سهيلة التاور
حل فيروس «كورونا» على كوكب الأرض دون سابق إنذار، مما جعل العلم يعجز عن فك شفرات الفيروس وينجح في أخرى. إلا أن العديد من الأسئلة ما زالت مبهمة والدراسات والأبحاث تشتغل ليل نهار من أجل الإجابة عنها. ومن بين الأسئلة التي يجرى البحث فيها ما يتعلق بعلاقة المرأة الحامل المهددة بالإصابة أو المصابة بالفيروس.
رغم وجود حالات انتقال لفيروس «كورونا» من شخص لآخر، فإن الخطر الذي يشكله هذا الفيروس على العامة ما يزال منخفضا حاليا.
ووفقا للكلية الأمريكية لأطباء الأمراض النسائية والتوليد فإنه «في هذا الوقت، لا يُعرف سوى القليل جدًا عن فيروس «كورونا» الجديد 2019، سيما ما يتعلق بتأثيره على الحوامل والرضع، ولا توجد حاليا توصيات خاصة للحوامل بشأن التعامل معه».
ومركز مكافحة الأمراض والوقاية منها في أمريكا لا يملك أي دليل يشير لاحتمال حدوث نتائج حمل سلبية للحوامل المصابات بفيروس «كورونا»، رغم أن أوبئة مماثلة على غرار المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة تسببت في نتائج سلبية خلال الحمل.
ولكن تعد الإصابة بالحمى عامل خطر أثناء الحمل، لذلك تنصح الحوامل بتوخي الحذر والحفاظ على النظافة الشخصية. وأورد المركز على موقعه الإلكتروني «يجب على الحوامل العمل بالإجراءات الوقائية المعتادة لتجنب العدوى كغسل الأيدي كثيرا وتجنب المرضى».
دراسات حول انتقال العدوى إلى الجنين
وفقا لمركز مكافحة الأمراض، ففي العدد المحدود من الحالات الحديثة التي وُلد فيها مواليد جدد لأمهات مصابات بفيروس «كورونا» «لم تَثبُت إصابة أي من الأطفال بالفيروس الذي يسبب هذا المرض. إضافة لذلك، لم يظهر الفيروس في عينات من السائل الأمينوسي الذي يحيط بالجنين وهو في رحم أمه، أو حليب الأم».
وقالت الكلية الأمريكية لأطباء أمراض النساء والولادة إنه في الوقت الذي تشير فيه بعض التقارير غير المؤكدة إلى إصابة بعض الأطفال بالفيروس بعد فترة وجيزة من الولادة، هناك حاجة لبيانات موثوقة لفهم كيفية إصابة هؤلاء الرضع وما إذا كان انتقال الفيروس للجنين أثناء الحمل ممكنا.
وفحصت دراسة حديثة نشرتها مجلة «ذا لانسيت» صحة تسعة أطفال لأمهات مصابات ب «كورونا»، وحصل جميع الأطفال على درجات جيدة. ولم يحتج أي من التسعة إلى عناية مركزة أو تهوية نظرا لعدم ظهور أعراض حادة على الاطلاق.
وأشارت أبحاث أُجريت ونُشرت بمجلة «ذا لانسيت» إلى أن الحوامل عرضة لمسببات الأمراض التنفسية وتطور الالتهاب الرئوي الحاد، وبالتالي فهن أكثر عرضة للإصابة ب «كورونا»، خاصة إذا كن يعانين من أمراض مزمنة أو مضاعفات الحمل. لذلك، ينبغي أن تُصنف الحوامل والأطفال حديثو الولادة ضمن الفئات الرئيسية المعرضة للخطر بالاستراتيجيات التي تركز على الوقاية من عدوى «كورونا» والتحكم فيه.
وأكد الباحثون ضرورة اتباع الإجراءات الوقائية تجاه «كورونا» استباقيا، من جانب كل من المهنيين الصحيين والحوامل. في المقابل، كشفت حالات تمت دراستها حتى الآن أن المسنين ومن يعانون من نقص المناعة أكثر عرضة للخطر، وحتى الآن لم ترد تقارير موثقة عن معاناة الأطفال من مضاعفات خطيرة.
ومن جانبها قالت الدكتورة كارولين كوين، الباحثة بجامعة بيتسبرج، إن المشيمة لا تعمل كحاجز ضد الفيروسات، وفيروس «كورونا» يجب أن يعبر المشيمة، وإذا اجتاز الفيروس حاجز المشيمة، فقد يشكل خطرًا على الجنين في وقت مبكر من الحمل، عندما يكون دماغ الجنين أكثر عرضة للخطر.»
قالت الدكتورة كريستينا تشامبرز، عالمة الأوبئة في جامعة كاليفورنيا إنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت النساء الحوامل أكثر عرضة للإصابة بالفيروس التاجي الجديد أم لا.
وأضافت «ليس لدينا أي معرفة بذلك على الإطلاق، ومن غير الواضح ما هو تأثير الفيروس على الجنين.
عادة ما تمنع المشيمة الفيروسات والبكتيريا الضارة من الوصول إلى الجنين، ويسمح بدخول أجسام مضادة مفيدة من الأم يمكنها الحفاظ على الجنين في مأمن من أي جراثيم، قبل وبعد الولادة.
ومع ذلك، هناك عدد قليل من الفيروسات تصل إلى الجنين ويمكن أن تسبب الأذى له، وأحدث مثال على ذلك هو فيروس زيكا، الذي يمكن أن يسبب تلفًا صغيرا في الرأس والمخ، خاصة في الثلث الأول والثاني من الحمل.
ولا يبدو أن «كورونا» ينتمي إلى هذه الفئة الأكثر خطورة، فإذا كان الأمر كذلك سنشهد مستويات أعلى من الإجهاض والولادة المبكرة».
كما خلصت دراسة أجريت على 9 رضع في ووهان بالصين، نُشرت في مارس في مجلة The Lancet، إلى أن الفيروس التاجي الجديد لا يبدو أنه ينتقل من الأم إلى الجنين.
ولكن في اثنتين من الدراسات الجديدة التي نُشرت في مجلة جاما الطبية، وجد الأطباء أجسامًا مضادة عند الأطفال حديثي الولادة تتعرف على الفيروس، مما يشير إلى أنه ينتقل إلى الجنين.
وجدت الدراستان مستويات عالية من الأجسام المضادة عند الرضع تسمى الجلوبيولين المناعي G، والتي يُعرف أنها تنقل من الأم إلى الجنين عبر المشيمة، ولكن في ثلاثة رضع، وجدت الدراسات أيضًا دليلًا على نوع آخر من الأجسام المضادة، يسمى الجلوبولين المناعي M، يتعرف على الفيروس التاجي، وهذه الأجسام المضادة أكبر من أن تتحرك عبر المشيمة.
انتقال فيروس «كورونا» عبر حليب الأم
إلى حد الساعة لا يوجد دليل على انتقال فيروس «كورونا» عبر حليب الأم، كما يشير مركز مكافحة الأمراض. ويعد العثور على أشكال من الأجسام المضادة التي تحمي من الفيروسات التاجية في عينات من حليب الأم خبرا سارا، فهو يعني أن أجسام الأمهات تصنع أجساما مضادة وتمررها (عدا الفيروس) إلى أطفالهن. وفي حال أصيبت الأم بالفيروس فيمكنها اتباع الإرشادات المؤقتة فيما يتعلق بالرضاعة الطبيعية.
وينصح مركز مكافحة الأمراض باتخاذ الأم جميع الاحتياطات الممكنة لتجنب انتقال عدوى الفيروس لطفلها، بما في ذلك غسل يديها قبل لمس الرضيع وارتداء قناع الوجه أثناء الرضاعة. كما ينبغي أن تغسل يديها قبل لمس مضخة الثدي اليدوية أو الكهربائية واتباع توصيات تنظيف المضخة بشكل صحيح بعد كل استخدام.
وتشير الكلية الأمريكية لأطباء الأمراض النسائية والتوليد إلى أن الشاغل الرئيسي لا يتمحور حول إمكانية انتقال الفيروس عن طريق حليب الأم، بل يتمثل بإمكانية نقل الأم المصابة الفيروس لطفلها من خلال قطرات التنفس أثناء فترة الرضاعة الطبيعية.
إرشادات الرضاعة الطبيعية
من الضروري أن يتم اتخاذ قرار إنهاء الرضاعة الطبيعية أم لا بموافقة الطبيب، وفي حال موافقته على الاستمرار، يجب اتباع ما يلي:
-غسل اليدين بالماء والصابون لمدة 30 ثانية قبل حمل الرضيع
-وضع كمامة على الأنف والفم خلال عملية الرضاعة
-في حال شفط الحليب من المهم غسل اليدين قبل استخدام الماكنة وتعقيمها عند الانتهاء.
حالات من الصين
في متابعة للمستجدات والأحداث التي سُجلت في الصين وغيرها، يبدو واضحاً أن لكل طفل حديث الولادة خصوصيته، ولا يمكن التعميم في مسألة نقل العدوى من عدمها. فكما هناك أطفال وُلدوا بنتائج سلبية من أمهات يحملن الفيروس، هناك البعض الآخر الذين ولدوا يحملون الـ «كورونا».
في أحد المستشفيات بمدينة هاربين بشمال شرق الصين، وبينما كانت والدتها تواجه معركة مع فيروس «كورونا» المصابة به، وُلدت طفلتها بعد إجراء ولادة قيصرية في 3 فبراير بإشراف أطباء التوليد والجهاز التنفسيّ والأطفال حديثي الولادة. وبالرغم من إصابة الأم بفيروس «كورونا»، إلا أنّ المفاجأة كانت بعدم إصابة الطفلة بالفيروس بعد صدور النتائج المخبرية التي تؤكد خلوها منه. ووفق ما ذكرت صحيفة «تشاينا ديلي» الصينية، وُلدت الطفلة، وهي تزن نحو 3.5 كيلوغرامات، وتتمتّع بصحة جيدة. وبعد أيام من الحجر الصحي والمراقبة الطبية، فإنّ صحة الأم كما الرضيعة جيدة ومستقرة. إنّ «نتائج الاختبارين اللذين أجريا للطفلة التي ولدت بعد 38 أسبوعاً من الحمل، كشفا عدم وجود فيروس «كورونا» لديها، والذي أدّى حتى الآن الى وفاة أكثر من 360 شخصاً في الصين».
في مقلب آخر، تم تشخيص إصابة «كورونا» لدى طفل صيني بعد 30 ساعة على ولادته، واعتُبر بحسب ما ورد في موقع «بي بي سي» أصغر مصاب بفيروس «كورونا» حتى اليوم. وكان الطفل قد ولد بتاريخ 2 فبراير2020 في «ووهان» المدينة التي منها انطلق الفيروس. ولم تعرف حتى الآن الطريقة التي انتقل بها الفيروس إلى الطفل، أي ما إذا كان قد التقطه في الرحم أو بعد الولادة. إذ يشير الأطباء إلى أنّه يمكن أن يكون التقط الفيروس في الرحم، كما يمكن أن يكون قد أصيب بعد الولادة نتيجة سعال الأم وانتقال العدوى إليه.
طرق وقاية الحامل من فيروس «كورونا»
تُنصح النساء الحوامل بتوخي الحذر والحفاظ على النظافة الشخصية جيدا، والعمل بالإجراءات الوقائية المعروفة لفيروس «كورونا»، أهمها:
-تجنّبي تماماً الأماكن المزدحمة، وعموماً حاولي البقاء في المنزل قدر المستطاع.
-في حال اضطررتِ للخروج من المنزل، ارتدي قناعاً طبياً، وابتعدي لمسافة متر أو أكثر عن الجميع.
-إغسلي يديكِ باستمرار بالماء والصابون لمدة 20 ثانية قبل ملامسة وجهك أو عينيك.
-احذري لمس الأسطح خارج المنزل، أما داخل المنزل، فاحرصي على تطهير جميع الأسطح بانتظام.
-قومي بإعداد وجبات الطعام بنفسك في المنزل بعد التأكد من تطهير الأدوات وتعقيم يديكِ، وحاولي تجنّب خدمات توصيل الطعام الى المنزل.
-طهّري جميع الأدوات التي تصل إليها يداكِ يومياً، حتى هاتفك.
-إحرصي على تناول كمية كافية من المياه يومياً، والتزمي بنظام صحي يعمل على تقوية الجهاز المناعي الخاص بك مثل تناول الفواكه والخضروات التي تحتوي على نسبة عالية من فيتامين سي، يومياً.