شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرثقافة وفن

 هل من حاجة إلى الوكيل الأدبي؟

 

 

 

شهدنا، في الآونة الأخيرة، حراكا محموما في الأوساط الثقافية، خاصة في بعض البلدان العربية في الخليج ومصر، يتمثل في الدعوة إلى تبنّي وسيط ثقافي تحت مسمّى «الوكيل الأدبي» كحلقة أساسية في الإنتاج الأدبي بين المؤلف ودور النشر، مهمته، كما حددها الكاتب السعودي حاتم الشهري أحد المتحمسين لهذه الفكرة، تتمثل في تجسيد دور الوكيل الأدبي لنقطة اتصال بين المبدع وجميع الجهات ذات العلاقة، وأنّ الجهات ذات العلاقة، كما يتبادر إلى الفهم، هي الناشر والمؤلف والموزع، وينتهي بالقول إنّ مهنة الوكيل الأدبي عرفها الغرب منذ زمن طويل، وساهمت في إثراء المشهد الثقافي والأدبي، وأنّ بلداننا العربية ما زالت متأخرة في هذا الشأن.

 إعداد وتقديم: سعيد الباز

إنّ هذه المهنة الجديدة تقتضي بالضرورة إنشاء وكالات أدبية تشتغل وفق تراخيص وقواعد قانونية. ويتابع حاتم الشهري، محددا مهام الوكيل الأدبي، قائلا: «الوكيل الأدبي هو وكيل يعرض الكتّاب وكتبهم إلى الناشرين، ويكون وسيطاً وحلقة وصل بين المؤلف ودار النشر. والوكيل الأدبي من مهامه تنظيم هذه العملية ليحصل كل طرف على حقوقه، ويؤدي واجباته قدر الإمكان. إن الوكيل الأدبي لا تنحصر مهمته على البحث عن دور نشر مناسبة للمؤلفين، بل يذهب إلى أبعد من ذلك من تدقيق العقود، وتجويدها، وكذلك البحث عن أفضل صفقة ممكنة في جميع أوعية النشر (الورقية والصوتية، والدرامية والمسرحية). إنّ مفهوم الوكيل الأدبي هو مفهوم جديد على الساحة العربية، ولذلك يكتنف هذا المصطلح الكثير من الغموض لاسيما عند المؤلفين وبعض دور النشر».

أثارت هذه الدعوة جدلا كبيرا بين المثقفين والمؤلفين، خصوصا بعد إحداث وكالات أدبية في كل من العربية السعودية والإمارات ومصر، فهناك من رحب بالفكرة وبهذا القادم الجديد إلى الساحة الأدبية الذي سيسهم في الحفاظ على مصالح الكُتّاب المادية والمعنوية خلال عملية النشر والتوزيع. وهناك من رأى أنّ سوق النشر العربية في غير حاجة لوكالات أدبية، وذهب البعض إلى رفضها على اعتبارها مجرّد تجارة قد تضرّ بالمؤلف أو قد تبتزه، أو على الأقل قد تجعل من الوكيل الأدبي سلطة تملك وصاية على المؤلف وتسهم في تعميم الرداءة حين تركّز على تقاضي أموال من الكُتاب من أجل نشر أعمالهم بغضّ النظر عن مستوى أعمالهم الأدبية. وتبقى الأسئلة مطروحة: هل من حاجة إلى الوكيل الأدبي؟ هل استحداث هذه الوظيفة في عالم النشر سيشكّل عبئا إضافيا؟ وهل هي محض ترف ثقافي؟

عبد المجيد سباطة.. الوكيل الأدبي قد يمثل عبئا إضافيا

 

ربما لا أستطيع تقديم إجابة دقيقة في شأن العلاقة بين الكاتب المغربي والناشر على مستوى النشر والتوزيع والحفاظ على حقوق المؤلف، نظرا لضبابية المشهد بشكل عام. فدور النشر العربية «على كثرتها» تبقى تجارب فردية، لكل منها خصوصيتها وطريقة إدارتها لأعمالها وعلاقتها مع الكاتب والسياق الثقافي والأدبي العربي بشكل عام، لكن الأكيد هو غياب إطار محدد ينظم هذه العلاقة بين الكاتب والناشر وفق قوانين واضحة، بل إن مشاكل أساسية مازالت حاضرة، سواء تعلق الأمر بالتوزيع، أو وضوح العدد الحقيقي للنسخ المبيعة، أو حتى وجود عقود من أساسه أحيانا، ما يجعل حقوق المؤلفين رهينة طبيعة علاقتهم بالناشرين، واحترام بعض هؤلاء لأخلاقيات المهنة، واختيار آخرين ضرب كل ما سبق عرض الحائط.

أمّا في ما يتعلق بمسألة استحداث وسيط أدبي تحت مسمّى «الوكيل الثقافي» وإنشاء «وكالات أدبية» تُعنى بمتابعة الكاتب خلال مرحلة الكتابة تتكلف بالحفاظ على حقوقه، ومن منطلق تجربة متواضعة في الميدان، أستطيع القول بأنني معجب للغاية بفكرة الوكيل الأدبي، الرائجة إلى حد كبير في الفضاء الأنجلوسكسوني، من الولايات المتحدة الأمريكية إلى بريطانيا، مع حضور محتشم إلى متوسط في فرنسا، وقد دفعني هذا الإعجاب إلى تضمين روايتي «الملف 42» شخصية وكيل أدبي أمريكي له علاقته الوطيدة والطويلة بكاتبة كانت شخصية رئيسية في العمل، ولهذا الوكيل دور محوري في سير الأحداث، وإن كان ظهوره ثانويا. فالوكيل الأدبي يرسخ فكرة ضرورة «تفرغ» الكاتب لعمله الإبداعي حصرا، دون الدخول في متاهات العقود والمفاوضات والترويج وخلافه، من «مشتتات» يجد الكاتب العربي نفسه مضطرا للتعامل معها بنفسه، وقد استطاع عدد من الكتاب العرب، ممن تجاوزت أعمالهم الأدبية فضاء الدول العربية إلى «العالمية»، التعامل مع وكالات أدبية، كان لها الدور الحاسم في ترجمة هذه الأعمال إلى لغات مختلفة، وربما نقلها إلى خشبة المسرح أو شاشات السينما، لكنها تبقى تجارب قليلة ومحدودة، مرتبطة بـ«حظ» هؤلاء الكتاب، لا بسياق عام تحظى فيه الأعمال العربية المنشورة بإقبال هائل لا يقل عن مئات الآلاف من النسخ للعمل الواحد، بما يسمح بخلق ديناميكية يتعاون فيها الناشر والكاتب عبر وسيط يتولى كل التفاصيل «التقنية»، ولهذا فإن الإعجاب الذي أبديته لا يعني بالضرورة المبالغة في الحماسة لفكرة استحداث الوكيل الثقافي أو الوكالات الأدبية في المنطقة العربية «الآن»، بالنظر إلى الفوضى التي يعرفها الميدان، ومشاكل التوزيع المعتادة داخل البلد الواحد، فما بالك بين البلدان العربية، ثم عدم وجود إحصائيات دقيقة لعدد النسخ المبيعة، ونشر بعض الأعمال بلا تدقيق ولا تحرير ولا حتى عقود أحيانا، وصولا إلى الواقع الذي يجعل بيع ألف نسخة من عمل واحد حدثا استثنائيا أصلا، مع ما يعنيه ذلك من أرباح شحيحة قد لا يحصل منها الوكيل سوى على «الفتات».

في ما يتعلق بي، سبق أن رُشحت روايتي لوكيل بريطاني معروف، وكان متحمسا لفكرتها وأحداثها، لكنه سرعان ما تراجع، لما قال إنه اهتمام غربي بآداب عربية من جنسيات معينة، تحظى بالرواج هناك لأسباب مختلفة، وهو ما فهمته في ما بعد عندما علمت أنه وكيل روائيين عراقيين تناقش أعمالهما مرحلة ما بعد الاحتلال الأمريكي وقضية الإيزيديين إلخ.

وفي لقاء جمعني بممثلي بعض دور النشر الفرنسية في باريس، في إطار مشاركتي في ورشة تكوينية حول الترجمة الأدبية، صرح هؤلاء ألا مانع لديهم في الانفتاح أكثر على الأدب العربي وترجمته إلى الفرنسية، لكن واقع «السوق» يفرض نفسه، مع هيمنة الأدب الأنجلوسكسوني الذي يحظى بنصيب الأسد لدى القراء، فيصعب الرهان عندئذ على عمل بالكاد باع مئات النسخ في عموم الدول العربية، إلا في حالات نادرة لها خصوصيتها، وفي معظم الأحيان تكون ترجمة عمل عربي إلى الفرنسية أو الإنجليزية حدثا لـ«الاحتفاء» والمشاركة في بعض المعارض فقط، لا الرهان على الانتشار الواسع بين القراء.

بالعودة إلى ما سبق، قد يقول قائل إن الوكيل الأدبي هو الحل، وهو من سيتكفل بتنظيم هذه «الفوضى» التي أشرت إليها أعلاه. أتمنى ذلك فعلا، لكنني سأكون واقعيا وأقول إنه لن يقدم الإضافة المرجوة «حاليا»، قبل حل مجموعة من المشاكل الحقيقية في قطاع النشر، بل بالعكس، قد يمثل عبئا إضافيا، وربما مجرد ترف لدى البعض، ممن تغريهم تلك الإجابة المترفعة: «أنا مشغول، أرجو التواصل مع وكيلي الأدبي لمناقشة هذه الأمور…».

صالح لبريني.. الوكيل الأدبي أمر طارئ يثير الحيطة والاحتراس

 

أعتقد أنّ العلاقة التي تربط الكاتب بالناشر غير موجودة، مادام الخلل قائما في الواقع الثقافي والمؤسسة الثقافية، وبالتالي حتى وإن تحدثنا عنها، فنحن ننكأ جرحاً غائراً، ومستفحلاً له آثاره السلبية على حياة الكاتب والممارسة الثقافية، لأن الناشر لا يأخذ بنظر الاعتبار حقوق الكاتب، بل في غالب الأحيان يتم استغلاله وتوظيفه لغايات تجارية محضة لا كفاعل ثقافي له أدواره في ترسيخ القيم وزرع روح الإبداع والابتكار.

وعليه فواقع النشر والتوزيع في المغرب يمكن وصفه بالكارثي مرجعه ما ذكرنا سلفا، لأن الناشر لا يقوم بالتوزيع على السليم للكتاب والتعريف بالكاتب، بدعوى أن الكتاب الإبداعي لا تأتي من ورائه سوى الخسارة، بالرغم من استفادة الناشر من دعم الوزارة الوصية والمشاركة في معارض الكتاب وطنيا وأحيانا دوليا، بينما الكاتب يبقى آخر ما يفكّر فيه.

من هنا يلزم على الفاعلين الثقافيين من كاتب وناشر والوزارة الوصية على الثقافة العمل على وضع خطّة كفيلة تعيد الحركية والدينامية للحياة الثقافية، والحث على ربط المسؤولية بالمحاسبة، بواسطة المراقبة لالتزامات الناشر مع الكاتب ومدى احترامه لعقدة النشر. غير أن واقع الحال يؤكد على أن العلاقة بين الكاتب والناشر غير متكافئة، وغير منصفة، بل مجحفة. وهذا لا ينفي وجود ناشرين- وهم قلّة- يؤدون حقوق الكتاب على أكمل وجه.

أظنّ أن الدعوات إلى إحداث «وكيل أدبي» و«وكالة أدبية» تندرج في إطار تحسين الخدمات الثقافية، وتشكيل وعي جديد بضرورة تنظيم مجال الثقافة الذي يعرف الفوضى والعشوائية في تدبير علاقة الكاتب بالناشر وما تعرفه من اختلالات، وهذا أمر تفرضه السيرورة التاريخية والصيرورة الاجتماعية، لكن نعود ونطرح السؤال التالي: هل لدينا، في المغرب، الأرضية الصالحة لخلق «الوكيل الأدبي» و«الوكالة الأدبية»؟ الحقيقة هذا أمر من نسج الخيال وحلم بعيد المنال، فـ«الوكيل الأدبي» مهمته الوساطة بين الكاتب والناشر، للتخفيف من أثقال الكاتب وجعله يتفرغ للإبداع بعيدا عن دوامة النشر والتوزيع، وهذا يحمل معنى نبيلاً في حقّ الكاتب. وعلى ضوء ما سلف لابد من امتلاك رؤية جلية عند الوكيل الأدبي والكاتب والناشر بخصوص الأسس التي ينبغي أن تقوم عليها العلاقة بين هذه الأطراف وتحديد الغايات المثلى لإحداث «الوكيل الأدبي» و«الوكالة الأدبية».

إن ثقافة الوكيل الأدبي أمر طارئ على المجتمع الثقافي، وكل طارئ يثير نوعاً من الاحتراس والحيطة والحذر، لأن أضلاع العملية أنفسهم- في ما أظن- يفتقدون لهذا الوعي القادم من الغرب والمؤسَّس له، بينما نحن نعيش أزمة ثقة بين طرفي العملية وغياب تقاليد ثقافية راسخة في تدبير الشأن الثقافي.

#image_title

جورجيا تيرزاكو.. الوكيل الأدبي رهان طويل الأمد

 

 

تلخّص الكاتبة الفرنسية والوكيلة الأدبية جورجيا تيرزاكو Georgia Terzakou، وصاحبة كتاب Réussir son marathon du premier roman، في حوارها التالي، عملها وكيلة أدبية من حيث وظيفتها وأدوارها وعلاقتها بدور النشر:

«طريقة عمل الوكيل الأدبي لا تختلف عن أيّ وكيل فنيّ أو رياضي، فهو يتقاضى أجره من خلال الحقوق التي يحصل عليها الشخص الذي يمثله، في السابق كان عمله تطوعيا. حاليا في فرنسا يعلن حوالي أربعمائة فرد عن أنفسهم بأنّهم «وكلاء أدبيون». لكن هناك فقط 36 وكالة أدبية مدرجة على موقع الاتحاد الفرنسي للوكلاء الفنيين والأدبيين، الذي يعدّ الضامن لأخلاقيات المهنة. مدونة أخلاقيات المهنة هذه تحظر بشكل خاص على الوكيل الأدبي الحصول على أجر قبل النشر. كثير من الناس يكتبون لي متسائلين هل بالإمكان دفع مقابل أن تجد لي ناشرا. الجواب يكون الرفض. ذلك أنني إذا قمت بتحصيل مبلغ ما من شخص ما، فأنا أعلم أنني لن أستطيع تمثيله أبدا. أما في ما يتعلق بما إذا كانت هذه المهنة ستتطور… فبشكل عام يحصل الوكيل على 10 بالمئة من حقوق التأليف، لكن المؤلفين أنفسهم ما عادوا يكسبون مداخيل مهمة.

وبالتالي فإن وظيفة الوكيل غير مدرة للدخل. إذا لم تتغير الأمور في عالم النشر، فإنّي لا أرى كيف ستتطور هذه المهنة. إنّ المؤلفين هم الذين سيحدثون الفارق من خلال اللجوء إلى وكلاء للحصول على حقوقهم. أما عن دور الوكيل الأدبي فهو يدير جميع حقوق المؤلف الذي يمثله وأيضا الحقوق الأجنبية والسمعية والبصرية، وما إلى ذلك. هذا الأمر من شأنه أن يخلق توترات بين النقابة الوطنية للنشر والوكلاء الأدبيين، ذلك أنّ الناشرين ينظرون بعين عدم الرضا لتدخل فاعل بإمكانه أن ينزلهم من مرتبة دار للنشر إلى مطبعة. إنّ الأمر أشبه إلى حد ما بالولايات المتحدة الأمريكية حيث ميزان القوة بين الوكلاء والناشرين معكوس مقارنة بفرنسا. ليس لديّ بالتأكيد أيّ شيء ضدّ أنّ الناشرين يمتلكون حقوق الكتاب، لكن حاليا المؤلفون يعهدون بجميع حقوقهم عندما يوقعون عقد النشر. في حين أنّ كل شيء قابل للتفاوض !

أتلقى كثيرا من مخطوطات الراغبين في النشر لأول مرة، عملي على هذا المستوى أشبه بعمل لجنة قراءة: أبحث عن نصوص ذات شخصيات قوية وحبكة قوية ونبرة أصيلة. من المستحيل الدفاع عن نص لم ينل إعجابي. سيبيع الروائي الذي ينشر لأول مرة ما بين 300 و600 نسخة، مكسبي زهيد لكنّه رهان طويل الأمد. يمكن للوكيل الأدبي أن يعمل مع مؤلفين سبق لهم النشر، والذين أسميهم «الطبقة الوسطى للكتابة». قبل عشر سنوات أو خمس عشرة سنة كان هؤلاء المؤلفون يبيعون في حدود 8000 إلى 15000 نسخة للكتاب الواحد، مع ترويج أقلّ من اليوم. وأتاح لهم ذلك كسب عيشهم من كتاباتهم بشكل متواضع، وهو ما لم يعد هو الحال اليوم، حيث تبيع الكتب ذات الجودة المماثلة ما بين 800 و5000 نسخة. ثم يتصل المؤلفون بالوكالة لأنهم يعتقدون أن المشكلة مصدرها الناشر. يجب أن نوضح أن السوق تغير: قبل أن يقوم الناشر بترويج الكتاب عبر ملصقات في المترو، كان هناك عدد قليل من الإعلانات على محطات الإذاعات، وكان ذلك كافياً. أمّا الآن، مع وجود الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، أصبح العمل ضخما، لذا تركز أقل دور النشر على المؤلفين الذين يبيعون بشكل جيد للغاية. وأخيرًا، يمكن للمؤلف الذي يكسب جيدًا من كتابته أن يتواصل مع وكيل أدبي لسببين: أنّ ناشره لم يعد يخبره بما ليس جيدا في كتابته، أو أنه يرغب في الانتقال إلى دار نشر أخرى لكنه لا يجرؤ على ذلك بسبب العلاقات العاطفية التي أنشأها مع ناشره.

إنّ عمل الوكيل الأدبي اليومي يتلخص في الكثير من القراءة، ثم عمل تحريري لجعل المخطوطة قابلة للتقديم للناشر. هناك أيضا جانب قانوني كامل: التحقق من النصوص القانونية، والتفاوض على العقود… وعلينا أن نأخذ بعين الاعتبار أنّ عالم النشر فاتن كما نتخيل وليس ساحرا على الإطلاق. إنّه سوق ثقافي، لكنه سوق قبل كلّ شيء».

(ت/ سعيد الباز، عن موقع Je suis auteur)

#image_title

طارق سليكي.. الدخول إلى مرحلة الاحتراف

إذا ما نظرنا تنظر العلاقة بين الكاتب المغربي والناشر على مستوى النشر والتوزيع والحفاظ على حقوق المؤلف، أعتقد بأن علاقة الكاتب المغربي والناشر غير واضحة ومتفككة ويشوبها نوع من القلق والريبة وهي غير صحية في كثير من الأحيان. الأمر الذي يفوت فرصة أن يكون للمكتوب فعاليته وفاعليته داخل النقاش الوطني العام. بحيث ينظر الكاتب إلى الناشر بأنه تاجر محتال، يحفي أكثر مما يظهر، وليس صادقا أبدا فيما يصرح به، فيواجه بأرقام افتراضية يعز عليه (الناشر) أن يدرك من أين أتت، فكأنه ممنوع عليه أن يحقق الربح ومصدر رزقه هو هذا العمل. إنها حقا معادلة صعبة. الكاتب يريد أن تستمر وصايته على مستقبل الكتاب، لا عن حقوقه القانونية، وإنما الغلاف ولونه وشكله وصورته ومواقع توزيع أو عرض العمل.

أمّا عن مسألة استحداث وسيط أدبي تحت مسمّى “الوكيل الأدبي” وإنشاء “وكالات أدبية” تُعنى بمتابعة الكاتب خلال مرحلة الكتابة تتكلف بالحفاظ على حقوقه، ما يمكنني إثارته على هذا المستوى، هو أن دور الناشر يكاد يبقى محصورا على الجانب التقني، أي الإخراج والطبع والتسويق إن كان هناك تسويق، والحال ينبغي أن يلعب الناشر دورا أكبر من ذلك بكثير، أي أن يوجه القارئ ويصنع قراء جددا وأن يساهم في صناعة تقاليد داخل المشهد الثقافي المغربي؛ فنحن لم نبلغ مرحلة الكاتب المحترف ليكون عندنا الناشر المحترف بالمعنى الدقيق للكلمة، بمعنى أدق الناشر المغربي يجد صعوبة في أن يلعب دوره الثقافي داخل المجتمع لأنه تنقصنا عدة مقومات. وبخصوص الوكيل الأدبي أو بصيغة أكثر وضوحا الوكيل التجاري، وظيفته هو تقديم الكُتاب أو الكتب إلى ناشرين، ميزته أنه مفاوض شاطر ومحيط بخريطة الناشرين ويعرف توجه كل واحد وما يمكن أن يهمه. الوكيل لم يجد بعد طريقه إلينا إلا في حالات جد معزولة وإن كانت هناك نماذج فهي لوكلاء أجانب يتولون أعمال مشاهير الكتاب، ودور الوكيل هام جدا في مجتمعات تجاوزت اختلالاتها وهشاشتها ودخلت مرحة الصناعة الثقافية بمفهومها الحقيقي بعيدا.

تبنّي الوكيل الأدبي يعني شيئا واحدا هو أنّ القطاع قد دخل مرحلة الاحتراف.

#image_title

أحمد الكبيري.. الوكيل الأدبي رفاه ثقافيّ

أعتقد أنه علينا إجرائيا أن نميز أولا، بين نوعين من الكتّاب وصنفين من الناشرين. بالنسبة للكتّاب، يمكن أن نشير إلى الكاتب المعروف، المقروء والمكرس. وهذا النوع يمكنه أن يجد له ناشرا بسهولة كبيرة سواء في المغرب أو خارجه، لأن له قاعدة محترمة من القراء والمتابعين، ويمكن لأيّ دار نشر أن تتعاقد معه بنوع من الاطمئنان على ضمان عائدات محترمة من الكتاب. وهذا النوع لا مشكلة عنده. أمّا النوع الثاني من الكتاب، وهم في الغالب كتّاب جدد أو شباب يقتحمون عالم الكتابة وللنشر لأول مرة، هؤلاء ليس أمامهم في الغالب إلا خيارين لا ثالث لهما، إمّا أن يدفعوا بنصوصهم لدور نشر متعددة، داخل المغرب وخارجه، ويقعدون ينتظرون لعل الحظ يحالفهم بعد شهور أو سنوات طويلة. وإمّا أن ينشروا كتبهم على نفقتهم، سواء عن طريق التعامل المباشر مع إحدى المطابع ومن بعد مع الموزع والمكتبات. وإمّا أن يدفعوا تكلفة النشر إلى ناشر معين، يتكلّف بطبع الكتاب وتوزيعه. وهنا يمكننا أن نتحدث عن ضياع الحقوق وربما السقوط في مهاوي الإحباط والتوقف نهائيا عن الكتابة. ذلك أن الكاتب يبقى هو الحلقة الأضعف في العملية كلّها.

أمّا بالنسبة للناشرين فهم أيضا يمكننا تصنيفهم إلى صنفين، ناشرين محترمين، لا يعنيهم فقط العائد المادي وهو أمر مشروع وضروري. ولكن لهم أيضا، رؤية ثقافية حداثية وتطلعات توعوية وتنويرية. يبذلون جهودا كبيرة لتشجيع الكتاب الموهوبين، والحرص على تقديم كتب ذات قيمة فنية وأدبية رفيعة للقراء. يتعاملون مع الكتاب بمهنية واحترافية عالية، سواء فيما يتعلق بصناعته وجودته، أو بتوزيعه والترويج له. وكذلك، فيما يتعلق بالوفاء بالتزاماتهم بحقوق المؤلفين والكتّاب عليهم. وهذه الدور في المغرب للأسف، محسوبة على رؤوس الأصابع. أمّا الصنف الثاني، وهي مجموعة دور النشر، ليس لها من هم إلّا تحقيق الأرباح بأية طريقة. سواء، بالتحايل على صرف الدعم المحصل عليه من وزارة الثقافة، بعدم احترام دفتر التحملات، كأن تنشر مائتي نسخة عوض ألف من الكتاب الذي حصلت على الدعم لنشره. أو بمطالبة الكاتب بأداء تكلفة نشر الكتاب وتوزيعه. وأعتقد أن بعض أشباه الكتاب، الذين لا يهمهم إلا الرغبة في الظهور، يسهمون بقوة في ذلك.

أمّا عن النظر إلى مسألة استحداث وسيط أدبي تحت مسمّى “الوكيل الأدبي” وإنشاء وكالات أدبية تعنى بمتابعة الكاتب خلال مرحلة الكتابة تتكلف بالحفاظ على حقوقه، فأعتقد أننا في عالمنا العربي لا زلنا بعيدين كل البعد على هذا الرفاه الثقافي الذي من شأنه خلق الحاجة والضرورة لوجود، فاعل من هذا النوع،”الوكيل الأدبي”. وذلك من وجهة نظري راجع للأسباب التالية:

أوّلا، لأنّ مستوى القراءة متدني، ومبيعات الكتب لا يتجاوز المئات أو استثناء بضعة آلاف. لذلك لا نجد كاتبا، بمن فيهم المشهورين والمكرسين، عاش من كتبه. باستثناء محمد شكري الذي صرح بأنّه كان يعيش من ترجماته. بينما في أمريكا التي من شروط النشر ضرورة المرور بالوكيل الأدبي يباع الكتاب بالملايين. رواية “شيفرة دافينشي” لدون براون مثلا، بيعت منها أكثر من عشرين مليون نسخة…

ثانيا، على اعتبار أن للوكيل الثقافي أو الأدبي دور مهم في حفظ حقوق الأطراف والإسهام في صناعة الكتاب والترويج له، ماذا سيقدم كاتب أو ناشر أو هما معا بالكاد كمقابل له. مع العلم أنهما في غالب الأحيان لا يطبعان من العمل، أكثر من ألف نسخة، تباع في طبعتها الأولى في دورة ثقافية ثقيلة قد تتجاوز السنتين؟ اللهم إلا إذا كان سيتم فتح هذه الوكالات الأدبية، بدعم سنوي محترم جدا من وزارة الثقافة، لعلها تواصل عملها. وهذا في نظري عبء لا حاجة ولا ضرورة له.

ثالثا، لماذا في وضعنا الراهن، علينا أصلا أن نفكر في فاعل من هذا النوع؟ في الوقت الذي علينا أن نفكر ونجتهد في دعم وتطوير ما عندنا من فاعلين. مثل توسيع قاعدة القراء ودعم الكتاب وتشجيعهم وأيضا الناشرين المجتهدين، والجمعيات والمؤسسات الثقافية النشيطة. نحن ننشغل بالتفكير في فاعل آخر، كمن يبحث عن حاسة سادسة بينما حواسه الخمس معطلة أو بها خلل. وما يجري في هذا الصدد بالمغرب، أظن أنه قابل للتعميم على جلّ بلدان عالمنا العربي.

 

 

 

 رفّ الكتب

 حسن المودن.. الرواية وشعرية اليتم

 

 

كتاب “الرواية وشعرية اليُتم من محكي اليتيم إلى محكي الانتساب العائلي، الرواية المغربية نموذجا” للكاتب المغربي حسن المودن يقدم نفسه من خلال تقديم مفصل على في ظهر الغلاف حيث يشير على أنّها دراسة تهدف إلى إعادة قراءة الرواية المغربية بطريقة تكشف كيف يخترق عنصر اليتم وسؤال الانتساب العائلي، الرواية المغربية من لحظة التأسيس إلى اللحظة الراهنة؟ وكيف تتحول الرواية وتتطور على مستوى الكتابة، كما على مستوى الحكاية من أجل إعادة قراءة العلاقات الإشكالية بين الذات وذاتها، بين الذات والآخر ومن أجل إعادة الاعتبار لما بين الذات وعالمها العائلي المعيش، بين الذات والعالم العائلي الذي تريد أن تنتسب إليه… ومن خلال ذلك، ومن منظور التحليل النفسي، تهدف الدراسة إلى أن تسجل مجموعة من الملاحظات والأسئلة أهمها: ماذا عن محكي اليتم؟ ماذا عن خصائصه؟ على مستوى الحكاية كما على مستوى الكتابة؟… ماذا عن رواية الأنا وعن هذه التخييلات البيوغرافية والأتوبيوغرافية التي من خلالها تحاول الذات أن تبتكر حياتها من خلال حياة الآخر..؟ هل يمكننا أن نخلص إلى أن الكتابة الروائية بالمغرب، وإن عرفت تحولا على مستوى الكتابة فقد بقيت تتأرجح وتتردد على مستوى الحكاية بين حكايتين عائليتين: حكاية مواجهة العالم العائلي الواقعي المعيشي في علاقة بحكاية البحث عن عالم عائلي متخيل أسمى وأنبل، حكاية الإقبال على عالم عائلي جديد في علاقة بحكاية العودة والانتساب من جديد إلى العالم العائلي الأصلي، فلا هي عرفت كيف تتحرر من العالم الأول، ولا هي عرفت كيف تؤسس العالم الثاني؟ أليست هذه هي حكايتنا جميعا في العصر الراهن؟ هل استطعنا بناء رواية عائلية بديلة تُسند وجودنا الحضاري من أجل مواجهة تحديات الحاضر والمستقبل؟

أمّا بصدد العلاقة بين الرواية العربية والمغربية من جهة واليتم من جهة أخرى فيوضح الكاتب حسن المودن: “إذا حصرنا الموضوع في هذا الجنس الأدبي الحديث؛ الرواية، من جهة أولى، يمكن أن نتساءل بخصوص العلاقة بين الرواية العربية واليتم: ماذا عن اليتامى في الروايات العربية؟ ماذا عن الشخصيات التخييلية اليتيمة في روايات نجيب محفوظ أو الطيب صالح أو عبد الله العروي؟ ماذا عن اليتامى في الرواية الفلسطينية، وخاصة بعد 1967 إلى اليوم؟ ماذا عن اليتامى في الرواية العراقية، وخاصة بعد ما تسمى بـ(الحروب الخليجية)؟ ماذا عن اليتامى في الرواية السورية، وخاصة بعد ما يسمى بـ(الربيع العربي)؟ ومن جهة ثانية؛ ماذا عن الكتاب اليتامى: هل من علاقة بين يتمهم وكتاباتهم؟ ماذا عن هؤلاء الكتاب اليتامى الذين لا يتحدثون في رواياتهم إلا عن اليتامى؟ ماذا عن هؤلاء الكتاب اليتامى الذين كرسوا رواياتهم لليتم والفقدان والبحث عن عائلة بديلة، عن أبٍ جديد أو أم أخرى؟ ومن جهة ثالثة؛ هل من علاقة بين الكتابة واليتم؟ هل من كتابة أدبية حقيقية من دون أن تنطلق من رحم يسكنه اليتم والفقد والنقص؟ ألا يشكل هذا اللجوء إلى صفحة بيضاء بحثاً عن شيء رمزي يسند ذاتاً تشكو اليتم والفقدان؟ ولكن هل لليتم شعرية خاصة به؟ هل من خصائص تميز محكي اليتيم على مستوى الحكاية كما على مستوى الكتابة؟ ماذا عن شعرية اليتم في الرواية العربية بصفة خاصة، وفي الرواية العالمية بصفة عامة؟”.

#image_title

 متوّجون

 جائزة ابن رشد للوئام

 

 

 

أعلن عن منح جائزة ابن رشد للوئام لكل من الكاتب المغربي عبد القادر الشاوي وشبكة معهد ثيربانتيس في المغرب، ومدير معهد ثيربانتيس الشاعر والكاتب الإسباني لويس غارسيا مونتيرو، وذلك تقديرا وتثمينا لجهودهما في تعزيز التعايش والحوار بين الثقافات. جائزة “ابن رشد للوئام” تمنحها جمعية الصداقة الأندلسية/ المغربية “منتدى ابن رشد” التي تعمل من أجل تعزيز المعرفة المتبادلة بين شعبي ضفتي مضيق جبل طارق. تشمل الجائزة فئتين: الأولى لمكافأة كل المساهمات المهمة من الفاعلين المؤسساتيين والأفراد الإسبان، في حين تهمّ الفئة الثانية مكافأة المساهمات التي تقدمها المؤسسات أو الأفراد المغاربة. وأوردت الجمعية في بلاغ صحفي أنّ الجائزة سيتمّ تسليمها إلى الكاتب المغربي عبد القادر الشاوي ومدير معهد ثربانتيس الشاعر الإسباني لويس غارسيا مونتيرو في حفل رسمي سينظم نهاية شهر ماي في إسبانيا.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى