شوف تشوف

الرئيسية

هكذا تعمل مافيا العقار بالشمال في الخفاء من أجل ربح ملايير الدراهم

تطوان: حسن الخضراوي
تحولت منطقة الشمال إلى وجهة سياحية بامتياز بتدشين الملك لأوراش ضخمة غيرت من معالم المدن وفتحت آفاقا مستقبلية لجلب الاستثمار الخارجي والمشاريع السياحية الكبرى التي تحرك عجلة الاقتصاد المحلي والوطني، فضلا عن تشغيل يد عاملة مهمة والمساهمة في الاستقرار والتنمية والحد من التداعيات السلبية لبطالة الشباب.
هذا الاهتمام الكبير الذي أصبحت تحظى به المنطقة والأوراش الكبرى التي عرفتها، حولته مافيا العقار العشوائي والمهيكل إلى الدجاجة التي تبيض ذهبا، وطورت أساليب عملها في الاستيلاء على الأراضي بطرق ملتوية واستغلالها لمراكمة ثروات طائلة، وذلك نتيجة لغياب مراقبة الحكومة والاستغلال السياسي البشع لملفات التعمير والفشل الذريع للمجالس البلدية المنتخبة في مواكبة المشاريع الملكية المهيكلة.
الاختلالات في التدبير ساهمت في ظهور أحياء عشوائية كاملة خلال الحملات الانتخابية، في ظل غياب استراتيجية واضحة المعالم توفر الشروط الضرورية التي تضمن استفادة المواطن من السكن اللائق كحق يكفله الدستور الجديد.

يرى عدد من الفاعلين الاجتماعيين أن تواطؤ العديد من الجهات، وغياب وثائق تعميرية مصادق عليها، أو الحصول عليها بطرق يكتنفها الغموض، يفتح المجال لتحويل بقع أرضية مخصصة في الأصل كمساحات خضراء أو مرافق عمومية، إلى أراض صالحة لإقامة مشاريع عقارية تدر الملايير، وذلك بحجة تشجيع الاستثمار في غياب معايير واضحة، حيث يرتبط تغيير التنطيق بـ(سلطة تقديرية) قد لا تحركها دوما المصلحة العامة.
وحسب مصادر خاصة لـ«الأخبار» فإن المستفيدين، هم دوما المستثمرون العقاريون الكبار، فضلا عن أن المشاريع المقامة ليست مشاريع للتشغيل أو للسكن الاجتماعي الموجه لفائدة محدودي الدخل بقدر ما يتعلق الأمر بمشاريع تخدم مصلحة مستثمرين محظوظين دون غيرهم، ما يتطلب فتح تحقيق رسمي في الموضوع.
استمرار الاستغلال السياسي وجني بعض السياسيين للملايير من ملفات العقار العشوائي والمنظم بالشمال، يثبت بالملموس فشل الشعار الذي حملته حكومة بنكيران بمحاربة الفساد والاهتمام بالمواطن البسيط بتمكينه من الأساسيات المرتبطة بالسكن اللائق والحد الأدنى من توفير شروط العيش الكريم.
لوبيات منظمة
أثبتت حكومة بنكيران فشلها بشكل ملموس في مواجهة لوبيات قطاع التعمير المنظم بالشمال، ويتعلق الأمر بخروقات واضحة تتم على مستوى الأحياء والمشاريع المهيكلة، فضلا عن تغيير تصاميم قطاعية في ظروف غامضة وسرعة قياسية، من أجل الترخيص لإقامة مشاريع تجزئات سكنية ومركبات سياحية. وتحدثت مصادر الجريدة عن أنه بمدينة تطوان وحدها التي يرأس حزب العدالة والتنمية مجلسها عبر قيادته لتحالف ما سمي بالوفاء استفاد ثلاثة من كبار المنعشين العقاريين بنفس الطريقة، في الوقت الذي تواجه الوكالة الحضرية طلبات أخرى بالرفض أو تأجيل البت، بالتأكيد على ضرورة انتظار الدراسة الجاري إعدادها والتي تراوح مكانها منذ مدة طويلة، ما يخل بمبدإ المساواة والعدالة ويطرح الكثير من علامات استفهام.
وكشف مصدر خاص أن لوبي العقار المنظم يضم سياسيين بارزين بالشمال، لكنهم لا يظهرون في الواجهة، كما أنهم يعملون على تسجيل بعض المشاريع في أسماء ذويهم وزوجاتهم وأبنائهم دفعا للشبهات وهروبا من المساءلة وربط المسؤولية بالمحاسبة.
وأضاف المصدر ذاته أن خرق قانون التعمير بإضافة دور أو أكثر من طرف مواطنين يسكنون أحياء مهيكلة يخضع لقانون خاص باللوبيات، التي تستغل الأمر سياسيا لجمع الأصوات من خلال توقيع وثيقة تسليم السكن، والتغاضي عن الكثير من الخروقات التعميرية الآخرى حسب درجتها والمقابل الذي يستعد المواطن لدفعه كرشوة تتم غالبا بشكل غير مباشر وبعيدا عن أعين السلطات المختصة ومراقبتها.
وشدد المصدر نفسه على أن عمل هذه اللوبيات يتم بشكل منظم في الخفاء وعبر سماسرة خاصين يتقنون الالتفاف على القوانين بمهارة، والبحث عن الثغرات التي تمكنهم من جني الأموال الطائلة دون ترك أي أثر يدل عليهم، لكن في حال توفرت الإرادة السياسية للحكومة والشجاعة الضرورية يمكن أن تكشف التحقيقات الكثير، حسب المتحدث ذاته، مشيرا إلى أن هذا ما لم تقم به حكومة بنكيران لعجزها وخوفها من مباشرة هذه الملفات الحساسة والمرتبطة بالفساد الحقيقي.

العقار والسياسة
تذهب مصادر الجريدة إلى أن العديد من السياسيين بالشمال يترشحون ضمن قوائم الانتخابات وصوب أعينهم أجندة واضحة لخدمة مشاريع عقارية ضخمة خاصة بذويهم أو من يدفعونهم للترشح في الخفاء، ومن ضمن التخطيط الذي يتم الترتيب له استثمار المعلومة الإدارية في ظروف غامضة والمبادرة إلى شراء أراض شاسعة تكون خارج المدار الحضري قبل العمل بكل الطرق من أجل دخولها المدار وتقسيمها بعد ذلك إما على شكل تجزئات سكنية مهيكلة أو بواسطة التجزيء السري.
وكشفت المصادر ذاتها أن بعض المستشارين والرؤساء حصلوا على أموال طائلة بطريقة غير مباشرة من خلال المتاجرة في مجال التعمير، ووثيقة تسليم السكنى التي يتهافت عليها العديد من المواطنين الذين يسكنون الأحياء الراقية بالشمال ويرتكبون مخالفات واضحة من خلال عدم احترامهم التصاميم أو إضافة عدد من الطوابق خارج الضوابط القانونية.
وقال المصدر ذاته إن المعلومة الإدارية المتعلقة بدخول أرض خارج المدار الحضري إلى مجال المدينة هي معلومة ذات قيمة عالية وتقدر بالملايين، باعتبار أن ثمن المتر المربع يتضاعف بشكل خيالي ويمكن صاحب الصفقة وشركاءه من تحصيل رأس مال مهم قد يكون البداية لمضاربات عقارية أخرى في الخفاء تحقق أرباحا خيالية.
وأضاف المصدر نفسه أن مستثمرين في العقار، يدفعون من أجل تنصيب مرشحين سياسيين في مراكز المسؤولية حتى يضمنوا تسهيل وتيسير الحصول على بعض الوثائق الإدارية، فضلا عن التغاضي عن الخروقات المسجلة، مشددا على أن ضبط هذه العلاقات بشكل ملموس هو شيء مستحيل في غياب الدليل المادي، لكن النعمة التي تظهر على بعض السياسيين قد تكون كافية لفتح تحقيق وسؤال من أين لك هذا… ؟.
مافيا العشوائي
كما للمشاريع المهيكلة والمنظمة مافيا تستغلها بطرق غامضة وملتوية، توجد مافيا تستغل فوضى البناء العشوائي والتجزيء السري بكل من مدن تطوان، واد لو، وعمالة المضيق الفنيدق، حيث تقدم هذه المافيا التي تضم سياسيين ومسؤولين ومقاولين عشوائيين خدمات إلى الطبقات الفقيرة بالحصول على ما يشبه السكن مقابل مبالغ مادية متفاوتة ما يساهم في انتعاش العشوائية أكثر والتأثير السلبي على المشاريع المهيكلة التي أطلقها الملك بالساحل الشمالي.
وكشف مصدر أن هناك مقاولين عشوائيين يتكلفون بكل شيء من تحضير البقعة العشوائية المجزأة سريا، إلى تسهيل وتيسير شرائها بواسطة العقود العرفية والمصادقة عليها بمصالح الجماعة بدعم من بعض السياسيين، ومباشرة عملية البناء التي تتم أحيانا في الليل وبسرعة قياسية لفرض الأمر الواقع وتعسير عملية الهدم.
وأضاف المتحدث نفسه أن مصالح عمالة المضيق الفنيدق سبق ونبهت الجماعات مرات متعددة إلى عدم المصادقة على العقود العرفية الخاصة ببيع الأراضي تجنبا لانتعاش التجزيء السري والبناء العشوائي، لكن بعض المصالح استمرت في ذلك في ظروف غامضة ما يحيل على أن هذا الملف تقف خلفه جهات تستفيد من عائدات مالية مهمة.
وقال مصدر مطلع إن لجوء المواطنين المستضعفين إلى خدمات المقاولين العشوائيين مرده إلى التعقيدات المسطرية الخاصة بالتعمير، والمضاربات العقارية التي ترفع أثمنة البقع الأرضية المهيكلة عنان السماء وتقضي على حلم الأسر المتوسطة والفقيرة نهائيا في الحصول على سكن لائق يحترم أدميتهم.
وأضاف المصدر ذاته أن على المؤسسات المسؤولة والحكومة تيسير حصول الفقراء على سكن لائق مقابل دفع أثمان معقولة وفي المتناول، عوض ذهاب هذه الأموال إلى جهات خفية مقابل التغاضي على الخروقات والعشوائية التي تستفحل يوما بعد يوم وتهدد مستقبل الوطن.

مجالس فاشلة
فشل مجلس تطوان والمجالس الجماعية المتعاقبة بعمالة المضيق الفنيدق في وضع استراتيجية واضحة المعالم من أجل الحد من تداعيات البناء العشوائي وظهور أحياء عشوائية تشبه الصفيح بالضواحي، تفتقد إلى الشروط الضرورية للعيش الكريم وتشكل نقطة سوداء وسط المشاريع السياحية والأوراش الكبرى التي دشنها الملك وتتطلع إلى مستقبل مدن نظيفة ومنظمة تنافس العديد من المدن العالمية.
وقال فاعل جمعوي، إن المجالس الجماعية وعوض الدفع باتجاه الإبداع في خلق مشاريع عقارية يمكنها توفير مساكن لذوي الدخل المحدود والأسر المتوسطة، استغرقت في استغلال الملف سياسيا ببشاعة، واتجهت لتشجيع العشوائية خلال الحملات الانتخابية من أجل توسيع قاعدة المصوتين وتوزيع الكلام المعسول والوعود الزائفة التي تذهب أدراج الرياح بمجرد ظهور النتائج.
وكشف المتحدث ذاته أن المواطن البسيط لا يعي أن الخدمة التي يقدمها إليه السياسي والجهات الخفية الأخرى بتشجيع حصوله على مسكن عشوائي هي نقمة في حد ذاتها، لأن الظواهر المرتبطة بالبناء العشوائي خطيرة وتتعلق بانتشار الجريمة والمخدرات التي تذمر الأسر والمجتمع، فضلا عن افتقار الأحياء إلى البنيات التحتية الضرورية والمرافق العامة ما يخلق منها سجونا إسمنتية بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
من جانبه قال مستشار جماعي إن الجماعات تعاني بدورها من إكراهات مهمة ولا يمكن بأي حال من الأحوال تحميلها مسؤولية انتشار البناء العشوائي وحدها، منبها على أن غياب تصاميم التهيئة وعدم الضرب بيد من حديد على يد السماسرة بقوة القانون يفتح المجال لاستفحال الظاهرة أكثر.

مطالب بالتحقيق
سبق وطالب العديد من الفاعلين الجمعويين والمهتمين، فضلا عن مستشارين بالمجالس الجماعية السلطات المختصة بفتح تحقيق في عمل مافيا البناء العشوائي والمتاجرة في الرخص والوثائق الخاصة بتسليم السكنى والخروقات التي تشوبها.
وطالبت المستشارة خديجة الزياني عن الاتحاد الدستوري رئيس البلدية، محمد قروق عن حزب العدالة والتنمية خلال إحدى الدورات بفتح تحقيق في رخص التعمير الخاصة التي يتم منحها لمن لا يستحقها من طرف قسم التعمير، مضيفة أن هناك رخص خاصة يستفيد منها سكان الأحياء الراقية المهيكلة في ظروف غامضة للهروب من دفع الميزانية التي تتطلبها عملية الربط بالماء والكهرباء على الرغم من أن القانون يمنع ذلك، وتخصص هذه الرخص لسكان الأحياء الهامشية والعشوائية فقط.
وكشفت المستشارة المعارضة أن هناك خروقات أخرى بقسم التعمير يجب فتح تحقيق فيها لوقف نزيف المال العام ومحاسبة القائمين على الفساد.
وقال فاعل سياسي إن مداخلة المستشارة كان يجب أن يفتح على إثرها تحقيق من طرف رئيس البلدية، لكنه لم يفعل رغم أن حزبه حمل شعار محاربة الفساد قبل توليه المنصب.
وأضاف المتحدث نفسه أن ما قالته المستشارة خلال الدورة هو كلام مسؤول ورسمي وقد دون في محضر الدورة بحضور السلطات المحلية المسؤولة وهذا يكفي لفتح تحقيق معمق في الملف.
هكذا إذن تستمر الخروقات ويستمر الفساد الذي تحدثت حكومة بنكيران عن محاربته، قبل أن ينتهي الأمر عند لغة تماسيح العقار وعفاريت البناء العشوائي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى