هوس نتف الشعر هو اضطراب عقلي محض أسبابه تظل مجهولة إلى يومنا هذا.. سوف نحاول من خلال عدد هذا الأسبوع من «دليل الصحة النفسية» التعرف بشكل أعمق على هذا المرض «النادر» والذي قد يؤدي إلى نتائج وخيمة، نتعرف على هذا وأكثر من خلال هذه المقالات الطبية والشهادات الحية.
ما هو هوس «الترايكتيلومانيا»
هل لاحظت يوما أن لديك ميل شديد لشد أو نتف شعرات من مقدمة رأسك أثناء التركيز في عمل معين كالدراسة مثلا؟ لا تقلق! فإنك لست وحدك، إذ يعاني الكثيرون من هوس نتف الشعر أو «الترايكتيلومانيا»، ويتمثل ذلك في رغبة لا يمكن مقاومتها لشد الشعر من فروة الرأس أو الحاجبين أو غيرها من مناطق الجسم، مما يترك بقعا فارغة من الشعر في فروة الرأس أو جزءا خاليا من الشعر في الحاجبين.
تعريف الاضطراب
هوس نتف الشعر ويعرف باسم اضطراب شد خصل الشعر ويسمى كذلك باضطراب شد الشعر، هو اضطراب عقلي ينطوي على رغبة متكررة لا تقاوم لسحب الشعر من فروة الرأس، أو الحاجبين، أو مناطق أخرى من الجسم، على الرغم من محاولة التوقف. غالبا ما يترك سحب الشعر من فروة الرأس بقعا صلعاء غير مكتملة، مما يسبب ضغطا كبيرا ويمكن أن يتداخل مع الأداء الاجتماعي أو العمل.
بالنسبة لبعض الناس، قد يكون مرض هوس نتف الشعر خفيفا ويمكن التحكم فيه بشكل عام، ولكن بالنسبة للآخرين، فإن الإلحاح القهري لسحب الشعر يصبح مرضيا. قد يلجأ الأشخاص الذين يعانون من هوس نتف الشعر إلى بذل جهد كبير لإخفاء فقدان الشعر.
بالنسبة لبعض الأشخاص، قد يكون هوس نتف الشعر طفيفا ويمكن التحكم فيه بشكل عام. وبالنسبة لآخرين، تعد الرغبة القهرية لنتف الشعر ساحقة. ساعدت بعض خيارات العلاج العديد من الأشخاص في الحد من الرغبة في نتف شعرهم أو التوقف عن ذلك تماما.
ما هو أصل الكلمة؟
هوس نتف الشعر ويسمى باللاتينية Trichotillomania وتعني «thrix»شعرة،»tillein» نزع، «mania» هوس أو جنون.
متى ظهر هذا الهوس؟
ظهر هذا المصطلح في سنة 1887 مع طبيب الأمراض الجلدية الفرنسي هنري هالوب، وفي البداية كان التشخيص الأولي لهذا المرض على أنه عادة سيئة، في نهاية القرن العشرين ترسخ المفهوم بأن هذه «العادة» هي صورة مرضية تحمل جوانب نفسية.
أشكال المرض
توجد أشكال مختلفة لهذا المرض مثل: النتف الاندفاعي، والنتف القهري، والنتف التلقائي.
– النتف الاندفاعي: بمعنى أن المريض يفعله استجابة لرغبة ملحة في النتف الذي يكون مصحوبا بما يشبه الشعور باللذة وعادة ما يتلوه شعور بالندم بسبب الاستجابة لتلك الرغبة.
– النتف القهري: عندما يضطر المريض لفعل النتف استجابة لشعور متزايد بالضيق يتخلص منه المريض بالنتف (أي أن النتف هنا يماثل الفعل القهري في اضطراب الوسواس القهري) فلا يكون مصحوبا بلذة معينة وإنما فقط بالتخلص من الضيق. مثال: شعور المريضة التي عادة ما تكون كثيرة العبث في شعرها أن شعرة أو أكثر غير مستقيمة أو مستفزة بشكل أو بآخر فلا تستطيع الخلاص من إلحاح الرغبة في نزعها إلا بنتفها.
– النتف التلقائي: يكاد يكون سلوك النتف سلوكا تلقائيا عند البعض فلا نسمع منهم أكثر من أنهم يفعلون ذلك دون انتباه كامل أثناء انشغالهم بالتركيز في أي عمل أو نشاط، فلا هم يستمتعون بعملية النتف نفسها كما في الحالات الاندفاعية، ولا هم يشعرون بالضيق لا يمكنهم التخلص منه سوى بالنتف كما في الحالات القهرية، بل إنهم يقومون بهذه العملية دون انتباه إلى فعلها. إلا أن من الممكن أن ننظر إلى النوع التلقائي بشكل مختلف عن النوعين الآخرين، ذلك أننا نستطيع أن نستنتج عاملا مشتركا بين كل من النتف الاندفاعي والنتف القهري، والذي يكون غائبا في حالة النتف التلقائي وذلك هو اختيار فعل النتف في حد ذاته، ذلك أن النتف التلقائي عادة ما يحدث في حالات الانهماك الذهني في موضوع آخر كمشاهدة التلفاز أو المذاكرة أو تصفح الإنترنت، فبينما يكون المريض شارد الذهن يحدث النتف دون وعي منه وبالتالي دون اختيار، وأما في حالات النتف القهري فإن المريض أو المريضة يختار النتف ليتخلص من الشعور المتزايد بالضيق الذي يسبق فعل النتف، وينطبق ذلك أيضا في حالات النتف الاندفاعي حيث يشعر المريض أو المريضة برغبة ملحة في النتف وبشعور لذيذ غالبا أثناء القيام بذلك، بينما يقتصر الأمر في النتف القهري على الشعور بالخلاص من الضيق. بذلك يمكن أن نستنتج أن هناك نتف اختياري (رغم معرفتنا بعدم اكتمال الإرادة) ويشمل النتف القهري والاندفاعي، ونتفا غير اختياري ويشمل حالات نتف الشعر التلقائي.
> متى ندخل مرحلة الخطر؟
عندما يحدث نتف الشعر في مرحلة الطفولة المبكرة (قبل سن الخامسة) تكون الحالة محدودة والعلاج غير ضروري. بينما عند البالغين قد يكون هوس نتف الشعر عرض ثانوي كامن وراء اضطرابات نفسية وتكون العوارض في هذه الحالة طويلة الأجل. قد تحدث التهابات ثانوية بسبب الخدش ولكن من النادر حصول مضاعفات أخرى. الأشخاص الذين يعانون من هوس نتف الشعر غالبا ما يجدون العلاج من قبل الأخصائيين النفسيين الذين يساعدونهم على العيش والتغلب على المرض.
ما هي مضاعفات المرض؟
نتف الشعر قد يكون له تأثير سلبي كبير على حياة المريض، على الرغم من أن الأمر قد لا يبدو خطيرا بشكل خاص. لكن قد تشمل المضاعفات:
– الضغط العاطفي، يعبر كثير من الناس الذين يعانون من هوس نتف الشعر عن الشعور بالخجل والإهانة والإحراج. قد يعانون من قلة احترام الذات والاكتئاب والقلق.
– مشاكل في العمل والمجتمع، قد يؤدي الشعور بالإحراج بسبب فقدان الشعر إلى تجنب الأنشطة الاجتماعية وفرص العمل. قد يقوم الأشخاص الذين يعانون من هوس نتف الشعر بارتداء الشعر المستعار أو وتصفيف شعرهم بطريقة تُخفي البقع الصلعاء أو ارتداء رموش غير طبيعية
– تلف الشعر والبشرة، قد يتسبب شد الشعر المستمر في حدوث ندبات وأضرار أخرى، بما في ذلك الالتهابات، بفروة الرأس أو المنطقة التي يتم شد الشعر منها، وقد يؤثر على نمو الشعر بشكل دائم.
– كرات الشعر، قد يؤدي تناول الشعر إلى تكون كرة كبيرة متلبدة من الشعر داخل الجهاز الهضمي. قد تتسب كرة الشعر في فقدان الوزن، والتقيؤ، وانسداد الأمعاء وحتى الموت.
تشخيص الهوس وطرق التخلص منه
بعد استبعاد الأسباب الأخرى المحتملة لفقدان الشعر، يمكن للطبيب أن يدرك بسهولة أن المصاب يعاني من هذه الحالة، وذلك عن طريق فحص البقع الخالية من الشعر بجسمه، إلا أنه يجب على المريض كذلك أن يتفق مع الصفات اللازمة للتشخيص والتي منها ما يلي:
– القيام المتكرر بنتف الشعر مما ينتج عنه فراغات في الجلد.
– زيادة الإحساس بالتوتر قبل نتف الشعر أو عند مقاومة الرغبة لنتفه.
-الشعو بالارتياح النفسي بعد القيام بنتف الشعر.
-ألا تكون الحالة ناتجة عن مشكلة طبية جلدية أخرى.
-أن يسبب جذب الشعر للمريض ضيقا ملحوظا وتوترا كبيرا.
يجب أن يستشير المريض الطبيب إذا لم يستطع التوقف عن نتف الشعر أو شعر بالحرج أو الخجل من مظهره كنتيجة لنتف الشعر. إن هوس نتف الشعر ليس مجرد عادة سيئة ولكنه اضراب عقلي، والذي لا يرجح تحسنه دون علاج.
يقوم الطبيب بعد تشخيص المريض وموافقته للصفات التشخيصية السابقة باتباع بعض طرق العلاج النفسي لـهوس نتف الشعر بالإضافة إلى استخدام الأدوية أحيانا والتي تشتمل غالبا على عقاقير مضادة للاكتئاب.
1. العلاج المعرفي والسلوكي
هذه العلاجات تشمل على التنويم الإيحائي الذي قد يفيد المصاب في هذه الحالة والذي يقوم به شخص مدرب ومحترف، كما يشمل على تمارين الاسترخاء التي تقلل الرغبة في نتف الشعر، إن الأمر الأكثر أهمية في هذه الاضطرابات هو ألا يخجل المريض من الإفصاح عنها وبذلك يكون قد اتخذ أول خطوة نحو العلاج والشفاء.
2. علاج هوس نتف الشعر بالأدوية
على الرغم من عدم موافقة إدارة الغذاء والدواء على أي أدوية مخصصة لعلاج مرض هوس نتف الشعر، إلا أن بعض الأدوية قد تساعد في التحكم في بعض الأعراض مثل مضادات الاكتئاب.
أعراض «الترايكتيلومانيا»
تشمل علامات هوس نتف الشعر وأعراضها:
– نتف الشعر المتكرر، خصوصا من فروة الرأس أو الحاجبين أو الرموش، وأحيانا أخرى من مناطق أخرى من الجسم، وقد تختلف المواضع من وقت لآخر.
– شعور متزايد بالتوتر قبل النتف، أو عند محاولة مقاومة النتف
– إحساس بالسعادة أو الراحة بعد نتف الشعر
– فقدان ملحوظ للشعر، مثل الشعر القصير أو مناطق ذات شعر خفيف أو مناطق صلعاء في فروة الرأس أو في مناطق أخرى من جسم المريض، ويشمل تناثر الحاجبين والرموش أو تساقطهما.
– تفضيل نوع معين من الشعر أو طقوس تقترن بنتف الشعر أو أنماط لنتف الشعر
– عض الشعر المنتوف أو مضغة أو أكله
– اللعب بالشعر المنتوف أو فركه على الشفتين أو الوجه
– تكرار محاولة التوقف عن نتف الشعر أو محاولة الحد منها ولكن دون جدوى
– متاعب شديدة أو مشاكل في العمل أو المدرسة أو في المواقف الاجتماعية ترتبط بنتف الشعر
– العديد من المصابين بهوس نتف الشعر يقضمون جلدهم أو أظافرهم أو شفاههم.
– قد يكون نتف الشعر من الحيوانات الأليفة أو من الدمى أو من الملابس أو الأغطية، علامة أيضا.
– معظم المصابين بهوس نتف الشعر يقومون بذلك في الخفاء وفي العادة يحاولون إخفاء الاضطراب من الآخرين.
كما سبق وذكرنا أعلاه، يمكن أن يكون نتف الشعر للمصابين بهوس نتف الشعر على شكل مركز، ينتف بعض الأشخاص شعرهم بشكل مقصود للتخلص من التوتر، فيما قد يطور بعض الأشخاص طقوسا دقيقة لنتف الشعر، مثل البحث عن شعرة معينة أو عض الشعر المنتوف. والتلقائي حيث ينتف بعض الأشخاص شعرهم دون إدراك القيام بذلك أصلا، مثلا في حالة الشعور بالملل أو القراءة أو مشاهدة التليفزيون.
للإشارة: قد يقوم نفس الشخص بفعل النوعين المركز والتلقائي لنتف الشعر، وذلك اعتمادا على الوضع والحالة المزاجية. قد تحفز بعض الأوضاع والطقوس نتف الشعر، مثل وضع الرأس على اليد أو في أثناء تصفيف الشعر.
وقد يرتبط هوس نتف الشعر بالمشاعر:
– المشاعر السلبية: لدى العديد من المصابين بهوس نتف الشعر، يعد نتف الشعر طريقة للتعامل مع المشاعر السلبية أو غير المريحة، مثل الضغط أو القلق أو التوتر أو الملل أو الوحدة أو التعب أو الإحباط.
– المشاعر الإيجابية: يجد بعض المصابين بهوس نتف الشعر أن نتف الشعر يوفر شعورا بالرضا وشكلا من أشكال الراحة. ونتيجة لهذا، فإنهم يستمرون في نتف شعرهم لاستمرار هذه المشاعر الإيجابية.
هوس نتف الشعر هو اضطراب طويل المدى (مزمن). وقد تختلف حدة الأعراض من وقت لآخر في حالة عدم العلاج. على سبيل المثال، قد تؤدي التغيرات الهرمونية للحيض في تفاقم الأعراض لدى النساء. وقد تظهر الأعراض وتختفي لأسابيع أو شهور أو سنوات عند بعض الأشخاص في حالة عدم العلاج. وقد ينتهي هوس نتف الشعر خلال سنوات من بدايته وذلك في حالات نادرة.
ما هي أسباب هذا المرض؟
لم يتمكن العلماء من التوصل بشكل قاطع إلى سبب هذه الحالة، إلا أنه يعتقد أنها حالة جينية تساهم العوامل المحيطة في ظهورها والاستمرار بها، كما يرجع بعض العلماء هذا الاضطراب إلى اختلال في بعض المواد الكيميائية في الدماغ كمادة الدوبامين والسيروتونين. البعض يقوم بنتف الشعر وهو واع لما يفعل تماما، إلا أن البعض الآخر لا يكون واعيا أثناء القيام بهذا الفعل، وقد يختبر المصاب الحالتين معا فيقوم بنتف الشعر واعيا حين يكون محبطا أو مصابا باكتئاب، ويقوم المريض بفعل ذلك عن غير وعي حين يكون مصابا بالملل ولا يجد شيئا لفعله. كما نجد أن أصحاب التاريخ العائلي المرضي، والمراهقين بين 11 و 13 سنة، والنساء، والأشخاص المعرضين للإحباط والوحدة والقلق معرضون أكثر من غيرهم لاضطراب نتف الشعر.
قد تصبح مشكلة نتف الشعر عبئا كبيرا يثقل كاهل المريض، وبالأخص من الناحية الشكلية والاجتماعية، حيث يتجنب المريض الاختلاط بالآخرين إن تفاقمت المشكلة واتسعت رقعة فروة الرأس الخالية من الشعر، أو ظهرت أماكن خالية من الشعر في حاجبيه مما يؤثر على مظهره. كما يعاني المصاب من انخفاض ثقته بنفسه والقلق المستمر والشعور بالإحراج وسط الآخرين مما يضعه تحت ضغط نفسي شديد. هذا بالإضافة إلى الإضرار بفروة الرأس، ووجود كرات الشعر في الجهاز الهضمي بالنسبة لمن يقومون ببلع الشعر بعد نتفه مما يسبب اضطرابات هضمية.
العوامل التي تزيد من خطر الإصابة بالاضطراب
تساعد هذه العوامل إلى زيادة خطر الإصابة بهوس النتف:
– التاريخ العائلي. قد تلعب الوراثة دورا في الإصابة بهوس النتف، وقد يحدث الاضطراب لدى أولئك الذين لديهم قريب يعاني الاضطراب.
– العمر. عادة ما يظهر هوس «نتف الشعر» خلال فترة المراهقة المبكرة، غالبا ما يتراوح عمره بين 10 و13 سنة، وهو غالبا ما يكون مشكلة مدى الحياة. قد يكون الرضع أيضا عرضة للإصابة بهوس النتف، ولكن عادة ما يكون خفيفا ويزول من تلقاء نفسه دون علاج.
– اضطرابات أخرى. قد يعاني الأشخاص المصابون باضطراب هوس النتف أيضا من اضطرابات أخرى مثل الاكتئاب أو القلق أو اضطراب الوسواس القهري.
– الضغط النفسي. وقد تؤدي المواقف أو الأحداث المجهدة بشدة إلى الإصابة بهوس النتف لدى بعض الناس.
وعلى الرغم من أن عدد النساء اللاتي يتم علاجهن من هوس النتف أكثر بكثير من الرجال، فإن السبب قد يرجع في ذلك إلى أن النساء يطلبن على الأرجح الحصول على الاستشارة الطبية. في مرحلة الطفولة المبكرة، لكن يبدو أن الذكور والإناث يتأثرون بنفس القدر.