شوف تشوف

الرئيسية

هكذا اعتنق كارلوس الإسلام وحياته كانت سفرا دائما ومذكرات بحث لا تتوقف

يونس جنوحي
لنبدأ من النهاية. انتشر خبر اعتقال كارلوس، الذي عرف كاسم «مرعب» ذُكر في محاكمات دولية كثيرة بخصوص الضلوع في اغتيالات سياسيين، منهم رؤساء وزعماء أحزاب حول العالم. وتورط، أيضا، في عمليات مسلحة في عدد من الدول، خصوصا في الشرق الأوسط، وصارت المخابرات العالمية و«الأنتربول» تصنفه في خانة الخطر.
اعتقل سنة 1994 في السودان، وحكم عليه بالمؤبد في عدد من القضايا التي تورط فيها، وأبرزها مقتل شرطيين في مدينة باريس سنة 1975. لقد كانت هذه الواقعة مرتبطة بإحدى العمليات السرية التي قادها أو لعب فيها دورا مهما. وهذه العملية كانت في إطار تصفية عدد من الشخصيات الدولية، وزعماء أحزاب ومعارضين. نُقل كارلوس، إذن، إلى باريس التي يقضي بها حكم المؤبد منذ 1997. وتقدم سنة 2012 بطلب للحصول على إفراج مشروط. لكن الأمور كانت متشعبة للغاية في تلك الفترة، خصوصا وأن مطالب دولية كانت تطالب بالإبقاء عليه في الزنزانة، لخطورة المعلومات التي كان يعرفها عن عدد من الأنظمة.

كارلوس المسلم
ولد كارلوس، أو «إلييشراميريز سانشيز» في 12 أكتوبر سنة 1949. ورأى النور في فنزويلا في ظروف سياسية غير مستقرة. ورغم أنه وُلد لأسرة ثرية إلا أنه تأثر بأفكار الثورة عندما كان في المرحلة الجامعية بروسيا. وهناك صقلت شخصيته من جديد ليعتنق أفكارا متطرفة للغاية في نظر الموالين للرأسمالية أو الأنظمة العسكرية.
تأثر «إلييش» بالحركات التحررية حول العالم. وحسب ما نقلته وكالات رسمية، فإن لقب كارلوس التصق بحياة «إلييش» عندما تورط في عدد من العمليات المسلحة، وأصبح يُلقب في الأوساط الأمنية بـ«كارلوس الثعلب» نظرا للغموض والطريقة المتقنة التي كان ينفذ بها مخططاته.
في سنة 1975، سوف يصبح كارلوس من كبار المناصرين للقضية الفلسطينية على الواقع. ورغم أنه كان قادما من أمريكا اللاتينية، التي عرفت في وقت سابق لتلك الفترة بأنها كانت ملجأ آمنا للهاربين من قادة النظام النازي وأصدقاء هتلر، إلا أن كارلوس كان من المُعجين بالحركات التحررية حول العالم وليس في الأراضي الفلسطينية فقط. لكن أصوله الفنزويلية تشرح الكثير بخصوص عدائه للصهيونية العالمية.
حتى أنه اعتنق الدين الإسلامي في السنة نفسها، أي في سنة 1975. وبدأ ينسق مع الحركات الثورية من دول عربية كثيرة، من بينها المغرب. وسوف نفرد حلقة خاصة عن علاقة «كارلوس» في السبعينيات بشخصيات مغربية من اليسار، كانوا متحمسين للعمل المسلح في الأراضي الفلسطينية، وكان كارلوس قد التقاهم في فرنسا وأماكن أخرى بشكل سري لتأمين نقلهم إلى الأراضي الفلسطينية.
اعتناق كارلوس الدين الإسلامي كان قنبلة في عالم المخابرات العالمية التي كانت ترصد تحركاته، خصوصا بعد مشاركته في عدد من العمليات المسلحة في فرنسا، وتخطيطه لنقل السلاح إلى لندن التي كان قد قضى بها بعض سنوات الدراسة في الاقتصاد، قبل أن تنتصر جينات «المهندس» داخله حيث درس الهندسة في كلية الهندسة بمدينة موسكو الروسية.
شهرة «كارلوس» التي استحق عليها لقبه، جاءت بعد تخطيطه لاختطاف وزراء البترول في أحد اجتماعات «أوبك». وصنف وقتها الإرهابي الأكثر خطرا في العالم، لأنه تحدث بأريحية عن الموضوع وأعلن لمواليه تورطه في العملية وتخطيطه لها من ألفها إلى يائها.
كان هذا سنة 1975 دائما. وهي السنة التي كانت حافلة بالأحداث إلى حد أن ملف تلك السنة لعب دورا كبيرا في تفعيل مذكرة اعتقاله منذ منتصف السبعينيات إلى نهاية التسعينيات حيث سيُحكم عليه بالمؤبد، وينقل إلى باريس، مسرح الأحداث سابقا التي اتُهم فيها باغتيال 11 شخصا، بينهم رجال شرطة فرنسيون.
المثير في سيرة هذا الرجل أنه كان يتلقى تمويلات من رؤساء عرب، بشكل مباشر، ورؤساء دول أخرى لكي ينفذ بعض العمليات المخابراتية لصالحهم. وهكذا تورط، وورط معه أنظمة، في اغتيال عدد من الشخصيات.

المبحوث عنه الأكثر خطرا في العالم
عندما تورط كارلوس في عملية اختطاف وزراء «أوبك»، بالإضافة إلى مواقفه ومشاركته في نقل السلاح في عمليات ضخمة، من بينها عملية اغتيال الوفد الإسرائيلي في ألعاب ميونخ، احتجاجا على حضور وفد إسرائيل للألعاب الأولمبية سنة 1972، بالإضافة إلى محاولة نسف طائرة الوفد التي كانت تابعة للخطوط الإسرائيلية المسماة «العال»، وهي عملية منفصلة كان «كارلوس» قد خطط لها أيضا خلال السبعينيات ولم يُكتب لها أن تتم واعتقل بعض المخططين لها في لحظة استهداف الطائرة من سياج المطار، ثوان قبل الإقلاع.
كان كارلوس واضحا، ورغم أنه كان يتنقل بسرية وتخف، إلا أن سجله لدى المخابرات كان واضحا، إذ كان يعلن دائما مسؤوليته ومخططاته.
كيف نشأت، إذن، الصداقة بينه وبين الهواري بومدين لكي يخطط لاغتيال الملك الحسن الثاني سنة 1978؟ لا بد قبل أن نصل إلى تلك الصداقة وحدودها، أن نمسك الخيوط بخصوص عمليات كارلوس الأولى، فقد تأكد من خلال اعترافاته أنه وصل إلى الاتصال برؤساء دول عربية بشكل مباشر، بعد نجاح عملياته الأولى، وشيوع خبر اعتناقه الدين الإسلامي أيضا.
منذ 1997 إلى 2014، قضى كارلوس فترة طويلة من الصمت المطبق، وعندما فتح فمه للحديث عن عملياته إلى الصحافة، تمنى الكثيرون لو أنه صمت.
صحيح أن كارلوس لم يوافق على الحديث لكل من طلب حوارا معه، لكنه وافق مرتين فقط أو ثلاث، قال فيها كل شيء. من زنزانته في سجن لوسانتي بالضاحية الباريسية كان «كارلوس» يتأمل التلفاز الذي تمكن من الحصول على الحق في مشاهدته بصعوبة، ويحظى بزيارات عائلية متقطعة أكد فيها لزوجته أن كل العمليات التي نفذها كانت لخدمة القضية الفلسطينية وأنه ليس مجرما، وأن اعتناقه الإسلام كان عن قناعة لنصرة جبهة التحرير الفلسطينية، حيث ردد الشهادتين في اليمن في منتصف السبعينيات. كانت آخر أخبار وضعه داخل الزنزانة، تعود لسنة 2013 حيث أجريت معه مقابلتان تحدث فيهما عن حياة حافلة جدا، تهمنا منها، على الأقل، العمليات التي كانت لها علاقة بالمغرب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى