هل يكون الجيش السوري «حصان طروادة» في الحرب ضد داعش؟
صحيفة «الديلي تلغراف» البريطانية المحافظة نشرت الجمعة مقالة للكاتب المعروف فريزر نيلسون المقرب من صناع القرار في بلاده، قال في أحد مقاطعها «رغم أنها تبدو فكرة مروعة إلا أن العمل مع الرئيس السوري بشار الأسد يبدو الخيار الوحيد المتاح للقضاء على الدولة الاسلامية»، وأضاف «الغارات الروسية تبدو أكثر نجاحا من غارات التحالف الأمريكي الخليجي لسبب رئيسي وهو أن لها قوات برية على الأرض وهي قوات الجيش السوري».
لا نعتقد أن هذه «الرؤية» التي تزامنت مع تصريحات غير مسبوقة لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري تحدث فيها عن إمكانية التعاون مع الجيش السوري، جاءت من قبيل الصدفة لمعرفتنا بطبيعة آلية إطلاق بالونات الاختبار عبر أجهزة الإعلام في العالم الغربي.
فرغم حالة العداء الواضحة بين التحالف الغربي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الروسي بقيادة الرئيس بوتين، تجاه الكثير من القضايا والملفات الملتهبة في العالم، وآخرها أوكرانيا، إلا أن بوادر الاتفاق بين الجانبين حول كيفية التعاطي مع خطر «الدولة الاسلامية» في سورية والعراق تتبلور يوما بعد يوم، وظهرت مقالات وتسريبات جريئة تقول «إن الروس كانوا على حق في تعاطيهم مع الأزمة السورية».
فمن العبارات المألوفة التي تتردد حاليا في وسائل إعلامية غربية، هي ما وردت على لسان سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي مثل «القذافي قُتل في ليبيا فهل أصبحت أحسن حالا»، وأخرى تقول «صدام أُعدم شنقا في العراق فهل أصبح العراق أكثر أمنا؟»، وثالثة تقول «التسامح مع فكرة وجود الرئيس بشار الأسد حبة دواء شديدة المرارة، ولكن يبدو أنه على ديفيد كاميرون (رئيس وزراء بريطانيا وقادة في الغرب ابتلاعها».
كيري وزير الخارجية الأمريكي بات يمهد تدريجيا لابتلاع حبة الدواء المُرة هذه، وأن يبّلعها للآخرين في الغرب وفي المنطقة العربية أيضا، ويتضح هذا بجلاء في قوله بالأمس، وتكراره اليوم، على هامش زيارته لليونان «لا بد من نشر قوات برية عربية وسورية، وليس غربية، لمواجهة تنظيم «الدولة الاسلامية»، لأنه لا يمكن كسب هذا الصراع بالضربات الجوية فقط»، وأضاف «إذا تمكنا من الوصول إلى عملية انتقال سياسي سيكون في الإمكان جمع الجيش السوري مع قوات المعارضة، والولايات المتحدة مع روسيا، لمحاربة «الدولة الاسلامية»، ونتوقع فوزا سريعا في تلك الحالة».
كان لافتا أن الوزير كيري لم يتطرق بشكل صريح وواضح إلى مسألة رحيل الرئيس بشار الأسد كشرط للاستعانة بالجيش السوري، وهذا تطور مهم، ورسالة واضحة، تقول «إنه لم يعد من الضروري أن يرحل الرئيس السوري الآن على الأقل».
هذا التحول الكبير في الموقف الأمريكي جاء حتما بعد تعزز التدخل العسكري الروسي في سورية، وأزمة إسقاط الطائرة الروسية التي وضعت تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان في عزلة وموقف حرج، وتبخر رهانها على إقامة مناطق عازلة في شمال سورية، مما دفعها إلى رفع علاقاتها الدبلوماسية مع اسرائيل إلى مستوى القائمين بإدارة الأعمال وتوقيع اتفاقات لاستيراد الغاز القطري المسال كأحد البدائل للغاز الروسي.
الوزير كيري شدد على أن «قوات عربية» وليست غربية هي التي يجب أن تتولى مسؤولية الحرب للقضاء على «الدولة الاسلامية»، وإذا تمعنا في خريطة الحرب على الأرض السورية طوال السنوات الخمس الماضية، نجد أن جميع الدول العربية، بالإضافة إلى تركيا، لم ترسل جنديا واحدا من قواتها لمحاربة «الدولة الاسلامية»، واكتفت بالمشاركة الرمزية من خلال إرسال بضع طائرات مقاتلة، والأخطر من ذلك أن بعض الدول الخليجية متهمة بتمويل «الدولة الاسلامية» وتسليحها، بينما تواجه تركيا اتهامات أخرى بشراء نفطها وتسويقه.
الاستعانة بالجيش العربي السوري باتت مرهونة بتحقيق تقدمين أساسيين: الأول، في اجتماعات المعارضة السورية في الرياض الثلاثاء المقبل ونجاحها في اختيار وفد موحد لتمثيلها في مفاوضات مع النظام حول طبيعة وصلاحيات الفترة الانتقالية، والثاني، اتفاق وزراء خارجية دول منظومة فيينا في اجتماعهم المقبل في نيويورك في اعتماد خريطة طريق لمفاوضات المعارضة والنظام، وتطبيق النقاط التسع لتسريع التوصل إلى حل سياسي وفق الجدول الزمني المتفق عليه.
هل سنرى نبوءة، أو بالون اختبار، جون كيري المتمثلة في قتال الجيش العربي السوري والمعارضة المسلحة في خندق واحد ضد «الدولة الاسلامية» تتحقق مع مطلع العام الجديد؟
نظريا هذا التطور غير مستبعد.. عمليا يبدو صعب التحقيق للعقبات الضخمة في طريقه.. والإجابة الأوضح قد تأتي من خلال مؤتمر المعارضة في الرياض ونجاحه في تجاوز العديد من الألغام شديدة الانفجار التي تقف في طريقه (ارتفع عدد المشاركين من 25 إلى مئة مشارك والجرد مستمر)، وما علينا إلا الانتظار وتوقع الكثير من المفاجآت، فتورط السعودية في هذه المهمة الصعبة لا يقل عن خطورة تورطها، أو توريطها، في حرب اليمن، فالأول يشكل اختبارا جديا لنفوذها السياسي، والثاني، لقوتها العسكرية، ونأمل أن يكون حظها في المهمة الأولى أفضل من نظيره في الورطة الثانية.