شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرسياسيةملف التاريخ

هل فعلا تآمر أصدقاء بن بركة على الملك؟الملف الشائك لمؤامرة يوليوز 1963

يونس جنوحي:

مقالات ذات صلة

 

«السفارة الأمريكية في الرباط قالت إن قدماء المقاومة المغاربة، خصوصا منهم الذين انشقوا عن حزب الاستقلال بعد تشكيل أول حكومة مغربية سنة 1955، واحتجوا على طريقة تدبير الحزب للساحة السياسية في المغرب المستقل، كانوا يحملون أفكارا معادية للطريقة التي كان يتم بها تدبير بناء المغرب بعد الاستقلال.

والدليل الذي دعم به تقرير السفارة الأمريكية في الرباط هذا الاستنتاج، أن إدارة الأمن المغربية كانت تحرك متابعات وتبحث عن أشخاص صنفتهم في خانة «المجرمين الخطيرين»، وكانوا كلهم بدون استثناء من قدماء المقاومة، وعلى رأسهم ملف شيخ العرب.

هذه المعطيات تدعم فرضية أن يكون قدماء المقاومة، وهم تيار واسع داخل حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، قد خططوا فعلا لقلب النظام في المغرب، احتجاجا على المآل الذي صار إليه زملاؤهم.

سؤال: هل تورط الاتحاديون فعلا في مؤامرة يوليوز؟

 

 

 

كواليس منسية من أحداث يوليوز 1963

رغم أن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، الحزب الذي استقطب الشباب والموظفين والمناضلين وقدماء المقاومة من الحركة الوطنية، كان يتوفر على خط قيادي من الشباب والأطر الذين أصبحوا برلمانيين بعد انتخابات 1962، إلا أن هؤلاء ورغم الحصانة التي كانت لديهم، وجدوا أنفسهم في قبو كوميسارية المعاريف بالدار البيضاء، بعد أن جرى اعتقالهم.

وبحسب الكواليس المرتبطة بالموضوع، فإن المواجهة بين الأجهزة السرية والحزب، بدأت في تصاعد على إثر قرار الحزب في 16 يوليوز، على مستوى اللجنة المركزية، حيث تقرر سحب جميع مرشحي الحزب من الانتخابات المحلية ومقاطعتها رسميا.

طوق الأمن مكان الاجتماع، وتم اعتقال جميع الحاضرين واقتياد كل من عبد الرحيم بوعبيد وعبد الرحمن اليوسفي، بالإضافة إلى 105 آخرين يمثلون أعضاء اللجنة المركزية للحزب، واعتقل الحاضرون الآخرون، وتوسعت موجة الاعتقالات وطنيا لكي تشمل 5000 موقوف فُتح معهم تحقيق في الأقبية السرية والكوميساريات، وتوفي العشرات اختناقا في الأقبية، في واحد من أحلك الملفات الحقوقية في تاريخ المغرب.

أطلق سراح عبد الرحيم بوعبيد، وبقي اليوسفي معتقلا، فيما جرى إيقاف محمد الفقيه البصري وأصبحت موجة الاعتقالات أكثر سرعة، أي في 17 يوليوز.

وعندما انطلقت جلسات المحكمة وقف المحامون الذين ترأسهم عبد الرحيم بوعبيد دفاعا عن رفاقه، على وجود خروقات في التحقيق وفي عمليات الإيقاف، وترافع مع محامين آخرين عن عائلات لم تكن تعرف مصير أفرادها، إلا عندما رأوهم في قفص الاتهام، مؤكدين أنه تم إيقافهم خارج القانون.

كان اهتمام الأمريكيين بهذه الوقائع مركزا وغير قابل للاختصار، أو القفز على التفاصيل. كل جزئية تتعلق بالملف كانت تُرفع رأسا إلى مكتب السفير الأمريكي في الرباط، وكتب تعليقات عليها بناء على مكالمات هاتفية أجراها، أو بحسب إفادات عملاء أمريكيين ميدانيين كانوا قريبين من الملف، ولديهم اطلاع على حيثيات أنشطة اليسار وقدماء المقاومة، في بداية عهد الملك الراحل الحسن الثاني. وهذه التقارير التي رفعت إلى واشنطن، كانت تركز على كواليس المحاكمة التي طبعت وقائع صيف تلك السنة، وامتد تأثيرها إلى سنة 1964.

اتضح للأمريكيين أن النظام في المغرب كان يرمي إلى تطويق المعارضة وكسر مدها القوي، الذي بدا واضحا في الانتخابات الأخيرة التي عرفها المغرب قبل يوليوز 1963. ومنذ ماي من تلك السنة، كانت هناك تنبؤات باقتراب انفجار الأوضاع في المغرب، على إثر رفض اليسار المشاريع السياسية التي روجت لها وزارتا الإعلام والداخلية.

رفض التوجه العام والطعن في مشروع جبهة الدفاع عن القوى الديموقراطية، التي انخرط فيها من وصفهم السفير الأمريكي في مراسلاته بالأصدقاء والمقربين من القصر، وتزعمهم أحمد رضا اكديرة، وزير الداخلية، كانا المحرك الذي مهد لأحداث يوليوز 1963. لكن السؤال الأهم، والذي طرحته السفارة الأمريكية في الرباط وقتها: هل كان فعلا الاتحاديون ضحايا مؤامرة؟

 

 

مُعتقلون.. خبراء في استعمال السلاح وصناعة المتفجرات

مشكلة ملف مؤامرة يوليوز أنه كان من بين الموقوفين أشخاص كانوا معتادين على الكفاح المسلح، ولديهم حس عسكري على شاكلة أفكار الحركات التحررية حول العالم.

جيل نشأ في الكفاح ومقاومة الاستعمار الفرنسي، ولديه ماض في استعمال السلاح وحتى صناعة المتفرجات الخفيفة، ومن هذا الجيل من تدرب في معسكرات مصر مع رفاق جزائريين، كانوا جميعا يحملون أفكار ثورية، ويمثل جمال عبد الناصر بالنسبة إليهم مثال الزعيم القومي.

لكن المشكل أن النظام في المغرب لم يكن يفضل هذا النوع من النشطاء، الذين انضم أغلبهم إلى حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية.

كما أنه لم تكن قد مضت وقتها إلا ثلاث سنوات على آخر مؤامرة استهدفت حياة ولي العهد، في برد سنة 1960. حيث سُجلت إفادة لدى مصالح الدرك الملكي وقتها، مفادها أن مجموعة من قدماء المقاومة يخططون لاغتيال ولي العهد. كان الملك الراحل محمد الخامس وقتها في سفر خارج المغرب، وأرسل إليه تقرير مفصل في الموضوع، لكنه عندما عاد إلى المغرب انكب رأسا على الاطلاع على حيثية التهمة، وتفحص لائحة الموقوفين لكي يعطي الأمر فورا بإطلاق سراح الجميع، بعد أن شكل الملف غليانا غير مسبوق في صفوف قدماء المقاومة.

من المؤشرات التي تؤكد وجود نزعة أفكار ثورية داخل قلعة الاتحاد، وجود أعضاء متعاطفين مع شيخ العرب الذي كان وقت المؤامرة مبحوثا عنه، وتصنفه الإدارة العامة للأمن الوطني شخصا خطيرا ومسلحا. وبينما كان رفاقه متعاطفين مع الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ويحضرون مؤتمراته وتجمعاته الخطابية، كان أتباع شيخ العرب وأعضاء الخلايا السرية للمقاومة سابقا، في ازدياد.

من المؤشرات أيضا، ما وقع بعد 1965 عندما أسس محمد الفقيه البصري نواة أولى من المناضلين، الذين اكتووا بنار اعتقالات 1963 وشكلوا معا الخيار الثوري القائم على التغيير بقوة السلاح، واعترف أعضاء مقربون في شهاداتهم لاحقا بأنهم فعلا خططوا لإدخال السلاح إلى المغرب، سيما محاولة مارس 1973، التي كان اختيار هذا التاريخ رمزيا، وكأنه إعادة اعتبار لضحايا يوليوز 1963 وأحداث 23 مارس 1965.

كل هذه الحيثيات جعلت نظرية المؤامرة تتقوى في يوليوز 1963، حتى أن بعض قدماء حزب الاستقلال كانوا شبه متأكدين أنه فعلا كانت هناك مؤامرة مسلحة ضد النظام، رغم أن وقائع جلسات المحكمة، بالإضافة إلى العفو الملكي الذي أصدره الملك الراحل الحسن الثاني عن الجميع، كلها مؤشرات تدعم نظرية تسرع الأجهزة الأمنية في محاولة الإجهاز على حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، الذي ازدادت شعبيته كثيرا بعد كل هذه الأحداث.

رحل أغلب من كانوا في قلب تلك الزوبعة، ولا يزال موضوع مؤامرة يوليوز 1963 مثيرا للإحراج والتحفظ في الوقت نفسه، خصوصا عندما يُطرح السؤال: هل فعلا كان الاتحاديون أبرياء من مؤامرة يوليوز؟

بل هناك من يتشاءم إلى اليوم من الرقم 16، لارتباطه بتلك الأحداث.

ورغم رحيل أغلب من عاشوا تلك الكواليس و«الكوارث» التي وقعت، إلا أن أرشيف سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في الرباط احتفظ بأوراق مهمة، أرسلت وقتها إلى واشنطن في حزمة وثائق سرية، رفع عنها الحجاب أخيرا، لكي تقبع في أرشيف أهم احداث فترة الستينيات، وتضمنت ارتسامات واستنتاجات وحتى آراء السفير الأمريكي، التي شكلها بناء على إفادات مصادره وأصدقائه في المغرب، وبناء على مكالماته الهاتفية مع المهدي بن بركة وأصدقائه، ومكالمات أخرى مع الملك الراحل الحسن الثاني، وأسماء من قلب النظام مثل الكولونيل المذبوح، الذي عاش لحظات مفصلية في قلب قاعة المحكمة التي احتضنت وقائع ملف 16 يوليوز 1963.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى