هكذا أنشأ الجنرالات مشاريع استثمارية في فرنسا وليبيا
يونس جنوحي
«إلى جانب جنرالات «البيرة» والسردين والأدوية، هناك أيضا انتهازيون من كل الأصناف من النوع الذي لا يضيع أي فرصة أبدا، مثل الكولونيل المتقاعد حسين السنوسي».
يواصل هشام عبود الحديث في هذا الموضوع قائلا إن هذا الكولونيل لديه وضع قانوني في فرنسا، حيث كان يمارس أنشطة تجارية وينسق مع نافذين جدا لرعاية تلك المشاريع. وسبق للصحافة الفرنسية أن نشرت فعلا، خصوصا سنة 2003، سلسلة مقالات تتهم فيها بعض السياسيين النافذين في فرنسا، بالتقرب من شخصيات جزائرية مشبوهة تجمع بين مناصب في الجيش الجزائري والاستثمار بملايين الأورو. وهو الوضع الذي لم يكن سليما بالمرة، إذ كيف لموظف في الجيش، مهما علت رتبته، أن يشرف على مشاريع تتعلق أساسا بالاستيراد والتصدير وينشئ فرعا في فرنسا ويعقد صفقات شخصية باسمه الشخصي والعائلي، وبملايين الأورو. لقد كان تضارب المصالح ونهب الثروة العمومية الجزائرية أمرا واضحا لا لُبس فيه.
قطفي ومن معه
يواصل عبود شرح الوضع واصفا الذين ينتمون لدائرة الكولونيل حسين السنوسي: «.. لكن هؤلاء كان عليهم الاشتغال بحذر من «قطفي» وأعوانه.
من يكون هذا الـ«قطفي»؟ هذا اسم خرج بدوره من الظل. إنه «زكّار» زروال. أي أحد رجاله.
لقد كان يشغل في السابق منصب وال، بالإضافة إلى أنه كان أيضا مدير شركة.
كان مستشار الظل بالنسبة للرئيس زروال، وهو الذي كان يدير له مشاريعه الشخصية. كان يمارس الدور نفسه الذي لعبه محمد رضا بن بوعالية بالنسبة للجنرال بتشين، والفرق بينهما أن قطفي لم يكن يشتغل لصالح مسؤول مصاب بالفصام وجنون العظمة».
دراما
كانت هناك قصص درامية في قلب القصر الرئاسي الجزائري، إذ إن رئيس البلاد، وقد أعطى هشام عبود أمثلة في عدد من صفحات هذه المذكرات من بدايتها إلى آخر سطر فيها، كان في الحقيقة يمارس صلاحيات محدودة للغاية. وأمثال قطفي وآخرون هم الذين كانوا في الحقيقة أذرع الحكم الحقيقي في الجزائر.
إذ إن هذا الأخير كان يخوض حربا ضد الموالين للرئيس، ويمثل تيار المخلصين للجنرالات. ولكي نكون أكثر دقة، يتعين القول إنه، أي قطفي، كان مخلصا أكثر لمال الجنرالات ومشاريعهم.
أما الذين كانوا يشغلون مناصب المسؤولية ويشتغلون لصالح رئاسة الجمهورية، فقد كانت المشاريع التجارية التي يشرفون عليها محدودة جدا، وبالقدر الذي يسمح الجنرالات بمزاولته.
إذ لم يكن الجنرال بتشين، الذي وصفه هشام عبود بأحط النعوت وأقذرها، ليسمح مثلا لأحد من المحسوبين على رئيس الجمهورية، خصوصا في عهد زروال، بتوسيع دائرة الأنشطة التجارية التي تمارسها شركات الرئيس.
إذ رغم أن تلك الشركات والمشاريع لم تكن مسجلة مباشرة باسمه وإنما باسم أفراد من عائلته الصغيرة والكبيرة أحيانا، إلا أن الجنرالات كانوا يراقبون مثل هذه الأمور عن كثب، بل ويجعلونها شغلهم الشاغل.
لم يكن مسموحا، إذن، حتى لرئيس الجمهورية، بتجاوز خط نفوذ الجنرالات.
بالعودة إلى موضوع الكولونيل حسين السنوسي، فإنه كان أحد الذين احترقوا لكي تبقى جيوب الجنرالات دافئة. إذ كل الذين أجبرتهم ظروف العمل «القذر» على الخروج من الظل والاكتواء بأضواء الإعلام وانتقادات الشارع، كانوا في الحقيقة قرابين لكي تزدهر أعمال الجنرالات واستثماراتهم التي تجاوزت الحدود الجزائرية ووصلت فرنسا وليبيا وتونس.
فقد كان هؤلاء الجنرالات يبرمون صفقات في مشاريع استثمارية في مجال الترفيه والاستهلاك والأغذية وتصدير المواد الأولية، بملايين الأورو سنويا. وفاق وضعهم وضع مسؤول يستغل منصبه لمراكمة الثروة، ليصبحوا رسميا محتكرين لأموال الجزائر التي تضخ مباشرة في جيوبهم، بشكل واضح.
علق هشام عبود على الوضع قائلا: «إذا ما أردنا ذكر أسماء كل الذين اشتغلوا في ظل هذه المافيا، فإنه تلزمنا آلاف الصفحات التي لن تكفي لذكرهم جميعا». كانت تلك إشارة من الكاتب إلى أنه لم يذكر بعدُ كل شيء بخصوص هؤلاء..، خصوصا وأنه أورد هذه الجملة في نهاية الفصل الذي خصصه لـ«رجال الظل»، ومر لكي يواصل حكاية مغامرته الخاصة في مواجهة الجنرالات.