سهيلة التاور
في فصل الصيف، غالبا ما يكون الجو متقلبا في عدد من بلدان العالم؛ حرارة في النهار وجو بارد خلال الليل، مما يؤثر على صحة الإنسان على شكل نزلات برد صيفية، أو ما يعرف بالأنفلونزا. ومع ظهور فيروس كورونا، في الكثير من الأحيان، يصعب التفريق بين أعراض الأنفلونزا وأعراض كورونا، نظرا للتشابه الكبير بينها إلا من خلال معرفة بعض المميزات المهمة لكل منهما، لكن يظل اختبار «PCR» هو الحاسم.
تنتشر الفيروسات المسببة لكل من «كوفيد- 19» والأنفلونزا بطرق متشابهة. ويمكن أن ينتشران من خلال المخالطة اللصيقة بين الناس (متران). وينتشر هذان الفيروسان عن طريق الرذاذ التنفسي أو الضبائب المنبعثة، خلال التحدث أو العطاس أو السعال. ويمكن لهذا الرذاذ أن يهبط في فم أو أنف شخص قريب، أو أن يستنشقه شخص ما. ويمكن أن ينتشر هذان الفيروسان أيضا إذا لمس الشخص سطحا ملوثا بالفيروس، ثم لمس فمه أو أنفه أو عينيه. وقد يصاب الشخص بالعدوى عن طريق الاتصال الجسدي البشري، مثل المصافحة، ثم لمس فمه أو أنفه أو عينيه.
وقد ينتقل كل من فيروس الأنفلونزا والفيروس المسبب لـ«كوفيد- 19» إلى الآخرين عن طريق الأشخاص، قبل أن تبدأ الأعراض في الظهور؛ من قبل الأشخاص الذين يعانون من أعراض خفيفة للغاية؛ ومن قبل الأشخاص الذين لم تظهر عليهم أعراض.
وهناك العديد من العلامات والأعراض المشتركة بين كورونا والأنفلونزا، بما في ذلك الحمى، السعال، ضيق النَفَس أو صعوبة في التنفس، التعب، التهاب الحلق، انسداد أو سيلان الأنف، آلام العضلات، الصداع، الغثيان أو القيء، ولكنهما أكثر شيوعا لدى الأطفال مقارنة بالبالغين. ويمكن أن تتراوح علامات وأعراض كلا المرضين بين الخلو من الأعراض، إلى حدوث أعراض خفيفة أو شديدة.
ونظرا لأن «كوفيد- 19» والأنفلونزا لهما أعراض متشابهة، فقد يصعب تشخيص الحالة التي أصابتك بناء على الأعراض وحدها. قد يلزم إجراء فحص لمعرفة ما إذا كنت مصابا بفيروس كورونا أو الأنفلونزا، كما يمكن أيضا أن تكون مصابا بكلا المرضين في الوقت نفسه.
ويمكن أن يؤدي كل من «كوفيد- 19» والأنفلونزا إلى مضاعفات خطيرة، مثل التهاب الرئة، ومتلازمة الضائقة التنفسية الحادة، وفشل الأعضاء، والنوبات القلبية، والتهاب القلب أو الدماغ، والسكتة الدماغية والوفاة.
كما يمكن لكثير من الأشخاص المصابين بالأنفلونزا أو بأعراض وباء كورونا الخفيفة التعافي في المنزل مع الراحة وتناول السوائل. لكن بعض الناس يصابون بمرض خطير بسبب الأنفلونزا أو «كوفيد- 19»، ويحتاجون إلى البقاء بالمستشفى.
أوجه الاختلاف
هناك العديد من الاختلافات بين «كوفيد- 19» والأنفلونزا. الفيروس المسبب لكورونا مختلف عن ذلك الذي يسبب الأنفلونزا، حيث إن «كوفيد- 19» سببه نوع جديد من فيروسات كورونا اسمه «سارز كوف 2»، بينما الأنفلونزا ناتجة عن فيروسات الأنفلونزا A وB.
وتظهر أعراض «كوفيد- 19» والأنفلونزا في أوقات مختلفة، وبينها بعض الاختلافات. وعند الإصابة بفيروس كورونا قد تشعر بفقدان حاسة التذوق أو الشم. وعادة تظهر أعراض الأنفلونزا من يوم إلى 4 أيام بعد الإصابة بالعدوى، لكن في «كوفيد- 19» عادة ما تظهر الأعراض على الشخص بعد 5 أيام من الإصابة، ولكن يمكن أن تظهر الأعراض في وقت مبكر بعد يومين من الإصابة أو في وقت متأخر حتى 14 يوما بعد الإصابة، ويمكن أن يختلف النطاق الزمني.
وبينما يعتقد أن فيروسات «كوفيد- 19» والأنفلونزا تنتشر بطرق متشابهة، فإن فيروس كورونا أكثر عدوى بين فئات سكانية وفئات عمرية معينة من الأنفلونزا.
كما لوحظ أن «كوفيد- 19» له أحداث منتشرة أكثر من الأنفلونزا، هذا يعني أن الفيروس الذي يسبب كورونا يمكن أن ينتشر بسرعة وسهولة بين الكثير من الناس، ويؤدي إلى انتشار مستمر للعدوى بينهم مع تقدم الوقت. كما أن حدوث الأمراض الخطيرة مثل إصابات الرئة أكثر شيوعا لدى مرضى كورونا، مقارنة بمرضى الأنفلونزا. ويبدو أيضا أن معدل الوفيات جراء «كوفيد- 19» أعلى مقارنة بالأنفلونزا.
ويمكن أن يسبب فيروس كورونا مضاعفات مختلفة عن الأنفلونزا، مثل جلطات الدم ومتلازمة التهاب الأجهزة المتعددة لدى الأطفال.
وثمة فرق آخر بينهما، وهو إمكانية علاج الأنفلونزا بالأدوية المضادة للفيروسات، لكن بالنسبة إلى «كوفيد- 19» هناك 6 لقاحات ضده إلى حد الآن، كما قد تساعد بعض الأدوية في تخفيف حدة فيروس كورونا. وقد يقي اللقاح من عدوى «كوفيد- 19»، أو من الإصابة بمرض شديد في حال العدوى به. كما أن أخذ لقاح كورونا سوف يسمح للشخص بفعل أشياء حُرِم منها بسبب الجائحة، بما في ذلك ممارسة حياته دون الحاجة إلى ارتداء الكمامة، أو للتباعد الاجتماعي، باستثناء الأماكن المنصوص عليها في بعض التشريعات أو القوانين. لكن اللقاحات تظل عاجزة أمام بعض المتحورات الشرسة من الفيروس.
أما بالنسبة إلى الأنفلونزا، يمكن الحصول على لقاح الأنفلونزا السنوي للمساعدة على تقليل خطر الإصابة بها. ويمكن للقاح الأنفلونزا أيضا أن يقلل من شدة الأنفلونزا وخطر حدوث مضاعفات خطيرة. ويوفر مطعوم الأنفلونزا السنوي حماية ضد ثلاثة أو أربعة فيروسات أنفلونزا يتوقع أن تكون الأكثر شيوعا، خلال موسم الأنفلونزا لتلك السنة. ويتوفر اللقاح على شكل حقنة أو بخاخ أنفي.
وأوضحت الأبحاث أيضا أن الحصول على لقاح الأنفلونزا لا يجعل الشخص أكثر عرضة للإصابة بـ«كوفيد- 19» أو أنواع العدوى التنفسية الأخرى، لكنه لا يحمي من الإصابة بفيروس كورونا.
أشرس موجة من الأنفلونزا
مع تخفيف القيود والإجراءات الاحترازية التي فرضتها العديد من الدول لمواجهة جائحة فيروس كورونا، فمن المتوقع أن يشهد هذا الصيف أسوأ موجة من الإصابة بأمراض الأنفلونزا والبرد، التي لم يشهد لها مثيل منذ مدة طويلة، وفقا لما ذكرته صحيفة «نيويورك تايمز».
وأوضح خبراء الأمراض المعدية أن هناك عددا من العوامل التي تزيد من انتشار أمراض البرد في الصيف الجاري، الذي يشهد موجات حارة في العديد من أصقاع المعمورة.
ونوه الخبراء إلى أن الأجهزة المناعية لدى البشر قد فوتت، بسبب الإجراءات الاحترازية لمواجهة وباء «كوفيد- 19»، فرصة التعرض للعديد من الميكروبات التي كان يواجهها الناس بشكل يومي في وسائل المواصلات العامة ومكاتب العمل، أو خلال التجمعات العامة في الشوارع، ومراكز التسوق والترفيه وغيرها.
وبالتالي، بحسب الخبراء، فإن الجهاز المناعي لدى الإنسان لم يعد قويا كما كان في السابق، مما يبطئ استجابته لمواجهة الجراثيم والفيروسات، مشيرين إلى أنه رغم أن التعرض للفيروسات في الماضي منح الكثيرين مناعة دائمة، فإن العزل وعدم الاختلاط قد ساهم في تضاؤل تلك المناعة.
وفي هذا الصدد، يقول بول سكولنيك، اختصاصي الفيروسات المناعية ورئيس الطب الباطني بكلية فيرجينيا تيك كاريليون للطب: «التعرض المتكرر للعديد من مسببات الأمراض، يؤدي إلى تنشيط الجهاز المناعي ليكون جاهزا للاستجابة لهذا العامل الممرض».
ويضيف سكولنيك: «إذا لم تكن قد تعرضت لتلك العوامل، فإن جهازك المناعي سيكون أبطأ قليلا في الاستجابة أو قد لا يستجيب بشكل كامل، مما يؤدي إلى زيادة الإصابات ببعض التهابات الجهاز التنفسي لمدة أطول وبأعراض أقوى».
وكان المركز الأمريكي لمكافحة الأمراض والوقاية منها، قد ذكر أن حالات فيروسات الجهاز التنفسي الشائعة، بما في ذلك الفيروس المخلوي التنفسي (RSV) وفيروسات الأنفلونزا البشرية، والتي تسبب أعراض البرد والأنفلونزا التقليدية، آخذة في الارتفاع خلال الصيف الحالي.
وقالت متحدثة باسم المركز ذاته إن ارتفاع أعداد المصابين بالفيروس المخلوي، والذي يمكن أن يشكل خطرا بشكل خاص على الصغار دون عامين والطاعنين في السن، هو أمر غير معتاد في هذا الوقت من العام، حيث جرى نقل العديد من الصغار إلى المستشفيات بعد إصابتهم بأعراض حادة.
وشهدت أوروبا وجنوب إفريقيا وأستراليا ونيوزيلندا ارتفاعا في الإصابات بفيروس «آر أس في»، جراء عمليات الإغلاق التي أضعفت المناعة تجاه ذلك المرض.
وأوضحت، سو هوانغ، مديرة المركز الوطني للأنفلونزا التابع لمنظمة الصحة العالمية في معهد العلوم والبحوث البيئية بنيوزيلندا، أن القيود الصارمة التي فرضتها البلاد لم توقف فيروس كورونا المستجد فحسب، بل قضت أيضا على الفيروس المخلوي التنفسي وفيروس الأنفلونزا الموسمية.
الأنفلونزا..سبل الوقاية
للوقاية من فيروس الأنفلونزا خلال فترة تغير الفصول، يجب غسل اليدين جيدا بالماء الدافئ والصابون، وتجفيف اليدين بعد غسلهما، لأن الأيدي المبللة تنقل الميكروبات بشكل كبير بعكس الأيدي الجافة، عدم تناول مضادات حيوية دون استشارة طبيب، لأنها تضعف المناعة وتعمل على زيادة مدة المرض عند الإصابة بنزلات البرد والأنفلونزا، كما أنها مخصصة للقضاء على البكتيريا، أما نزلات البرد فتكون فيروسية، عدم تجفيف اليدين في الملابس وعدم تركهما تجفان في الهواء، عدم اللعب باليدين في الأنف والعين والفم، لأن فيروسات الشتاء تدخل إلى الجسم من خلالهم، وعادة الأيدي تكون ملوثة، وبالتالي عند لمس الفم والأنف والعين تزداد فرص الإصابة بأمراض الشتاء.
وفي ما يتعلق بإصابة الأطفال بنزلات البرد، أثبتت الدراسات العلمية الحديثة أن ابتعاد الأم عن رضيعها يخفض درجة حرارة أنفه نصف درجة، مما يزيد من احتمالات إصابته بالبرد، وأن حضنها الدافئ له يرفع مناعته. والأطفال عامة والرضع خاصة والمسنين ومدمني المخدرات والكحوليات والمدخنين هم أكثر الفئات عرضة لنزلات البرد.
ويجب كذلك الابتعاد عن التدخين بكافة صوره، فنيكوتين التبغ يزيد من خفض درجة حرارة الجلد، سيما مع تعاطي الخمور، حيث تقلل منتجات التبغ من حركة الدورة الدموية في الجلد وتؤخر محاولات تدفئته، فيما تعطي الكحول انطباعا كاذبا بالدفء، وتسبب اتساع الأوعية الدموية بالجلد، وتزيد من نقص الحرارة. وكذلك مادة الكافيين الموجودة في المنبهات، والتي يمكنها أن تتسبب في زيادة سرعة ضربات القلب، وهذا يسرع تأثير البرد على الجسم.
كما أنه من الضروري تناول المزيد من الفواكه والخضروات الطازجة، فهي تمد الجسم بمضادات الأكسدة التي تحمي من التلوث والشوارد الحرة، والألياف التي ترفع المناعة وتقلل من الحساسية، والفيتامينات التي ترفع المناعة مثل فيتامين «أ» وفيتامين «د». ويتوفر فيتامين «أ» في الرضاعة الطبيعية، البيض، اللبن، الزبدة، الكبد، الجزر، البطاطا، السبانخ، البروكولي، البنجر، الطماطم، الفلفل الرومي، البسلة، المانجو، الكانتالوب، المشمش، البرتقال، الخوخ والباباز.
وعن الأغذية الغنية بفيتامين «سي» نجد الجوافة تتربع على عرش الأغذية الغنية بفيتامين «سي»، الكيوي، البروكولي، الفلفل بألوانه، الطماطم، البرتقال، اليوسفي، الليمون، البقدونس.
أما الأعشاب العطرية كالنعناع واليانسون والبابونج. كما يعتبر الزعتر الطازج أغنى أعشاب الطهي بفيتامين «سي»، ويحتوي الفلفل الأخضر والأحمر والأصفر على ثلاثة أضعاف كمية فيتامين «سي» الموجودة في البرتقال.
وبدوره، حمض الفوليك يرفع المناعة ضمن فوائده المتعددة، ومن أهم مصادره الخميرة، الكبد، الديك الرومي، الدجاج، العدس، الخضروات الورقية، خاصة السبانخ، الفول السوداني، البروكولي، الخبز الأسمر، الخرشوف، البامية، القرنبيط، الخس، البرتقال، الكانتالوب والتمر.
ومن المهم جدا زيادة وقت النوم إلى 8 ساعات، في الظلام الدامس بدون ضوضاء.