هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون
بدأت بعض المنتديات في استضافة سياسيين وأمناء الأحزاب السياسية للحديث من صالات فيلاتهم الفارهة عبر الأنترنيت بطريقة سكايب حول مواضيع سياسية من تلك المواضيع التي تبدأ بكلمات من قبيل “الظرفية الراهنة” و”البعد التشاركي” و”السياسات المندمجة” وما إليها من عبارات جوفاء اعتاد السياسيون لوكها كلما وضع أمامهم أحد ميكروفونا.
أول هذه المنتديات كانت مع نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية الذي غادر الحكومة قبل بضعة أشهر بعدما شارك في كل الحكومات السابقة قبل عشرين سنة بيمينها ويسارها وإسلامييها بنسختيهم الأصلية والمعدلة جينيا.
عندما تستمع إلى الرجل يتحدث ويعطي الدروس والنصائح لمن يصنعون السياسات العمومية كما لو أنه لم يكن وزيرًا قط ولم يكن لديه وزراء من حزبه يسيرون قطاعات حساسة كالصحة والماء والسكنى والشغل، ندرك أن سياسيينا يعيشون فعلا داخل فقاعة معزولين عن الواقع، منغمسين كليًا في التفكير في ذواتهم المتخمة بالعجرفة والتعالي الفكري المصطنع، فيما الواقع تتفاعل فيه قضايا حارقة وآنية تتعلق أساسًا بضمان الحياة والسلامة للوطن والمواطنين.
بنعبد الله في مداخلته انتقد خوصصة بعض القطاعات الاجتماعية، ونسي أن حزبه سير وزارة الصحة لمدة ست سنوات، ومرر في عهد حكومة بنكيران قانونا يتم بموجبه فتح المصحات الخاصة، وهو القانون الذي فتح الباب أمام الاستثمار التجاري في الصحة، بإعطاء حق حيازة المصحات الخاصة للشركات التجارية والسماح للأطباء بتأسيس شركات وفق مقتضيات القانون التجاري المغربي، وإخضاع المريض للمنطق الذي سيفرضه نظام السوق التجاري.
بنعبد الله أعطى كذلك الدروس بخصوص الاستقلال الاقتصادي وتشجيع الصناعة الوطنية، وخاصة في قطاع الصحة، وهنا ليسمح لنا الرفيق نبيل أن نذكره بما ارتكبه رفيقه وزير الصحة الأسبق الحسين الوردي، وجاء رفيقه وزير الصحة السابق أنس الدكالي، لإتمامه، وذلك بتدمير الصناعة الدوائية الوطنية، بحيث ازداد في عهدهما نشاط الشركات الأجنبية متعددة الجنسية، التي أصبحت متغلغلة داخل أروقة وزارة الصحة عبر أذرع مدير مديرية الأدوية جمال توفيق الذي تمت إقالته دون محاسبته، والذي لفرط صلابة جبهته أقام حفلا في فندق بمراكش احتفالا بإقالته .
وفي عهد وزيري التقدم والاشتراكية ارتفعت أنشطة استيراد الأدوية على حساب الصناعة الوطنية، ونتيجة لسياسة رفاق بنعبد الله بوزارة الصحة، تراجعت الصناعة الدوائية الوطنية في السنوات الأخيرة من 70% إلى أقل من 40% حاليا، ما يؤكد هيمنة نموذج استيراد الأدوية من أجل الاستهلاك عوض تشجيع الصناعة الوطنية، التي نحن الآن في أمس الحاجة إليها بسبب هذه الجائحة.
عندما تتابع وسائل الإعلام الأوربية تكتشف أن النقاش الذي ينشطه السياسيون ينصب حول ما بعد رفع حالة الحجر الصحي وحالة الطوارئ، لأن هذا الموضوع هو ما يهم كل شرائح المواطنين على اختلاف طبقاتهم ودرجات وعيهم وثقافتهم. الجميع يريد أن يعرف متى وكيف سيغادر الكهف.
لذلك فمواضيع مثل تلك التي تثار اليوم في بعض المنتديات تعتبر متجاوزة وخارج السياق والزمن المغربيين والدوليين.
والواقع أنه في هذه الظروف العصيبة تعطى الكلمة للأطباء والباحثين والعلماء لكي يتحدثوا في ما ينفع الناس، أما السياسيون فقد سئم الجميع سماع صوتهم وأصبح يشمئز من رؤية خلقتهم، لأنهم يتحملون جزءا كبيرا من المسؤولية في ما يقع لنا اليوم، وذلك بإهمالهم لدعم قطاعي الصحة والتعليم ودعمهم لخفض ميزانيات هذين القطاعين.
ولذلك فإنني أجد أن الاستماع إلى وجهة نظر الدكتور شكيب العراقي، التي تروج في أوديو مسجل على تطبيق الواتساب، أفيد بكثير من إضاعة الوقت في الاستماع إلى هلوسات هؤلاء السياسيين.
وشخصيا أجد وجهة نظر الدكتور وجيهة وقابلة للنقاش، ولم لا للاعتماد، إذا وجدت السلطات الصحية أنها يمكن أن تكون حلًا ممكنًا لتخفيف الضغط على الوحدات الصحية والأطقم العاملة بها، ووقف زحف العدوى التي تتفشى داخل الأوساط العائلية وفي أحياء بكاملها.
ماذا يقترح الدكتور العراقي؟
حسب وجهة نظر الدكتور فإن حالة الطوارئ في المغرب لا يمكن أن تستمر طويلًا، وذلك بالنظر إلى طبيعة الاقتصاد المغربي غير المهيكل في جانب كبير منه. أي أن الناس في حاجة إلى الخروج للعمل من أجل الحصول على الخبز اليومي. طبيعي أن نكون معجبين بالنموذج الكوري والصيني والألماني والسنغفوري، سوى أن هذه الدول دول غنية ذات اقتصادات صلبة، لذلك فنحن بحاجة إلى نموذج مغربي خاص يراعي إمكانياتنا المحدودة.
الحل بالنسبة إليه هو أنه يجب اعتماد علاج كل مصاب بأعراض الزكام مع علاج كل الأشخاص المحيطين به بعقار كلوروكين وسولفات ديدروكسيكلوروكين، وتكلفة هذا العلاج لن تتعدى 100 درهم لكل مريض.
ويقترح الدكتور العراقي أن لا يتم اللجوء للفحص بالأشعة وبقية الفحوصات لأن ذلك مكلف ويكفي أن تظهر أعراض الأنفلونزا على شخص ما حتى يكون بمستطاعه أن يزور طبيبا متخصصا في أمراض الجهاز التنفسي لكي يصف له العلاج الذي لا يدوم أكثر من عشرة أيام، خصوصًا الأطباء المتخصصين في أمراض السل والأمراض الوبائية.
ويبدو أن وزارة الصحة أخذت، ولو جزئيا بهذا الرأي، وقررت في مراسلة موجهة للمسؤولين الجهويين عن الصحة ومدراء المراكز الجامعية الاستشفائية، ضرورة استعمال دواء كلوروكين لعلاج كل الحالات التي تظهر عليها أعراض الفيروس حتى قبل ظهور نتائج التحليلات الطبية، لربح الوقت وقبل تفاقم الوضعية الصحية للمصابين.
احترام التعليمات الصادرة عن السلطات في ما يخص تطبيق الحجر الصحي وارتداء الكمامة هو ما سيمكن بعد رفع حالة الطوارئ والحجر الصحي من السماح للناس بالذهاب إلى مقرات عملهم، مع فرض التباعد الاجتماعي داخل أماكن العمل وتشديد المراقبة، من طرف مفتشي الشغل مثلًا، من أجل ضمان احترام أرباب الشركات والمدراء لهذا الإجراء.
هكذا نكون قد ضربنا عصفورين بحجر واحد: من جهة ننقذ الشعب من العدوى، ومن جهة أخرى ننقذ الاقتصاد من الشلل.