هكذا مرت الانتخابات التي فاز بها زروال
يونس جنوحي
التفاوض الذي تم في الخفاء منتصف التسعينيات، أدى إلى وصول اليمين زروال إلى رئاسة الجمهورية. عاد إذن علي كافي إلى الظل ولم يحظ بعد ذلك بأي تكريم أو اعتراف رغم أنه جلس في منصب رئاسة الدولة خلال المرحلة الانتقالية، أي أنه كان بمثابة صمام الأمان الذي جنب الجميع شظايا انفجار سياسي كان ليعصف ببعض الجنرالات بكل تأكيد.
رحل علي كافي إلى منزله وأخذ معه تعويضا إداريا على الأشهر التي قضاها في منصب رئاسة المجلس الأعلى للدولة. بينما عاد عبد العزيز بوتفليقة إلى «قوقعته» وابتعد من جديد بعد أن ظن أن الوقت صار مناسبا لكي يجلس في كرسي رئاسة الجمهورية.
ساعد الجنرالات على صناعة انتخابات على مقاس اليمين زروال لكي يتم إعلانه رئيسا للبلاد.
هشام عبود عاش بعض هذه التفاصيل، وحكى ما يلي: «لإعطاء مزيد من الحظ لمرشحهم، مافيا الجنرالات تحكمت في الدعاية الإعلامية، وعلى رأسها التلفزيون، لكي تقدم اليمين زروال على أساس أنه الرجل الذي وقع عليه «الإجماع»، والوحيد القادر على إيقاف حمام الدم لأنه مستند على الجنرالات.
في مساء الجولة الأولى، أبانت النتائج فوز زروال بنسبة 61 بالمئة من الأصوات المُدلى بها».
مسرحية النتائج
يقول هشام عبود إن النتيجة كانت مثيرة فعلا للاهتمام. إذ إن الشارع الجزائري تأثر فعلا بالدعاية الذكية التي مورست لدعم اليمين زروال. فقد ظهر فعلا على أساس أنه المنقذ الوحيد من حمام الدم الذي تتخبط فيه الجزائر منذ سنوات وراح ضحيته آلاف الضحايا من المدنيين والعسكريين أيضا. يقول هشام عبود إنه اشتغل خلال تلك الانتخابات في نونبر 1995، مراسلا للجريدة الفرنسية Le Quotidien de Paris من العاصمة الجزائر، لتغطية الانتخابات، حيث كتب خبر حصد اليمين زروال لتلك النسبة المهمة من الأصوات، وهو ما كان يعني بدون شك أن الدولة سوف تقتصد مصاريف جولة ثانية من الانتخابات، وعلى كل حال، فإن الجنرالات كانوا في وضع مريح، يتيح لهم التحكم في النتائج، والشعب وحتى الرئيس.
لكن استناد اليمين زروال إلى قوة سياسية على الأرض، كان كابوسا يهدد استقرار الجنرالات. يتعلق الأمر بالحزب الوطني الديموقراطي. وحسب رأي هشام عبود، فإن هذا الحزب لم يكن أبدا في مستوى تحقيق تلك الفرضية، بحكم أنه ضم تيارا من الانتهازيين والوصوليين الذين جعلوا من إمكانية ممارسة الحزب لمعارضة حقيقية، أمرا مستحيلا. لذلك كان الجنرالات مرتاحين بعد أن زرعوا أذنابهم داخل حزب كان بمثابة نقطة ضوء في السابق.
إذا كان هذا واقع أكبر حزب سياسي معارض، فماذا كان مصير النقابات؟ لماذا لم تُخلق في الجزائر معارضة «عمالية» تحمل آراء الطبقة الكادحة وتضغط على الحكومة والرئيس وحتى الجنرالات، لانتزاع الحقوق الاجتماعية؟ تأمل الوضع السياسي في الجزائر منتصف التسعينيات، يعطي انطباعا بأن البلاد كانت تعيش حالة موت في كل القطاعات، ولم تكن الحياة تدب سوى في القصر الرئاسي. فماذا وقع؟
يقول هشام عبود إن زعيما نقابيا مهما تعرض للاغتيال، يتعلق الأمر بعبد الحق بنحمودة، حيث كان يشغل منصب الكاتب العام للاتحاد العام للشغالين الجزائريين. هذا النقابي وجه له الجنرالات تهمة التواطؤ مع الإرهابيين للضغط عليه، ثم قاموا باغتياله بعد اختطافه. لكن هذا النقابي نجح في ترك رسالة لزملائه في المكتب النقابي، حيث ترك لهم رسالة لحظات فقط قبل عملية اختطافه قال فيها: «لقد قاموا بخيانتنا».
كانت الرسالة واضحة، أي أن الجنرالات، وعلى رأسهم خالد نزار، قاموا بانقلاب على النقابيين بعد أن وعدوهم بمجموعة من التسويات. في الجزائر، لم يكن الجنرالات مستعدين أبدا لترك خيط من خيوط السلطة لأحد.