هل كانت ضربة إيرانية محسوبة
وائل عصام
الصحافة والمسؤولون الأمريكيون أنفسهم أطلقوا تحليلات متناقضة حول النوايا الإيرانية من ضربتها الأخيرة، لقاعدة عين الأسد في الأنبار غرب العراق. فبينما تحدثت تحليلات عن أن الإيرانيين حرصوا على عدم قتل جنود أمريكيين في الهجوم، خرج رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية مارك ميلي، بتصريح أكد فيه نية الإيرانيين التسبب بقتل جنود أمريكيين، ناسبا الفشل في ذلك إلى منظومة الدفاع الجوي الأمريكية، وقال ميلي «أعتقد استنادا إلى ما رأيته، وما أعرف أن الهجوم كان الغرض منه التسبب في حدوث أضرار هيكلية في تدمير المركبات والمعدات، والطائرات وقتل الأفراد».
كما نفى ميلي إبلاغ واشنطن بالهجمات قبل وقوعها، إذ قال: «لماذا لم تكن هناك خسائر؟ في تقديري مما أعرفه الآن، أعتقد أن الأمر يتعلق أكثر بالأساليب الدفاعية، التي استخدمتها قواتنا بدلا من النية الإيرانية». أما وزير الدفاع الأمريكي مارك أسبر، فأيد رئيس أركانه بهذا الاستنتاج، بالقول إنه ليس لديه علم، ما إذا كان العراق قد حذر أمريكا من الهجوم الإيراني قبل حدوثه أم لا.
وبالطبع يجب الأخذ بالاعتبار، تأثر سياسات بعض الصحف الأمريكية، بالميول السياسية لبعض وسائل الإعلام، التي تنتهج سياسات معارضة لترامب، كقناة «سي أن أن»، التي خرجت مراسلتها من موقع القصف، في قاعدة عين الأسد، لتشير إلى خلو موقع انفجار الصاروخ من أي منشآت ذات أهمية، وبالإضافة إلى وجود بعض الاعتبارات، التي تطبع تصريحات المسؤولين الأمريكيين، فإن تصريحات من هذا النوع، لرئيس هيئة أركان أمريكي، تكون مهنية غالبا وفنية المضمون، أكثر منها مسيسة، كما بعض تصريحات رئيسهم ترامب. وبالنظر إلى الوقائع قبل التصريحات، فإنه من المرجح أن عدم قتل أو جرح أي جندي أمريكي، هو من مصلحة النظام الإيراني، كونه يجنب البلاد ردا أمريكيا قاسيا توعد به ترامب، إذا قتل أي أمريكي، لذلك فمن المعقول جدا أن يكون الإيرانيون قد تجنبوا إيقاع قتلى أمريكيين في قصفهم للقواعد الأمريكية في العراق، لأنهم وجدوا أن رمزية الرد كافية، بالنظر إلى الفرق في توازن القوى بين الطرفين، وحصول الندية، وعلى ما يبدو، فإن الإيرانيين يريدون حصاد هدف استراتيجي أبعد، وهو انسحاب القوات الأمريكية من العراق، إضافة إلى التفاوض على ملف العقوبات. من جانب آخر، ربما تسعى إيران إلى مواصلة الهجمات الحذرة، من خلال ميليشياتها الشيعية الموالية في العراق، فالحشد الشعبي فقد قائده أبو مهدي المهندس، وهو معني بالتالي برد خاص به، بمعزل عن الرد الإيراني. إخلاء الحشد الشعبي لمقراته، وإخفاء مخازن السلاح، والتنقل بسيارات مدنية بدل العسكرية، ومحاولة الاندماج بالجيش ومعسكراته، كل هذه مؤشرات توحي بأن الحشد يتحسب لرد فعل أمريكي على ضربات قصف سوف تنفذها عناصر الحشد لمرحلة مقبلة.
صحيح أن «حزب الله» العراقي أصدر بيانا دعا فيه للتهدئة، والخزعلي كذلك نفى مسؤوليته عن ضربة السفارة الأمريكية الأخيرة ببغداد، ولافت حقا ما صرح به نائب الرئيس الأمريكي بأنه تلقى معلومات بأن إيران طلبت من حلفائها في العراق التهدئة، لكن الصحيح أيضا أن هناك نحو ست عمليات قصف قد تمت بالفعل للقواعد الأمريكية منذ مقتل سليماني، لم تعلن عن تحمل مسؤوليتها أي قوى شيعية، لذلك، من الممكن جدا، أن تكون إيران تخطط للتملص من تبعات هجمات الحشد المقبلة، تجنبا للرد، وكذلك لوضع الأمريكيين في ورطة، إذ إن الرد على طرف مجهول لا يملك مقرات كالحشد سيكون معضلة حقيقية، خاصة أن الأمريكيين لا يملكون صلاحيات للمداهمة في العراق، فسيكتفون بالتالي بالرد بالقصف الجوي على مواقع الإطلاق، وتنفيذ ما تطوله أيديهم من اغتيالات، هذا كله إن صحت التوقعات بتنفيذ الحشد لهجمات صاروخية مستقبلا. ويبقى تنفيذ ضربات للأمريكيين، من دون تحميل إيران المسؤولية هو أسلوب إيراني قديم، أثبت فعاليته أكثر من مرة، ففي عام 1983، أدى هجوم بمفخختين في بيروت لمنظمة تدعى الجهاد الإسلامي، إلى تدمير مقر المارينز في العاصمة اللبنانية، وقتل نحو 250 جنديا أمريكيا وعشرات الفرنسيين، ورغم أن المنظمة كانت مجرد اسم حركي لنواة حزب الله الأولى في لبنان، ورغم أن عماد مغنية، وحسب كل التقارير الأمنية كان هو المسؤول عن التخطيط لتلك العملية، إلا أن إيران لليوم لم تعلن تبنيها لتلك العملية، ولم يجد أحد دليلا قطعيا على ضلوعها فيها، رغم أحكام أصدرها القضاء الأمريكي على الحكومة الإيرانية بدفع تعويضات.
لكن بالنتيجة النهائية، انسحب الأمريكيون من لبنان، فهل تتكرر السيناريوهات نفسها في العراق بعد عقود.