شوف تشوف

الرأي

هل ورطّت أمريكا حكومة أردوغان بصورة مباشرة في الرمال السورية الملتهبة؟

حصلت الحكومة التركية رسميا على دعم حلف «الناتو» «السياسي» للحرب التي بدأت في شنها ضد قوات «الدولة الإسلامية» في العراق وسورية، أثناء الاجتماع الطارىء لمندوبي الحلف في بروكسل. ولكن الرئيس رجب طيب أردوغان يريد ما هو أكثر من ذلك، أي «حماية عسكرية أيضا»، لأن بلاده تتعرض لهجوم ومن حقها الدفاع عن نفسها، وربما لأنه لا يدرك أن المستقبل محفوف بالمخاطر، وهو محق في ذلك.
لا نعرف عن أي هجوم يتحدث الرئيس أردوغان، فهل هو ذلك الذي نفذته قوات تابعة لحزب العمال الكردستاني على أحد المخافر الحدودية، أم الآخر الذي اتهمت قوات «الدولة الإسلامية» بتنفيذه قبل أيام في مدينة سروج وأدى إلى سقوط 32 قتيلا معظمهم من الأكراد؟
هجوم سروج الانتحاري الذي أكد السيد أحمد داوود أوغلو، رئيس الوزراء التركي، أن منفذه ينتمي إلى «الدولة الإسلامية»، ما زال يتسم بالغموض، فحتى كتابة هذه المقالة لم تعلن هذه «الدولة» مسؤوليتها عن تنفيذه، كما أنها لم تنف في الوقت نفسه اتهامات السيد أوغلو، وفضلت الالتزام بفضيلة الصمت على غير العادة، وهي التي تبادر دائما بتبني عمليات مقاتليها في أي مكان في العالم، مثلما حدث في الهجمات التي استهدفت مجلة «شارلي إبدو» الفرنسية، أو الهجوم الأخير على المنتجع السياحي في مدينة سوسة وراح ضحيته 38 سائحا أوروبيا معظمهم من البريطانيين، أو هجمات سيناء ضد الجيش المصري، والقائمة تطول..
طوال السنوات الأربع الماضية لم يكن هناك أي حديث عن هجمات تزعزع استقرار تركيا، بل امتداح لدعمها المعارضة السورية المسلحة، استضافتها لمؤتمرات الائتلاف الوطني السوري ذراعها السياسي والاعلامي، ومرور المقاتلين بالآلاف ومعهم المليارات من الدولارات عبر أراضيها، أو بنوكها، إلى الجماعات الإسلامية المعتدلة أو المتشددة التي تقاتل لإسقاط النظام السوري. فما الذي تغير الآن، وأصبحت تركيا تنحدر تدريجيا، بطريقة أو بأخرى، نحو النموذج السوري؟
الخطأ الأكبر الذي وقع فيه الرئيس أردوغان- في نظرنا- هو سوء تقديره لقوة خصومه، والنظام السوري وحلفائه، وقدرة هذا النظام على الصمود طوال هذه السنوات، مع التسليم بخسارته العديد من المناطق والمدن لصالح المعارضة المسلحة المدعومة من المثلث التركي القطري السعودي، وخاصة «الدولة الإسلامية» وتحالف «جيش الفتح» الذي يضم «جبهة النصرة» و«أحرار الشام».
إعلان تركيا الحرب على «الدولة الإسلامية» صراحة باعتبارها تشكل تهديدا إرهابيا على المنطقة وأوروبا وأمريكا، سيطرح العديد من الأسئلة على الحكومة التركية حول استثنائها فصائل إسلامية لا تقل تشددا عن «الدولة الإسلامية»، مثل «جبهة النصرة» و«أحرار الشام» الفرعين الرئيسيين لتنظيم «القاعدة» في سورية، رغم أن الرئيس أردوغان احتاط مسبقا لمثل هذا التساؤلات عندما قال على استحياء شديد إن حربه ضد الإرهاب ستشمل كل الفصائل المتشددة الأخرى.
ثلاث سنوات والمبعوثون الأمريكيون يترددون على أنقرة لإقناع الرئيس أردوغان بالانضمام إلى الحرب ضد «الدولة الإسلامية»، ولكنه ظل يماطل ويفرض شروطا شبه تعجيزية، من بينها ضرورة إقامة مناطق آمنة أو حظر جوي داخل الأراضي السورية، وقيل إن واشنطن وافقت على بعض هذه المطالب، ومن بينها المنطقة العازلة شمال سورية بمحاذاة الحدود التركية بعمق خمسين كيلومترا وبطول 90 كيلومترا، لإعادة توطين 1.7 مليون لاجئ سوري يقيمون حاليا في تركيا. ولكن واشنطن تلتزم الصمت حيال هذه الأقوال، وتؤكد أنها لم توافق على مناطق حظر جوي، الأمر الذي زاد الوضع غموضا.
الرئيس أردوغان يوافق «مكرها» على خوض حرب ضد «الدولة الإسلامية» على أمل الحصول على دعم واشنطن وحلف «الناتو» في حربه ضد حزب العمال الكردستاني الانفصالي الذي يتصدر قائمة أعداء تركيا منذ أربعين عاما، والمصنف على قائمة الإرهاب الأمريكية، وكذلك وحدات حماية الشعب الكردي التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي المتهم بأنه ذراع للحزب الأول، ويقاتل «الدولة الإسلامية» بشراسة في «عين العرب» و«الحسكة» و«تل أبيض» شمال سورية بدعم من الطائرات الأمريكية.
تركيا باتت تجد نفسها، وبعد 15 عاما من الأمن والاستقرار، تنزلق إلى حرب على جبهتين في مواجهة عدوين شرسين «سنيين» إذا جاز التعبير، الأول كردي يمثل 18 مليون إنسان في تركيا وحدها، والثاني إسلامي متشدد عابر للحدود والقارات «الدولة الاسلامية»، والانتصار فيهما، أو في إحداهما، قد يحتاج إلى وقت طويل وسيكون مكلفا ماديا وبشريا، في وقت تتراجع نسبة النمو من سبعة إلى ثلاثة في المائة، وتزداد أزمة تشكيل الحكومة الائتلافية تعقيدا.
واذا صحت التسريبات الأمريكية التي نشرها موقع «وللا» الاسرائيلي القريب من أجهزة الاستخبارات التي تقول إن الرئيس باراك أوباما يجري اتصالات مع روسيا بشأن الملف السوري، تعكس ميلا أمريكا للتوصل لحل للأزمة يقوم على إبقاء الرئيس بشار الأسد في موقعه في إطار صفقة الاتفاق النووي مع إيران، لعدم تكرار أخطاء العراق وليبيا، فإن تركيا قد تكون من أبرز المتضررين، وهي التي وضعت حكومتها كل بيضها في سلة رهان سقوط النظام السوري.
لا نستبعد أن تكون هذه التسريبات تنطوي على بعض الصحة بالنظر إلى «بالون الاختبار» الذي أطلقه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في حضور السيد وليد المعلم، وزير خارجية سورية، في موسكو، وتحدث فيه عن تحالف رباعي تركي- سعودي أردني- سوري يتولى مسؤولية الحرب على «الدولة الإسلامية»، وهو الاقتراح الذي لم ترفضه أي من الدول المذكورة علنيا ورسميا.
لا نريد أن نستبق الإحداث، ونكون نذير شؤم، ونقول إن مخطط تفتيت المنطقة يقترب تدريجيا من تركيا، إحدى الدول الأبرز التي شاركت فيه، اعتقادا من قيادتها أنها «محصنة» من تداعياته، بحكم تماهيها معه، ودعمها للجماعات المسلحة بشكل مباشر أو من وراء ستار، ولكن من الواضح أن «فيروس» هذا المخطط بدأ يصيب الجسم التركي بشكل أو بآخر، ولا نستبعد أن ينتقل إلى دول أخرى مثل المملكة العربية السعودية، التي بدأت تنجرف تدريجيا إلى المصيدة اليمنية، بالطريقة نفسها التي انجرف إليها الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في الكويت، مع فارق أساسي أن السعودية تتورط جوا، بينما تورط الرئيس العراقي برا، لضعف سلاحه الجوي وانتهاء عمره الافتراضي، ولكن لا نستغرب أن تكون النتيجة متشابهة إن لم تكن متطابقة، من المستحيل حسم الحرب في اليمن جوا فقط.
تركيا ظلت طوال الأعوام الأربعة الماضية تتدخل في شؤون جيرانها لتغيير الأنظمة عبر وكلائها، ولكنها اليوم تجد نفسها مضطرة لتغيير قواعد اللعبة، وتمسك زمام التدخل بنفسها، بما في ذلك إرسال قواتها البرية إلى الأطراف السورية إن آجلا أو عاجلا.
إقامة منطقة عازلة ربما كانت فكرة صائبة في بداية الأزمة السورية لاستيعاب اللاجئين السوريين، والحكومة السورية المستقبلية معا»، ولكن الآن، وبعد أن قوي خطر «الدولة الإسلامية» والجماعات «الجهادية» الأخرى، وتراجعت أهمية القوى المعتدلة سياسيا وعسكريا، قد يترتب على قيام هذه المنطقة نتائج عكسية، فمن يضمن أن لا تتسلل «الدولة الإسلامية» إلى هذه المنطقة، وتحتمي بها من الغارات الجوية الأمريكية، وتجد حاضنة سورية فيها على غرار الرقة والموصل ودير الزور.
تركيا تقف مجددا أمام خيارات صعبة، ويحمل رئيسها أكثر من «بطيخة» من الوزن الثقيل ويبذل جهودا كبيرة لمنع سقوط إحداها أو معظمها، وهذه مهمة صعبة للغاية.
الرئيس أردوغان أمام خيارات صعبة، ويغرق تدريجيا في الرمال السورية الملتهبة، فهو سيخوض حربا ضد عدوين ينخرطان في حرب دموية ضد بعضهما البعض، وقد يوحدهما، بدون اتفاق ضده، وهنا المفارقة الكبرى.
لا نستبعد أن يخسر الرئيس أردوغان وحكومته «الدولة الإسلامية»، ولكنه حتما لم يكسب الأكراد إلى صفه.. إنه وضع في قمة الصعوبة والتعقيد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى