هكذا تحول الصحافي هشام عبود إلى عسكري سنة 1978
يونس جنوحي
قبل أن نسمع رواية هشام عبود للأحداث، لا بد أولا أن نتطرق إلى الانتقادات التي وُجهت له داخل الجزائر قبل أن يؤلف كتابه. فقد تعرف عليه الرأي العام الجزائري عندما كان يمارس العمل الصحافي.
نسخة شعبية
من الأمور التي جعلت الرأي العام الجزائري يتعاطف مع هشام عبود عندما أصدر مذكراته من فرنسا سنة 2002، أنه عاش طفولة كأي طفل جزائري من أبناء الشعب، مع بعض البهارات. حتى أنه في مذكراته عندما تحدث عن هذه المرحلة خصص لها حيزا عنونه كالآتي: «طفل من الشعب». ويكفي أن يسمع الجزائريون اسم منطقة «باب الواد»، وهي منطقة شعبية وسط العاصمة، والتي وُلد بها سنة 1955، حتى يتخيلوا بأنفسهم ذلك الطفل الذي وُلد هناك في ذلك الظرف الزمني الحساس. الأسرة كانت تنحدر من وسط قروي من بادية «أم بواغي» التي تبعد بـ500 كيلومتر عن العاصمة شرقا.
كانت جالية المهاجرين إلى العاصمة، والقادمين من أقصى الشرق الجزائري، يتم التعامل معهم بكثير من التعاطف، خصوصا وأن الخصال التي يعرف بها البدو المنحدرون من هناك تتأرجح بين الصدق في الكلام وسلاسة الحديث والبساطة. وهي خصال يجمع من عرفوا هشام عبود على أنها تتوفر فيه، بل وبشكل زائد أحيانا.
صحافي العسكر
هذه الصفة لم يكن هشام عبود ليُبعدها عن نفسه خلال ثمانينيات القرن الماضي، إذ إنه عندما بدأ يُعرف في أوساط الصحافيين والقراء من خلال مقالاته في المنابر التي اشتغل بها منتصف السبعينيات، جاء، لاحقا، التحول الذي قلب حياته، عندما انتقل إلى العمل العسكري. وعندما تم تعيينه لاحقا في مكاتب الجنرالات، بدأت بعض الإشاعات في الوسط الصحافي تنال من اسمه، بين الغيرة المهنية والحقد المجاني الذي كنه له بعض الذين ضايقهم وصوله إلى ديوان أهم الجنرالات في النظام الجزائري على عهد الرئيس الشاذلي بن جديد قبل إرغامه على الاستقالة. كان اسم هشام عبود يُصنع على مهل لكي يصل إلى قمة الشهرة سنة 2002، خصوصا عندما منع النظام مذكراته من أن تُباع أو تُنشر مقتطفات منها في الصحافة، وبدأ بعض المعارضين بإدخالها سرا ولف بعض النسخ داخل أمتعتهم، وهو ما زاد كثيرا من شعبية تلك المذكرات.
هذه الأخيرة يُمكن اعتبارها «المطهر» الذي نظف به هشام عبود اسمه بين الجزائريين، ومسح عنه غبار وظيفته العسكرية التي سرقته من الصحافة.
شر لا بد منه
يقول هشام عبود في مذكراته: «أتذكر الحقبة التي قررت فيها الانخراط والمشاركة في الجيش كضابط صف. كنا في يونيو 1975. لم يكن الأمر لا من أجل صناعة مسار مهني –كنت بصدد إنهاء سنتي الأولى في المدرسة الوطنية العليا للصحافة والتي أصبح يطلق عليها في السنة “الموالية”، بشراكة مع معهد الدراسات السياسية، اسم المعهد العالي للعلوم السياسية والإعلام- ولا من باب الاهتمام، لأني كنت متعاونا من قبل مع أسبوعية «حركة الشباب» براتب شهري قدره 600 دينار والذي كان ينضاف إلى منحتي الدراسية التي كانت قيمتها 360 دينارا. كان الوضع مثاليا».
حسنا، لم يكن الوضع مثاليا بالنسبة لهشام عبود الطالب إلا في نقطة الماديات، لأن البلاد وقتها كانت تتجه نحو احتدام العلاقة بين المدنيين والجيش. كما أنه حكى في هذه المذكرات عن الميز الكبير في تعامل النظام مع الطلبة العاديين والطلبة الذين اختاروا التكوين في المجال العسكري، حيث كانت منحهم أكثر أهمية من الناحية المادية كما أنهم كانوا يتابعون دراستهم بالخارج.
هذا الوضع ساهم كثيرا في صناعة الإحساس بالإقصاء لدى فئة واسعة جدا من الجزائريين. وهو إقصاء كان يحس به هشام عبود قبل أن يلج عالم الجيش. بل يقول إنه لم يتصور نهائيا أن يصبح هو الآخر من موظفي الجهاز بل ومدير ديوان أهم جنرالات النظام ومطلعا على الأسرار التي جعلت النوم يطير من عينيه لأيام، بل لأشهر قضاها يفكر في كل الحقائق المرعبة التي اطلع عليها.
صحافي «ضابط احتياطي»
يقول هشام عبود إنه سنة 1978 عندما تخرج من المعهد العالي للعلوم السياسية والإعلام، التحق مباشرة في شهر أكتوبر من تلك السنة بمدرسة تكوين الضباط الاحتياطيين، والتي كانت تقع في البلدية..، حيث استغرق منه التكوين تسعة أشهر، «وُلد» بعدها رسميا في عالم الجيش. وهناك تعرف على «عالم» آخر كان فقط يسمع عنه عندما كان طالبا وصحافيا تنشر له مقالات في الرياضة والسياسة في عدد من الصحف المعروفة في الجزائر.