شوف تشوف

الرأي

هكذا أصبحت الجرعة الثالثة للقاح كوفيد ضرورية 2.2

خالد فتحي

تفهم فرنسا وتقدر أنها ستشهد الارتفاع البريطاني نفسه في الحالات، إذا لم تبادر إلى الاستفادة من ذاك الدرس، وتقوم بإعطاء الجرعة الثالثة لمواطنيها. صحيح أنها قد بدأت الآن بالمسنين وذوي الصحة الضعيفة، ولكن من المؤكد أنها ستمدد الجرعة الثالثة لتشمل الجميع، هذا ما ينادي به خبراء الصحة هناك. فرنسا التي تتوقع موجة قادمة بسبب تناقص مناعة الملقحين تسارع الزمن، ولربما قد تفعل مثلنا، بل ومن المؤكد أنها ستقلد المغرب وستربط تحيين جواز التلقيح بتلقي الجرعة الثالثة، خصوصا بعدما تبين لها تلكؤ الفرنسيين في الامتثال لهذا الإجراء الطبي، إذ لم يتوجه سوى 2,5 مليون مواطن من أصل سبعة ملايين أزف موعد تلقيحهم بالجرعة الثالثة، وبالتالي ينضاف 4,5 ملايين فرنسي لاحتياطي فرنسا من أولئك الذين ترددوا في الحقن بالجرعة الأولى. يزداد هذا الأمر إلحاحا مع بروز الطبعة الجديدة من متحور «دلتا» السريع التفشي الذي يهدد باكتساح أوروبا «دلتا بليس»، وبعدها الانتقال إلى كل بلدان العالم، ومن ضمنها بالطبع بلدنا الحبيب المغرب لا قدر الله، إذا لم نبادر نحن أيضا بالانخراط بشكل جدي ومنتظم كمواطنين في تلقي الجرعة الثالثة متى حان موعدها. فرنسا وأوروبا تتوجسان من فصل الشتاء الذي تنتعش فيه الفيروسات التنفسية، ويميل فيه الناس إلى البقاء في الأماكن المغلقة وفي البيوت اتقاء للبرد القارس، ولذلك فالدول الذكية التي بدأت تفهم خطط «كوفيد- 19» ومناوراته تذهب في الاتجاهين معا: فرض جواز التلقيح وضمان الجرعة الثالثة لشعوبها، والحقيقة أن إسرائيل كانت أول من دق جرس الإنذار للعالم حول ضرورة إعطاء جرعة ثالثة، بعدما لاحظت أن الجرعتين لم تعودا مجديتين لدى مسنيها، وأنهم لم يصبحوا عرضة للإصابات الخفيفة فقط، بل شرعوا يتقاطرون على مصالح الإنعاش والعناية المركزة. أمامنا أيضا المثال التونسي الفاضح، تونس التي فرضت جواز التلقيح بعدما تجاوزت الوفيات فيها حاجز 25000 وفاة، لا تريد أن تنكب مرة أخرى بالفيروس، ذلك أنها تعي أن تغطيتها باللقاح ضعيفة جدا، نظرا للأزمات الحادة الأخرى التي تتعرض لها، وذلك بسبب تأخر البرلمان المنشغل قبل تجميده بالنقاشات العقيمة حول إصدار قانون الطوارئ، تاركا البلاد نهبا للفيروس. تونس تحاول الآن مداواة الفشل، فتفرض جواز التلقيح ولو دون أغلبية ملقحة، حيث تعادل الجرعة الأولى أو الجرعة الثانية هناك الآن الجرعة الثالثة عندنا. لقد تأخرت تونس كثيرا ودفعت الثمن باهظا.
أما الاستراتيجية المغربية فهي ناجحة جدا، بحيث عندنا أكثر من 22 مليون مواطن ملقح بالجرعتين، وهذا يعني مكسبا ثمينا ينبغي الحفاظ عليه، ولذلك فالجرعة الثالثة تبقي من ضعفت مناعتهم ضمن دائرة الملقحين، وبهذا الشكل لا تكون هناك ثقوب في قناعتنا الجماعية التي سوف تكبر يوما بعد يوم دون أن تنقص. إننا أشبه ما نكون بقافلة تجتاز صحراء آهلة بالمتربصين، ونحتاج أن نحرس أول وآخر القافلة حتى تتقدم كلها بسلام. نحن نتطلع إلى ملقحين جدد، وفي الآن نفسه لا نفرط ولا نضيع الملقحين القدامى. لدينا فرصة كبيرة وذهبية لكي نستفيد من أخطاء الآخرين وقصورهم، فعندما تجتهد لوحدك وتخطئ فأنت مع ذلك بطل بكل المقاييس لأنك حاولت، أما عندما تكرر أخطاء الآخرين، فأنت لست سوى مدع أو مهرج. وفي مجال التلقيح وبالخصوص التلقيح ضد كورونا، يمكن أن نفخر بأن المغرب قد أصبح مدرسة للآخرين عليهم أن يستفيدوا من استراتيجياته الناجعة، كما استفاد هو من أخطاء البعض منهم.
قد يتنطع البعض ويتعلل بأن منظمة الصحة العالمية ليست مع الجرعة الثالثة، لكنه ربما لا يدري أن هذه المنظمة المسؤولة عن صحة العالم تجد حرجا كبير في أن توصي بهذه الجرعة، وبقاع شاسعة من العالم الفقير لم تتلقح إلى حدود الآن بالجرعة الأولى.
ولذلك، فرأيها هذا سياسي وليس علميا. حيث إن الدول البراغماتية التي تبحث بكل الطرق عن مصلحة شعوبها تعي عدم وجاهة هذا المنحى علميا، وبالتالي فقد شرعت في الجرعة الثالثة لأنها تعرف ضرورتها القصوى. والمغرب من بين هذه الدول التي تنهج سياسة براغماتية مفيدة في مجال التلقيح ضد كورونا، وهذا ما ينبغي أن نفتخر به.
يبقى سؤال أخير: هل استعد المغرب جيدا لتوفير الجرعات الإضافية؟ أعتقد أنه قد فعل ذلك، وبشكل استباقي كعادته، فعندما سنشرع محليا في شهر دجنبر في إنتاج خمسة ملايين جرعة شهريا، وهو ما يعني 60 مليون جرعة سنويا، فذلك يعني أن المغرب يمتلك عناصر مقومات نجاح سياسته التلقيحية، وقادر على توفير الجرعات الكافية لشعبه. وهذا ما يسمى بالسيادة اللقاحية، التي هي من أولى ضروريات الدخول إلى عالم ما بعد أزمة كورونا، التي حتما ستنتهي يوما ما، ويبقى فقط معنا كورونا من دون أزمته. أما حاليا فعلى المغاربة الذين مر على تلقيحهم بالثانية 6 أشهر أن يختاروا التوجه نحو الجرعة الثالثة، دون انتظار رسالة وزارة الصحة، لأن الخيار الآخر سيكون هو القبول بتعريض البلاد لموجة أخرى ربما قد لا تكون أشرس من سابقاتها، ولكنها تبقى موجة لا نريدها لبلادنا، خصوصا أنها ستأتي في وقت قد بلغ فيه إنهاك الأطر الطبية كل مبلغ، وهنا مكمن خطورتها. إننا عندما نقبل على التلقيح بالجرعة الأولى والثانية والثالثة، نقلل من إمكانية بروز متحورات تحمل علامة صنع في المغرب، كما حدث لبريطانيا والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا… فلنحترس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى