شوف تشوف

الرأي

هل تمكن إعادة الفعالية إلى خطبة الجمعة (2)

خالص جلبي
كل يوم جمعة يجتمع المؤمنون للصلاة وسماع الخطبة ليسمعوا كلاما مملا لا جديد فيه، والعجيب من هذه الجماهير الصبورة حرصها على الحضور، في الوقت الذي يستنفر نصف جيش من رجال الأمن والمخابرات، لتسجيل الكلام ورفع التقارير، فلعل فيروس خطير مر من أقنية الكلام.
وكل يوم جمعة ترتج إسرائيل وحكومات العالم الإسلامي، خوفا من اندلاع المظاهرات بعد كل صلاة. وهكذا تحول اجتماع يوم الجمعة إلى زلزال اجتماعي متكرر تحبس إسرائيل والأنظمة الشمولية أنفاسها مع كل دورة له حتى ينجلي الخطر، بعد أن تحول إلى خندق أخير للمعارضة والتعبير.
وفي كل مرة يكتشف الجمهور أن صوته مصادر في هذا الاجتماع، لحساب فم واحد ورأي واحد من وعاظ السلاطين. فمنذ أيام يزيد بن معاوية يصعد كل يوم جمعة الخطيب نفسه ويكرر الديباجة ذاتها، ويعيد الدعاء نفسه للسلطان بالحفظ والصون بأن يمد في عمره، وأن يبقى على ظهور العباد إلى يوم التناد. ويتلقى الموجة جمهور أخرس أتقن الصمت بختم على الفم أكبر من ختم الحبل السري على البطن. ليسمع حديث واعظ في قضايا لا تستحق الاجتماع وحضور خطبة لا تستحق عناء الاجتماع. فلا يزيد الحديث فيها عن فواكه الجنة، في الوقت الذي لا يجد المواطن رزق عياله، وعن الآخرة في الوقت الذي يحتضر فيه المواطن كل يوم مرتين. وعن فرعون ذي الأوتاد في الوقت الذي يحضر فراعنة جدد في البلاد فيكثرون فيها الفساد.
ومن خلال تأميم صلاة الجمعة بأوراق مطبوعة سلفا من الأجهزة الأمنية، بكلمات منتقاة بحذر ودقة يتلوها موظف رسمي من خلال بوق ضيق صنعه رجال الأمن بالتفصيل على المقاس، تمت مصادرة الآراء لحساب رأي واحد فرد صمد.
ولكن مشكلة زلزال يوم الجمعة ما زالت قائمة في العالم الإسلامي لجماهير معفرة تنتظر المهدي، ويلتئم جمعها هذا اليوم عسى أن تمطر السماء مطرا، وليس في الأفق سوى الغبار والحر. ولتحرير الخطبة من قبضة السلطان وبوق الواعظ، جرب البعض حظهم في ثلاث طرق: إما بإلغاء صلاة الجمعة كلية بانتظار الإمام الغائب، كما فعل الشيعة، حتى أحياها الإمام الطالقاني من جديد بعد نجاح الثورة الإسلامية، ولكنه دخل جوف المشكلة من جديد من حيث أراد الخروج منها. فيجتمع الناس في مكان واحد في طهران، ليسمعوا خطيبا أوحد يحمل البندقية والغدارة.
وإما بمحاولة مزاحمة واعظ السلطان بالتحدث مباشرة إلى جمهور مخدر بعد الصلاة عسى أن يفيق. ولكنها محاولة مكتوب عليها الفشل ثلاث مرات: باعتراض واعظ السلطان، وجاهزية رجال المباحث، وجمهور مشلول بالرعب ليس عنده استعداد أن يسمع، فقد يحاسب بشراسة على ما سمع فلم يبلغ عنه.
أو محاولة التسلل تحت عباءة السلطان لتسريب بعض الأفكار الحيوية، إلى حين اكتشاف أمره بعيون الأمن الساهرة أكثر من عيون القطط، فيكتشفوا أن هناك من دخل على سيمفونية الشخير العام فيعزل مثل المصاب بالإيدز.
والملفت للنظر أن صلاة الجمعة تختلف عن صلاة العيدين، فوضع الصلاة مع الخطبة مقلوب. ففي الوقت الذي يصلي الناس العيد، ثم يهربوا من خطبة واعظ السلطان، يحتجز الوعي في كل خطبة جمعة مجبرا لسماع خطبة تذكر بأيام المماليك البرجية. يشن فيها خطيب الحروب من فوق المنبر في خطاب جدا عدواني، مستبدلا الرحمة بالعذاب، وكسر توازن الجنة والنار بإشعال حطب جهنم بدون توقف. في أدعية مستعارة من دفتر ابن أبي نباتة من أيام السلطان قلاوون، يتلوها على سمع جمهور مغشى عليه من الوسن، واظب على الحضور عشرين سنة بدون أن يفقه عشرين كلمة.
والشيعة عندما خيل إليهم أنهم اكتشفوا الحل لم يتقدموا بالحل إلا إلى إلغاء الحل. واليوم يجتمع كل الناس في طهران ليستمعوا لونا واحدا من الخطبة، في الوقت الذي يأكلون على موائدهم من كل صنف زوجان. ولكن عقولهم لا يسمح لها إلا بنظام الطعام الاشتراكي صنف واحد فقط من الطعام. وبذلك دخل الشيعة الأزمة، في الوقت الذي ظنوا أنهم تحرروا منها. واليوم في طهران تصادر كل الآراء لحساب رأي واحد. فلا ينطق من أعلى المنبر إلا شيعة السلطان وبيدهم السلاح.
وهناك حل لهذه الإشكالية ولكنه مثل من يلقي بنفسه في شلالات نياغارا فلا يتبلل، أو يزور الإسكيمو بدون أن يبرد، أو يلعن ماوتسي تونغ في ساحة تينامنين في وسط بكين فلا يعتقل. والاقتراح باختصار أن يعتلي المنبر كل مرة واعظ مختلف من تيار مختلف، بمن فيهم وعاظ السلاطين. فليتحدث كل امرئ بما في جعبته لجمهور متعطش أن يسمع الجديد والمفيد. وأنت تقول وأنا أقول وللناس عقول. فلا يسمع المواطن المعتقل كل يوم جمعة نفس الكلام الممل، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون. ولكن معنى هذا الكلام انقلاب اجتماعي، مثل أن ينطق الأخرس من الولادة بأعذب الشعر، وأن يلعب المشلول الرباعي بالجمباز، أو أن يقوم الموتى فيكلمون الناس، أو أن نطلب من المفلس إنفاق الملايين. وقد يكون انقلابا من هذا النوع أعظم من أن تخرج لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون.
آن الأوان لثلاثة أمور: تعددية الخطباء وصولا إلى تعددية الآراء، وتحريرها من قبضة وعاظ السلاطين ومصادرة المتشددين. واعتماد أدعية الرحمة والمغفرة، وتفاهم الناس أكثر من قتالهم وتدمير العالم. واستبدال أدعية العصر العباسي بأدعية تناسب العالمية وتعايش الثقافات، وتناول موضوع المرأة بما يتجاوز اللباس. والتغيير الكلي لمضمون الخطاب بما يمكن التحدث به في أي منبر، بما يسمح تناقله في المحطات الفضائية لمئات الملايين من المسلمين المتعطشين للمعرفة والوعي، والإنصات له من الآخرين فيحدث لهم كما حدث للجن حينما سمعوا القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين، قالوا يا قومنا إنا سمعنا قرآنا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا.

مقالات ذات صلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى