بقلم: خالص جلبي
قبل 66 مليون سنة ضرب نيزك شارد أمريكا الوسطى، بما يعادل مليون قنبلة هيدروجينية، فدخلت الأرض في ما يشبه الشتاء النووي وانقرضت الديناصورات. وما يقوله العلماء إن 10 في المائة فقط من المذنبات الشاردة هي التي نعرفها وما نجهله يبلغ 90 في المائة. وكان هناك تخوف من اقتراب مذنب من الأرض عام 2015، ثم تبين لاحقا أنه ليس من القرب الخطير. وهكذا فهناك الكثير من المخاطر التي تهدد الأرض والجنس البشري، وهذا يصب في خانة فكرة نهاية العالم. التي قد تحدث بسبب كوسمولوجي أو بيولوجي بانتشار فيروس قاتل، مثل «السارز» و«الإيبولا» أو «كوفيد- 19»، الذي خبرناه وخسرنا أحباء لنا معه، أو بسبب نووي من حدوث خطأ في الحسابات. وهي أمور نادرة، ولكنها إن حصلت فقد تنهي الجنس البشري، والعقل العلمي المنهجي هو الذي يضع هذا الاحتمال على نحو جاد. وفي عام 1918 م قتلت الإنفلونزا الإسبانية في أربعة أشهر أكثر مما قتلت الحرب العالمية الأولى، فمات 30 مليونا من الأنام. وفي بوسطن مات في شهر واحد 12 ألف إنسان. وكانت أفضل التجارات في الأكفان والتوابيت، وكانت البلدية تجمع الجثث من مداخل المنازل مثل النفايات، ولم تكن الفيروسات معروفة ولا المجهر الإلكتروني مخترعا. وجاء المرض وذهب بعد أن ظن الأطباء في أمريكا أنها نهاية العالم. وجيلنا عاصر فيروس «كوفيد- 19»، فانحبس العالم في زجاجة سحرية وانهار نظام الطيران، وبدأ الناس يتضرعون «ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون»، وبيع البترول بأبخس من سعر الماء، وتعطل الحج لأول مرة بعد هجمة القرامطة والحجاج. وعندما اندلعت الكوليرا عام 1905 في ألمانيا كان يموت كل يوم ألف إنسان. وحتى الآن لا يوجد لقاح وعلاج للإيدز. وضرب فيروس الغابة الإيبولا بشدة، ثم اختفى. ونحن نشهد حاليا عصر عودة الجراثيم المعروفة من الملاريا والسل، بعد أن كسرت حاجز المقاومة فلم تعد الصادات الحيوية تفتك بها. ومات في الأمريكتين مع زحف الإسبان بالحراب والخيل والمدفع، ومات من الجدري أكثر ممن مات بحراب الإسبان وبنادق الأمريكان. وجرب بوش على نفسه لقاح الجدري، ووضعت أمريكا مشروعا بخمسة مليارات دولار للقاح الجدري. واحتفظت ببقايا مستودعات الفيروس بعد أن كان مقررا التخلص منه، بعد أن أعلنت منظمة الصحة العالمية القضاء على المرض منذ عام 1972م، فلم يعثر على حالة. وفي فيلم «ما بعد الغد The Day after Tomorrow» نواجه مشكلة ارتفاع حرارة الأرض بكارثة كونية من دخول الشمال في العصر الجليدي. مما يجعل نصف الأمريكيين المدللين يزحفون لاجئين إلى المكسيك. والذي لفت النظر لاحتمالات من هذا القبيل شاب ألماني هو «ستيفان رامشتورفStefan Rahmstorf »، الخبير في توقعات المناخ في معهد بوتسدام، من خلال أبحاثه على كمبيوترات التخيل (Simulation)، ونال عام 1999م جائزة القرن من معهد جيمس – س – مك دونيل
(james s.-McDonnell) بقيمة مليون دولار، لكشفه عن هذه الظاهرة. وخلاصة أبحاثه تدور حول توقف تيار الخليج عن العمل. الذي يزحف على السطح بسرعة تسعة كيلومترات في الساعة، فينقل دفء مياه الكاريبي وخليج المكسيك إلى أوروبا وشمال الأطلنطي بما هو أكثر بعشرين مرة من أنهار العالم أجمعين، أو ما يعادل ما ينتجه 250 ألف مفاعل نووي. فيخفض الحرارة في المناخ الأوروبي في الشتاء، بمقدار خمس إلى عشر درجات، مما يخلق الاعتدال. ولولا ذلك لكانت النرويج أشبه بألاسكا وألمانيا أقرب لسيبيريا. وعند سواحل آيسلندا يبرد فيثقل، فينزل إلى عمق ثلاثة كيلومترات، مما يحوله إلى قوة شفط للماء الساخن من جديد، فيتشكل تيار بارد سفلي مقابل تيار حار علوي، وبهذه الطريقة تكتمل دورة من الماء الساخن والبارد مثل الحمامات، ولكن من حجم كوني. ولا يكفي هذا، بل يشترط كثافة الملوحة. وهنا الخطر فالماء لن يثقل وينزل إلى الأسفل، إذا جاءته أمطار عاصفة فخفضت درجة الملوحة فيه، عندها ستختنق عملية التيار الساخن البارد، مما يقود في النهاية إلى كسر هذه الحلقة المتبادلة من تيار الخليج في المحيط الأطلنطي وانقلاب جو الشمال بالكامل. وهي مسألة صرف لها المخرج الألماني «رولاند إيمريشRoland Emmerich » 125 مليون دولار ليظهر هذه القضية العلمية على صورة درامية في الفيلم، والعقل العلمي المنهجي هو الذي يضع هذا الاحتمال على نحو جاد كما قال «ستيفان رامشتورف»، خبير المناخ الألماني، قال: يجب أن لا نخفف من هذا الاحتمال؟ قد لا يأتي بهذه السرعة ولكن قد يحدث، فهذه هي طبيعة العقل المنهجي العلمي.
مع هذا فإن أبحاث العالم الدانماركي «بوجي هانسن Boji Hansen » التي نشرت في المجلة العلمية البريطانية «الطبيعة «Nature عام 2001م، أظهرت بدراسة هذا التيار في نصف القرن الفائت أن هناك تراجعا في حرارة التيار بنسبة 20 في المائة، ولكنه عاد فأعلن في ماي من عام 2004م أن هذا الأمر اعتدل منذ عام 1999م.
وفي المقابلة مع عالم المحيطات الألماني رامشتورف قال كما ذكرنا: يجب عدم التقليل من هذه الظاهرة وقد لا تكون في بحر أيام كما جاء في الفيلم، ولكنها إمكانية قابلة للتحقق مع الوقت. ونحن نعلم في التاريخ أن أوروبا الشمالية كانت قبل عشرة آلاف سنة تعيش فترة العصر الجليدي، وفيها عاش إنسان نياندرتال، والمفيد في فيلم «ما بعد الغد»، أننا نرى نجاة نصف الكرة الأرضية الجنوبي وزحف الأمريكيين إلى المكسيك، وطبعا نجاة العالم العربي وانقلاب محور الحضارة حسب الجغرافيا، وسبحان مبدل الأحوال.
وإنسان نياندرتال كشف عنه للمرة الأولى في وادي نهر نياندر في مدينة دسلدورف في ألمانيا في منتصف القرن التاسع عشر، وظهر قبل 150 ألف سنة واختفى نهائيا قبل حوالي 35 ألف سنة، وعاصره أجدادنا الأوائل، ولا يستبعد أن يكون قضى عليه جنسنا الهومو سابينز، كما أن كلمة الغول الموجودة في الذاكرة الجمعية قد ترجع إليه. وهذا يعني أن الحضارة مرتبطة بالمناخ، وهذه الأيام يعيش الشمال في مناخ جميل وغابات لانهائية ومطر مدرار، ولكن انقلاب المناخ وقساوته يقضيان على كل حضارة، فلا يمكن في ظروف الإسكيمو أو الربع الخالي أن تنشأ أي حضارة. والحضارات العظمى نشأت على حواف الأنهار العظمى. وكل يوم هو في شان فتبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام.
نافذة:
نحن نشهد حاليا عصر عودة الجراثيم المعروفة من الملاريا والسل بعد أن كسرت حاجز المقاومة فلم تعد الصادات الحيوية تفتك بها