أصبح لافتا التناول «الإعلامي» الذي ينهجه صناع المحتويات في منصات التواصل الاجتماعي لحدث امتحانات الباكلوريا. فبدل تناول الانطباعات العادية التي يمكن أن يبديها كل تلميذ عقب انتهاء الامتحانات، وهي انطباعات الخوف أو الارتياح وغيرهما، فإنه يتم ترصد تلاميذ يتم الاتفاق معهم غالبا على تصريحات قبل تصويرهم، ليتم انتقاء ما جاء في كلامهم وتقديمه بشكل فكاهي عامة، وأحيانا بذيء، يعطي صورا سلبية عن التعليم المغربي، فضلا عن كون التصريحات التي يتم عرضها تتضمن إساءات صريحة إما للأساتذة المدرسين أو المراقبين أو المصححين أو سخرية من المعرفة والعلم إلى جانب التباهي بالغش وأحيانا العنف.
إعداد: مصطفى مورادي
«البوز» باستغلال القاصرين
تتواصل التغطيات «المخزية» التي تقوم بها صفحات عديدة في مواقع التواصل الاجتماعي لامتحانات الباكلوريا، حيث تظهر مشاهد تلاميذ يخرجون قبل انتهاء الوقت الرسمي للامتحانات وتعليقات كلها تعبر عن الافتخار والاعتزاز بالغش أو التبرم من تشدد المراقبين أو صعوبة الاختبارات. كل ذلك بغرض تحقيق الانتشار أو ما يسمى «البوز».
في هذا السياق انتقد عمر حلي، مستشار المدير العام لمنظمة «الإيسيسكو» ورئيس جامعة ابن زهر سابقا، عمليات التطبيع مع الغش عند تلامذة الباكالوريا، معتبرا أن بعض وسائل الإعلام تتحمل المسؤولية في نقل تصريحات بعض التلاميذ الذين يروجون لخطابات تطبع مع الغش.
ونشر عمر حلي فيديو عبر صفحته الفيسبوكية، معبرا عن استيائه من استغلال بعض المنابر لمرحلة اجتياز الباكالوريا، وأخذ تصريحات من تلاميذ تروج لقيم الغش، ولخطابات عدوانية ضد الأساتذة والأطر التربوية. وقال عمر حلي «في كل مرحلة اجتياز باكالوريا تروج بعض المنابر الإعلامية تصريحات للتلاميذ بلغة بذيئة وتسجل ترهات تشجع على قيم الغش»، معتبرا أن ما تقوم به هذه المنابر يعتبر مسا خطيرا بشهادة الباكالوريا التي تعتبر عتبة من العتبات المهمة في مسار التلميذ.
واعتبر الدكتور عمر حلي تصريحات التلاميذ التي تتهم الإدارة والأساتذة بعدم التسامح معهم في حالات الغش نوعا من الضرب في مصداقية شهادة الباكالوريا ومسا بجميع المقررات، مشيرا إلى غياب التساؤل حول النتيجة المحصل عليها بعد اعتماد سياسات جديدة في التعليم في مرحلة كورونا، كالتعليم عن بعد ومستقبل التلاميذ في ظل هذه الوضعية.
وأشاد عميد كلية ابن زهر سابقا بالمستوى الدراسي لأبناء الجنوب الشرقي وكل المناطق البعيدة عن المركز، منبها إلى ضرورة تسليط الضوء على تفوقهم العلمي وحصولهم على أعلى النقاط في امتحانات الباكالوريا، بدلا من الاقتصار على المدن الكبرى والمركزية، ونقل تصريحات لتلاميذ تخل بصورة التعليم بالمغرب، يضيف الدكتور.
وأشار الدكتور عمر حلي إلى المشاكل التي يتخبط فيها التعليم، داعيا إلى تعليق الأمل على الباكالوريا «كاستحقاق وطني» وبوابة لولوج المعاهد الكبرى بالنسبة للتلاميذ المتفوقين. ودعا عمر حلي، في سياق حديثه، إلى ضرورة توقيع عرائض في هذا الشأن من أجل التنبيه لخطورة ما اعتبره «انزلاقات تدوس على مصداقية الباكالوريا».
مصداقية شهادة الباكلوريا
بعيدا عن النقاش الإعلامي، وخاصة الجانب المتعلق باحترام قواعد وميثاق أخلاقيات مهنة الصحافة، فإن تنامي هذه الظاهرة أضحى مصدر قلق حقيقي من طرف مسؤولي الوزارة فضلا عن الأسر والتلاميذ الجادين، والذين لا تعكس التصريحات المنتقاة لحفنة من التلاميذ آراءهم في طبيعة الاختبارات وأجواء اجتيازها، لكون هذه التصريحات تطعن في مصداقية شهادة الباكلوريا. إذ في الوقت الذي تراهن فيه الدولة ككل، والوزارة خاصة، على حماية مصداقية شهادة الباكلوريا المغربية، سواء داخليا أو دوليا، تحرص هذه التغطيات على رسم وضع أسوأ من الواقع، لكون مجموعة من «صنّاع المحتوى» على منصتي «يوتيوب» و«فيسبوك» و«تيك توك»، وجدوا في هذه التغطيات مناسبة لتحقيق أرباح عبر رفع نسب المشاهدة بأي ثمن.
في هذا السياق كتبت «خديجة»، (تمتهن التدريس)، في صفحتها على «الفايسبوك»، «الصراحة كلمات وتصريحات مخجلة وعبارات خادشة للحياء أدلى بها عدد من التلاميذ لبعض المنابر الإعلامية، والتي أرادت من خلال ذلك الإشهار والحصول على أكبر عدد من المشاهدين دون اعتبار أن مثل هذه الأشياء تضر بسمعة البلد»، «أرجو من الجهات المعنية إيقاف هذه الأعمال المشينة، والضرب بيد من حديد لأن بلدنا فوق كل اعتبار، فلا يمكن إعطاء الفرص لأعداء المغرب والمتربصين به».
من جهته، علق الأستاذ مجاهد «لو عرض مسلسل يسئ لإحدى هيئات المحاماة أو القضاة أو حتى المقدمين لرأيت الكل يسارع الخطوة للمتابعة القانونية لذلك العمل الفني أو لقبره قبل الصدور.. لكن بالنسبة لقطاع التعليم فكل شيء مباح، وما نعيشه اليوم خلال فترة الامتحانات هو نتاج لهذه الثقافة السائدة حول المدرسة والمليئة بالتناقضات». وأضاف الناشط نفسه «هذه المرة الخطير في الأمر عندما تتسابق المنابر إلى السبق الإعلامي لاستقاء آراء المترشحين وهي تحاول تحريضهم بشكل غير مباشر على الغش والتشهير بذلك من خلال طرح أسئلة عن ظروف الامتحان ومدى مراقبة هيئة التدريس وجديتها. وهنا نجد اللامبالاة وشهادات المراهقين التي لا تخلو من استهزاء واستهتار وتهجم على الأطر»، ليختم تدوينته بالتساؤل: «إذا كان الغش قانونيا ممنوع فكيف لهؤلاء الجهر به أمام عدسات الكاميرات بدون أية متابعات؟ وهل دور الإعلام نشر ثقافة المواطنة واحترام القانون أم التحريض على الغش واعتباره حقا من الحقوق؟».
////////////////////////////////////////////////////////////////////
أطفالٌ للتكوين وليسوا أبقارا للتَّسْمين
انتظار نتائج امتحانات الباكلوريا أشد وقعا على نفسية التلاميذ، وخاصة المتفوقين منهم، من الامتحانات نفسها. ففي الوقت الذي لا يتوق فيه الكثير من التلاميذ «العاديين» إلا لمعرفة نجاحهم أو رسوبهم، ولا أهمية للمعدلات، لكون لُجوئهم للكليات العادية مسألة مفروغا منها، نجد، في المقابل، تلاميذ آخرين، وخاصة المنتمين لأسر من الطبقة الوسطى، يعيشون ضغوطات هائلة. فالمعدلات التي سيحصلون عليها ستُحَدِّد لهم نوعية التعليم الذي سيستأنفون فيه دراساتهم العليا.
والحقيقة أنها ضغوطات لم تبدأ الآن، بل بدأت مع التهيئ للامتحانات الجهوية، أي قبل سنتين، لكون معدلات هذه الامتحانات تساهم بشكل كبير في تحديد المعدلات العامة للباكلوريا، وتستمر طوال السنة الثانية من السلك نفسه، لتصل إلى مرحلة اجتياز المباريات والاستقرار في مدرسة عليا أو كلية ذات استقطاب محدود، وطنية أو أجنبية.
هذه الضغوطات النفسية الهائلة تساهم فيها الأسر بشكل كبير، إذ بدل أن تكون مسألة التوجيه لما بعد الباكلوريا نتيجة لما يسميه أهل الاختصاص «التربية على الاختيار»، فإنها تصبح مسألة حياة أو موت بالنسبة لبعض الآباء والأمهات الذين ينظرون لأبنائهم بصفتهم «مشاريع استثمارية» ينبغي أن تدر عليهم أرباحا، أو «أبقارا» ينبغي تسمينها لتدر عليهم لبنا. وفي كلتا الحالتين نلاحظ النتائج الكارثية لهذه الرؤية المرضية على شخصية أطفالهم، بحيث وصلنا لحال أصبحت الاستعانة بمحللين وأطباء نفسانيين روتينا أسبوعيا لدى بعض المراهقين.
لقد أصبحنا في وضع أضحى فيه التوجه لكليات الطب، مثلا، في صفوف نخبة من تلامذة العلوم الرياضية «سُبَّة» و«شتيمة»، وأصبح، في المقابل، التوجه لبعض المدارس أو بعض المسالك في الأقسام التحضيرية أقرب إلى «الجنة» وهي «أعز ما يُطلب». وأصبحنا نرى آباء متعلمين، ومنهم رجال تربية، لا يفرحون إطلاقا لكون أبنائهم أو بناتهم حصلوا «فقط» على 18/20 كمعدل عام. بل ويوبخونهم ويسيئون معاملتهم لأنهم سيكونون فقط «مجرد» مهندسي فلاحة أو مهندسي تجارة. وإلا ما معنى دفع مبالغ طائلة في دروس إضافية استعدادا للمباريات بعد يوم فقط من الانتهاء من الامتحانات؟ ما معنى أن تدفع بعض الأسر ألف درهم للحصة الواحدة للاستعداد لمدارس المهندسين، والمبلغ نفسه للاستعداد لمباراة الطب، والمبلغ نفسه للاستعداد للأقسام التحضرية؟ كل هذا في اليوم ذاته.
هكذا تحول المستوى التعليمي المتوسط لبعض الأسر إلى مصدر جحيم لا يطاق بالنسبة للأبناء. فما فشل فيه بعض هؤلاء الآباء، اجتماعيا واقتصاديا، يسعون لاستدراكه قسرا عبر أبنائهم. أي أن أبناءَهم مجرد وسائل يُداوون بها الكثير من العقد النفسية الناتجة عن اختياراتهم المهنية أو الأكاديمية. مع أن السؤال الذي لا يطرحه بعض هؤلاء الآباء هو هل أبناؤهم راضون فعلا عن هذه الاختيارات؟ والأهم هل سيكونون سعداء في ما سيعيشونه مستقبلا عندما سيحققون أحلام الآباء لا أحلامهم هُم؟
ما يقوم به بعض الآباء في حق أبنائهم جريمة مكتملة الأركان. فبدل أن تتم تربية الأطفال منذ الصغر على الاختيار الحر، وتنمية حس المسؤولية لديهم، مع الاكتفاء بتوجيههم دون إكراهات مادية كانت أو نفسية، فإن بعض الآباء أدخلوا أبناءهم في نماذج اجتماعية محددة سلفا، ويخضعون لـ«حروب نفسية» للحصول على أفضل المعدلات وبالتالي ولوج أفضل المدارس، ليس حبا في المعرفة وإيمانا بالدراسة والتعلُّم، بل فقط لـ«إغاظة» الجيران أو العائلة، أو فقط لتحقيق حلم فشل هؤلاء الآباء في تحقيقه بأنفسهم، فسخروا أبناءهم، قسرا، لتحقيقه بدلا عنهم.
نقابة التعليم العالي «تتوعد» الميراوي باحتجاجات جديدة بسبب نظام الأساتذة الباحثين
النقابة:
التذرع بتأخر بعض القطاعات الحكومية في إبداء الرأي حول مشروع النظام الأساسي جهل بمساره التاريخي
تواصل علاقة وزير التعليم العالي، عبد اللطيف الميراوي، ونقابة القطاع، تدهورها بسبب تراجع الوزير عن اتفاقات سابقة توصلت إليها النقابة مع الوزير السابق سعيد أمزازي. النقابة انتقدت ما أسمته «تلكؤ» الميراوي في إصدار النظام الأساسي للأساتذة الباحثين، وفي المقابل طالب الوزير بالمزيد من الوقت لتبدي مختلف القطاعات العامة ذات الصلة بهذا النظام رأيها.
احتجاجات جديدة
اعتبر المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم العالي «أن الحكومة وحدها تتحمل مسؤولية ما قد يترتب عن غياب الإرادة السياسية لمعالجة أزمة التعليم العالي المتعددة الأركان، وعن اشتداد الاحتقان في الوسط الجامعي، وعن جو التذمر واليأس المتعاظم لدى السيدات والسادة الأساتذة الباحثين».
واعتبرت النقابة «أن التذرع بتأخر بعض القطاعات الحكومية في إبداء الرأي حول مشروع النظام الأساسي، جهل بمساره التاريخي، أو تقاسم للأدوار ترفضه النقابة بالبات والمطلق»، كما اعتبرت «أن هذا التلكؤ مس خطير بمصداقية الحكومة ومصداقية الحوار الاجتماعي بصفة عامة، حيث يقيم الدليل على عدم جدية المسؤولين الحكوميين في تدبير الشأن العام، وعدم اكتراثهم بالأزمة الخطيرة التي يعيشها قطاع التعليم العالي وتأثيرها على الأوضاع الاجتماعية بصفة عامة».
وأضافت نقابة الباحثين «أن سياسة التسويف والمماطلة تصيب العمل التشاركي بين النقابة الوطنية للتعليم العالي والوزارة في مقتل، وتؤكد مرة أخرى أن تحسين الأوضاع الاجتماعية للسيدات والسادة الأساتذة الباحثين لن يكون محصلة لذكاء جماعي وقواسم مشتركة»، داعية إلى خوض إضراب جديد يوم 3 يوليوز القادم.
الميراوي يطلب المزيد من الوقت
في معرض جوابه عن سؤال آخر حول النظام الأساسي لأساتذة التعليم العالي، تقدم به فريق التجمع الوطني للأحرار، أبرز المسؤول الحكومي أن الوزارة أعدت مشروع النظام الأساسي الجديد بتنسيق وثيق مع الفرقاء الاجتماعيين، وذلك من أجل التوصل إلى صيغة متفق بشأنها، فضلا عن قيامها بتحضير ملف حول الكلفة المالية للمشروع في أفق مناقشته مع القطاعات الوزارية ذات الصلة. وأضاف الوزير أن مشروع النظام الأساسي الجديد يروم تقوية انتقائية وتناسقية مهنة الأستاذية عبر ربطها بجودة الأداء البيداغوجي والبحثي، مؤكدا أن الهدف يكمن في النهوض بهذه الفئة من الموارد البشرية والارتقاء بأوضاعها المادية والاعتبارية، وكذا والحرص على تزويد الجامعات بباحثين قادرين على تحقيق إشعاعها القاري والدولي. وسجل أن الوزارة أعطت أولوية قصوى لتسوية ملفات الترسيم والترقية وتغيير الإطار المستوفية للشروط المقررة قانونيا.
وفي رد آخر على سؤال حول وضعية الأساتذة الباحثين، تقدمت به مجموعة الدستوري الديموقراطي الاجتماعي، أوضح الميراوي أن المقاربة الإصلاحية المعتمدة من طرف الوزارة تهدف إلى تعزيز انتقائية وجاذبية وتنافسية مهنة الأستاذ الباحث من خلال ربط التحفيز المادي بجودة الأداء البيداغوجي والبحثي، وذلك كي تتمكن بلادنا من التوفر على باحثين من جيل جديد بمعايير دولية قادرين على تحقيق الإشعاع للجامعة المغربية.
وأوضح الوزير أن أي مشروع إصلاحي لا يمكن أن يحقق الأهداف المتوخاة منه دون مشاركة الأساتذة وانخراطهم الجاد والمسؤول، مبرزا أن مشروع النظام الأساسي الجديد، الذي عملت الوزارة على تحضيره، تضمن عدة مقتضيات تروم تحفيزهم عبر تجويد مساراتهم المهنية والارتقاء بوضعيتهم المادية والاعتبارية.