هل هناك أي فائدة من صيغة «جنيف الجديدة»؟
تتفاقم الخلافات بين فصائل المعارضة السورية حول تركيبة الوفد المفاوض بسبب تعدد المرجعيات الدولية والاقليمية التي تقف خلفها، الأمر الذي لا يرجح تأجيل انعقاد الجلسة الأولى من الحوار المقررة في جنيف الاثنين المقبل فقط، وإنما نسف هذا الحوار قبل أن يبدأ، في تكرار لصيغة جنيف الأولى.
الحكومة السورية لم تجد أي صعوبة في تشكيل وفدها، وهذا متوقع، وكان لافتا اختيارها السيد بشار الجعفري رئيسا للوفد، الذي يعتبر أحد الصقور، وتكليف السيد فيصل مقداد نائب وزير الخارجية، وهو من «الحمائم»، مشرفا عاما، الأمر الذي يعتبر تخفيضا لمستوى الوفد، بالمقارنة مع الجولة الثانية من مفاوضات مؤتمر جنيف التي رأس الوفد السوري فيها السيد وليد المعلم وزير الخارجية، مما يعكس تراجع حجم آمالها واهتماماتها، وربما نواياها تجاه هذه الجولة من المفاوضات التي جاءت تطبيقا لخريطة طريق اعتمدت بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.
«الحكومة الموازية» التي يرأسها السيد رياض حجاب رئيس الوزراء المنشق، وتدعمها، وتستضيف مقرها، المملكة العربية السعودية في عاصمتها الرياض، أعلنت عن وفدها برئاسة العسكري أسعد الزعبي، واختارت عسكريا آخر هو محمد علوش، وريث الراحل زهران علوش، زعيم «جيش الإسلام»، كبيرا للمفاوضين، وكان أول قرار اتخذته هذه «الحكومة» التهديد بمقاطعة المفاوضات في حالة إضافة أي عضو إلى الوفد المفاوض، فأما قبوله كما هو، والاعتراف بشرعيته، أو لا مشاركة، وهذا الموقف يتعارض كليا في نظر الكثيرين، مع صيغ التعايش الديمقراطي التي من المفترض أنها من أبرز مبادىء المعارضة وقيمها.
هذا الموقف المتصلب دفع ستيفان ديمستورا المبعوث الأممي المسؤول عن الملف السوري إلى الخروج عن طوره الدبلوماسي، واتهام السعودية بعرقلة مفاوضات جنيف، وروسيا إلى الرد باقتراح مشاركة وفدين يمثلان المعارضة السورية، واحد يمثل معارضة الرياض، والثاني المعارضات الأخرى، التي أبعدت أو قاطعت مؤتمر الرياض، وهناك اقتراح بتكليف المبعوث الدولي ديمستورا بتشكيل وفد مناصفة برئاسة مشتركة، كمخرج من هذه الأزمة، انطلاقا من مقولة «أن آخر العلاج الكي».
وفد الرياض المفاوض يعترض، وبدعم من تركيا وقطر، على مشاركة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي يرأسه السيد صالح مسلم، بحجة أنه مقرب من النظام، ويضع «فيتو» على أي وجود للسيد قدري جميل من معارضة الداخل للسبب نفسه ولقربه من موسكو، ولا يريد هيثم مناع، رئيس تيار «قمح»، رغم أنه دعي لمؤتمر الرياض واختار المقاطعة لاعتراضه على مشاركة منظمات إرهابية نسفك دماء الشعب السوري، أي أنه (مؤتمر الرياض) يعتبر نفسه هو الذي يقرر من هو معارض شرعي، ومن هو غير شرعي، ومن يجب أن يشارك في مفاوضات جنيف أو يستبعد منها.
الروس ومعهم الحكومة السورية والسيد مناع يقولون بدورهم أنهم لا يقبلون وجود «مجرمي حرب» مثل السيد محمد علوش، في أي وفد مفاوض، لأن جيش الاسلام الذي ينتمي إليه مارس أعمال القتل والقصف للشعب السوري، بينما تعترض هيئة التنسيق الممثلة في الوفد المفاوض المدعوم سعوديا على تعيين رئيس الوفد وكبير المفاوضين من المعارضة المسلحة.. متاهة ما بعدها متاهة وخلافات لها أول وليس لها آخر.
وهناك جبهة معارضة أقوى من الجميع لوجودها بقوة على الأرض تتمثل في «جبهة النصرة»، وزعيمها أبو محمد الجولاني، الفرع الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سورية، الذي وصف جميع المشاركين في مؤتمر المعارضة في الرياض بـ«الخونة»، وهدد بتصفيتهم، أما «الدولة الاسلامية» التي تسيطر على ثلث سورية، إن لم يكن أكثر، فقد تجاهلت الأمر برمته، وكأن ما يجري لا يعنيها، ولا يستحق أي بيان إدانة أو تخوين، ولعلها تعطي الأولوية لـ«تمددها» في ليبيا، ومحاولة الاستيلاء على «هلالها» النفطي في رأس لانوف والبريقة والزويتينية.
مؤتمر جنيف سواء عقد في موعده أو تأخر يومين أو ثلاثة، أو حتى شهر، ما هو إلا محاولة من القوى العظمى لكسب الوقت، وإشغال الأطراف السورية، أي مثل «خض الماء» أو طحن الحصى»، لأن هناك اتفاقا بين جميع الأطراف الاقليمية والدولية بأن الحل السياسي ما زال بعيدا، وأن المسألة الأساسية هي كيفية إدارة الأزمة السورية، وليس حلها.
المفارقة الغريبة أن مطالبات بعض فصائل المعارضة السورية السائدة طوال السنوات الخمس الماضية، والقوى الداعمة لها، في وضع «فيتو» على بقاء الرئيس بشار الأسد، تحولت إلى «فيتو» على مشاركة هذا المعارض أو ذاك، في مفاوضات مع حكومة هذا الرئيس، والوفد الذي يمثله.
أي طرف كان يتحدث، أو يلمح إلى «التفاوض» مع النظام السوري ورئيسه كان يعتبر خائنا يجب محاكمته، وإصدار عقوبة الإعدام في حقه، الآن تغيرت المطالب والأولويات، وتغيرت الأدبيات والمواقف، حسب إملاءات الأطراف الداعمة، أمريكية كانت أو روسية وسبحان مغير الأحوال، وباتت فصائل وجبهات وشخصيات سورية تتنافس فيما بينها على عضوية الوفد المفاوض مع هذا النظام، وسبحان مغير الأحوال.
معظم الأطراف، أو جميعها، تؤكد أن الحل السياسي هو المخرج الوحيد للازمة السورية، بينما تتبنى معظمها، أو كلها، الحل العسكري الذي سيحدد الخرائط على الأرض التي ستتبلور حدودها بعد تبدد غبار المواجهات في نهاية المطاف.
صمت السيد عادل الجبير هذه الأيام، وعدم تكرار جملته الموسيقية الأثيرة إلى قلبه «بأن الأسد يجب أن يرحل سلما أو حربا» توحي بالكثير.