زملاء» لهم في هذه المساترات أو مختبرات البحث، يعيشون في فيلاتهم، ويتنعمون بمكيفات الهواء في مكاتبهم الواسعة، ولم يروا الجامعات طوال حياتهم. وعندما يحين وقت الامتحانات يحصلون عبر بعض الأساتذة «الممتنين بالتعارف»، على «البوليكوب» ويجتازون الامتحانات «غير قدام الناس طبعا». ومن الطبيعي أن يحصلوا هذه الشواهد. وهنا لا نستغرب إطلاقا إذا وجدنا مسؤولين نافذين في الوزرات السابقة حاصلين على ثلاث دكتورات وثلاثة مساترات وبإجازة واحدة. نعم هذه حقيقة مؤسفة.
فما يجري في قطاع التعليم العالي عموما، والجامعات خصوصا مؤسف للغاية. فالقانون يحمي مؤسسات التعليم العالي من التدخل الحكومي، لكن الزبونية والمحسوبية تتحكم بوضوح في تعيينات عمداء الكليات ورؤساء الجامعات، وبل وأحيانا في رؤساء الشعب ورؤساء مختبرات البحث. ولنعطي الدليل الآخر على الفوضى، فإننا نعود مرة أخرى للمسؤول الحكومي على القطاع. فهذا الوزير يفتخر أنه وجد أخيرا حلا لمشكلات الخصاص في أساتذة التعليم العالي، لذلك قرر، بالرغم من رفض النقابة الممثلة للتعليم العالي، توظيف طلبة الدكتوراه بالتدريس بالتعاقد لمدة ثلاث سنوات مقابل أجر خمسة آلاف درهم.
طبعا الوزير يوهم الرأي العام الجامعي بأنه وجد الحل للخصاص، سيما في ظل الإحصاءات المهولة التي تتحدث عن التقلص الخطير في صفوف أساتذة التعليم العالي بسبب التقاعد. لكن الوجه الحقيقي لمساهمة الحكومة والوزير الداودي في كوارث التعليم العالي، هو أنه بدل أن يتم تخصيص مناصب مالية فعلية لتعويض الخصاص، فإنه سيتم الاكتفاء بالتعاقدات المؤقتة، حيث يتم استغلال حاجة طلبة الدكتوراه للمال، وتوظيفهم في تعاقدات لا تتعددى ثلاث سنوات، مع إجبارهم على قبول شرط عدم مطالبتهم بالتوظيف الرسمي. وهذا يعني أن الحكومة رفعت يدها رسميا من التعليم، ليس فقط التعليم المدرسي بل ومن التعليم العالي أيضا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى