سهيلة التاور
عرف حزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (حزب الجمهورية إلى الأمام) خسارة من النوع الثقيل الانتخابات البلدية الفرنسية أمام حزب الخضر الذي وصل للسلطة في عدة مدن كبيرة. الشيء الذي يعد بمثابة اختبار مبكر للانتخابات الرئاسية الذي يظهر صعود رئيس وزراء إيدوار فيليب الرجل الثاني في فرنسا.
هزيمة ثقيلة لماكرون
عرف حزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون “الجمهورية إلى الأمام” هزيمة ثقيلة في الانتخابات المحلية التي جرت الأحد 27 من الشهر الجاري . حيث أظهرت النتائج الأولية تقدما واضحا لحزب الخضر، الذي نجح في انتزاع مدن عدة بالتحالف مع الاشتراكيين.
وأظهرت نتائج استطلاع آراء الناخبين بعد الإدلاء بأصواتهم فوز حزب الخضر وحلفائهم اليساريين بالسيطرة على مدينتي ليون ومرسيليا، وتقدمهم في السباق للسيطرة على مجلس مدينة بوردو.
وفاز رئيس الوزراء إدوارد فيليب برئاسة بلدية مدينة لوهافر، بعدما ترشح بشكل مستقل، رغم انتمائه لحزب “الجمهورية إلى الأمام”، وقد يؤدي هذا إلى تعديل حكومي رغم أن الدستور الفرنسي يسمح لفيليب بتعيين شخص آخر للعمل رئيسا للبلدية إذا شغل هو منصب رئيس الوزراء.
وفي باريس، التي تمثل أكبر جائزة للجميع، أظهر استطلاع لآراء الناخبين احتفاظ رئيسة البلدية الاشتراكية آن إيدالجو بمنصبها، بعد حملة سادتها الفوضى من قبل معسكر ماكرون.
كما أظهرت نتائج جزئية فوز حزب مارين لوبان اليميني المتطرف في بربينيا، لتصبح أول مرة يسيطر فيها الحزب المناهض للاتحاد الأوروبي على مدينة يزيد عدد سكانها على 100 ألف نسمة.
وكانت الجولة الأولى أجريت في منتصف مارس الماضي، وسجلت معدلات متدنية من المشاركة لم تمنح حزب ماكرون الصدارة، واضطرته للتحالف مع أحزاب اليمين في عدة مدن. وقبل عام، كان ماكرون يأمل أن تساعد الانتخابات المحلية في تدعيم أركان حزبه الجديد في بلدات ومدن فرنسا، بما في ذلك العاصمة باريس، وذلك قبل سعيه للفوز بفترة ولاية ثانية في الانتخابات المقررة في 2022، لكن معاونيه قللوا في الآونة الأخيرة من حجم التوقعات.
وأجرت فرنسا الجولة الأولى من الانتخابات البلدية في منتصف مارس الماضي، قبل أقل من 48 ساعة من إجراءات العزل العام التي فرضها ماكرون، والتي وُصفت بأنها واحدة من أشدها صرامة في أوروبا، وهو ما أدى إلى تأخير الجولة الثانية طويلا.
واعتبرت هذه الهزيمة اختباراً في منتصف ولاية الرئيس الفرنسي، قبل عامين من خوضه الانتخابات الرئاسة القادمة. حيث قال قصر الإليزيه إنه اعترف بأن “موجة خضراء” اجتاحت الانتخابات.
وكانت هذه هي المرة الأولى التي يخوض فيها حزب ماكرون، الذي تم إنشاؤه قبل وقت قصير من التصويت الرئاسي لعام 2017، الانتخابات البلدية على مستوى البلاد. وقال المتحدث باسم الحكومة سيبيث ندياي: “هناك أماكن أدت بها انقساماتنا الداخلية إلى نتائج كانت مخيبة للآمال للغاية”.
بروز الرجل الثاني في فرنسا
وثبّت الخضر أنفسهم عبر هذه الانتخابات كأكبر قوّة يسارية في فرنسا، تواصلاً لعملية إعادة ترتيب المشهد السياسي في عدة دول أوروبية، حيث يحقق أنصار البيئة تقدماً مع ازدياد أهمية قضية المناخ.
كما تشير النتائج إلى أن الرجل الثاني في فرنسا تزداد شعبيته بينما تتفاقم النقمة على الرئيس. حيث اكتسب فيليب حب وثقة الفرنسيين من خلال طريقة إدارته الهادئة لأزمة فيروس كورونا.
وسجل فيليب زيادة في الشعبية في الأسابيع الأخيرة، متجاوزاً ماكرون في استطلاعات الرأي. وعلى الرغم من أن القانون الفرنسي يسمح لفيليب بشغل منصبين تنفيذيين، فإن وظيفته قد تكون مهددة مع احتمال حدوث تعديل حكومي متوقع.
تقدم”الجمهوريين”
وتصدر مرشحو حزب “الجمهوريون” اليميني الجمهوري النتائج في العديد من الأقاليم الفرنسية. ففي منطقة “أو دو فرانس” (شمال)، تقدم رئيس المنطقة المنتهية ولايته غزافييه برتران المرشح منذ الآن للانتخابات الرئاسية عام 2022، بفارق كبير على مرشح التجمع الوطني (اليمين المتطرف) سيباستيان شونو (42.5 بالمئة مقابل 24)، فيما كانت استطلاعات الرأي تتوقع منافسة شديدة بينهما.
وإثر إعلان عن نتائج الجولة الأولى، شكر غزافييه برتران كل الذين صوتوا لصالحه مؤكدا أنه “سيواصل عمله بجهد كبير لكي يفوز بنتيجة كبيرة خلال الجولة الثانية” التي ستجري الأحد 27 يونيو.
وقال برتران “منذ 2006 نحن نقوم بواجبنا في هذا الإقليم وبذلنا جهودا كبيرة من أجل تحسين ظروف معيشة الجميع دون استثناء وسنواصل في تحقيق ذلك”. مضيفا “اليمين المتطرف تراجع كثيرا في إقليمنا لأننا أظهرنا بأن السياسة لم تمت بفضل العمل والمثابرة وبذل الجهود. لقد قمنا بكسر مخالب التجمع الوطني المتطرف”، داعيا كل سكان إقليم “أو دو فرانس” إلى التصويت لصالحه بكثافة في الجولة الثانية.
ونفس الخطاب تقريبا ألقاه لوران فوكييه (الجمهوريون) الذي تصدر هو الآخر نتائج الدورة الأولى في إقليم “رون آلب” حيث تحصل على 45.80 بالمئة من الأصوات مقابل مرشحة حزب الخضر فابيين غريبير التي تحصلت على 14.3 بالمئة من الأصوات فيما جاءت وزيرة التربية السابقة في عهد فرانسوا هولاند نجاة فالو بلقاسم في المرتبة الرابعة (10.9 بالمئة) وراء ممثل حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف أندريا كوتاراك الذي تحصل على 12 بالمئة من الأصوات.
عزوف عن التصويت
وعرفت الدورة الأولى من الانتخابات الإقليمية الفرنسية عزوفا كبيرا لدى الناخبين حيث لم تتعد نسبة المشاركة عند الساعة الخامسة مساء 26.90 بالمئة، فيما قدرت نسبة الامتناع عن التصويت بنحو 68 بالمئة حسب تقديرات أولية عند إغلاق مكاتب الاقتراع. وتعد هذه النسبة أقل مقارنة بتلك التي سجلت خلال الانتخابات الإقليمية الأخيرة التي جرت في 2015 (50.09 بالمئة) وفي 2010 (53.67 بالمئة).
وجاء تنظيم هذه الانتخابات، التي أرجئت ثلاثة أشهر بسبب الأزمة الصحية، في وقت لا يزال فيه فيروس كورونا يودي بحياة العديد من الفرنسيين. فيما لم يمكن الوضع الصحي الأحزاب السياسية المشاركة في هذه الانتخابات من القيام بحملة كالمعتاد، مكتفية في غالب الأحيان بشرح برامجها عبر مواقع التواصل الاجتماعي والمنشورات الدعائية.
ودعي نحو 47.9 مليون ناخب الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الإقليمية لانتخاب أعضاء مجالس المناطق الفرنسية الـ15، لولاية مدتها 6 سنوات. ويفترض أن يكون هؤلاء مؤهلين في القضايا التي تمس المواطنين بشكل مباشر مثل النقل العام والكليات الجامعية والمدارس الثانوية أو إدارة الأراضي. هذا، وخلافا عن الانتخابات المحلية، لم يتمكن الأوروبيون الذين يعيشون في فرنسا من المشاركة في هذا الاستحقاق الانتخابي.
وينظر إلى هذه الانتخابات بمثابة اختبار قبل الأوان للانتخابات الرئاسية التي سيجري تنظيمها في ماي 2022. كما تشكل أيضا فرصة أولى للحزب الحاكم “الجمهورية إلى المام” لامتحان شرعيته لدى الفرنسيين ومعرفة مدى امتلاكه أم لا لقاعدة شعبية في الأقاليم بعيدا عن العاصمة باريس.
فشل اليمين المتطرف
كما كان الخاسر الأكبر في هذا الاقتراع كذلك هو اليمين المتطرف، الذي خانته توقعاته بحصد نتائج إيجابية، كان بالإمكان أن تساعده على ترسيخ وجوده محليا في أكثر منطقة، علما أن ارتفاع نسبة الامتناع عن التصويت كانت دائما تصب في مصلحته خلال المواعيد الانتخابية. كما تعطلت معها طموحاته “التوسعية” في التمدد عبر الجهات الفرنسية بعد انتزاعه رئاسة مدينة بيربينيون في جنوب غرب البلاد بموجب الانتخابات البلدية الأخيرة.
ولم تتجاوز نسبة الأصوات التي حصل عليها “التجمع الوطني” في هذه الانتخابات 20 بالمئة، فيما بلغت 27 بالمئة في اقتراع 2015، فيما حاول بكل ثقله حفظ ماء الوجه للظفر بمنطقة “بروفانس ألب كوت دازور” جنوب شرق فرنسا.
وأخفق ممثله بالمنطقة الوزير السابق في حكومة ساركوزي، تيري مارياني، في تجاوز مرشح اليمين الجمهوري رونو موزولييه، الذي استفاد انتخابيا من انسحاب مرشح البيئيين جان لوروغون فيليزيا من السباق لقطع الطريق أمام اليمين المتطرف.
فعلى غرار خسارة 2015، فشل اليمين المتطرف في الفوز بمنطقة “باكا” مجددا، وحصل مرشحه تيري مارياني على 43٪ من الأصوات، مقابل 57٪ لرئيس المنطقة المنتهية ولايته رونو موزولييه. ولم يكن أمام زعيمة هذا الحزب المناهض للهجرة ومنطقة اليورو، مارين لوبان، إلا الدعوة للبحث عن “حلول مشتركة” في أفق خوض السباق الرئاسي 2022.